رافع قائد أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة لصالح مقاربة عسكرية جديدة لمحاربة الإرهاب في أفريقيا، بإطلاق آليات جديدة تنصهر فيها الإمكانيات الذاتية بعيدا عن التأثيرات الإقليمية والدولية.
ويرى مراقبون أن الجزائر تحاول توظيف الحرب على الإرهاب كغطاء لتعزيز دورها وحضورها في أفريقيا، وهي تراهن لتمرير أجندتها على تآكل النفوذ الفرنسي، وصراع الأضداد في القارة السمراء، والذي لا ينتظر أن يجري حسمه قريبا لفائدة هذا الطرف أو ذاك.
ويشير المراقبون إلى أن الجهود الجارية لتفعيل آلية قيادة أركان جيوش دول الساحل، والتي سبق وأن منيت بانتكاسة في غياب حماسة دول المنطقة، تعكس إصرار الجزائر على الاضطلاع بدور أكبر على الصعيد العسكري في أفريقيا، لكن ذلك لا يخلو من تعقيدات.
وأكد رئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال السعيد شنقريحة أن بلاده “ترافع من أجل تبني مقاربة أفريقية جديدة تتعلق بمكافحة الإرهاب ترتكز على محاربة الجماعات المسلحة والوقاية من كل أشكال التطرف”، في تلميح إلى نية الجزائر لبلورة الجهد الأفريقي الذاتي بدل الاستعانة بقوى من خارج القارة. ولفت شنقريحة إلى أن “بالتزام الجزائر وعزيمة الجيش الوطني سنمضي قدما بآلياتنا الإقليمية ودعم كافة الجهود لاستباب الأمن والسلم دوليا وقاريا وإقليميا”.
وذكر الجنرال الجزائري خلال مشاركته في أشغال الاجتماع الحادي عشر للجنة رؤساء الأركان، والاجتماع العاشر لمجلس وزراء الدفاع للدول الأعضاء في قدرة إقليم شمال أفريقيا على مستوى النادي الوطني للجيش بالعاصمة، أن “التحديات التي تواجهها منطقتنا تتطلب منا العمل على التعاون للحد من العنف والتطرف وجميع أشكال الجـريمة العابرة للحدود”. وأضاف “هذه الاجتماعات ستعطي دون شك دفعا قويا لقدرة إقليمنا من حيث الجاهزية والعملياتية وتعزيز مستوى التنسيق القائم بين بلداننا”.
وكانت الجزائر بادرت بالدعوة إلى إنشاء آلية قيادة أركان وجيوش دول الساحل خلال السنوات الماضية، واتخذت من مدينة تمنراست بأقصى الجنوب عاصمة للمبادرة، غير أن عدم حماسة بعض الحكومات الأفريقية للمسعى، أجهض الجهود التي كانت تبذل من أجل “أفرقة” الآليات العسكرية والأمنية لمحاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
وتدفع الجزائر في الآونة الأخيرة باتجاه إعادة إحياء المبادرة وفق تصور أوسع، في إطار إستراتيجية تعكس نواياها في تصدر المشهد الأفريقي في هذا المجال، معتمدة في ذلك على إمكانيات ضخمة ترصدها للتسليح والجيش واللوجستيك، كما تمهد نفسها لأن تكون قاطرة المقاربة الأفريقية لمحاربة الإرهاب، رغم أن الأمر يصطدم مع محاولة فرنسا إعادة مجدها الضائع في القارة السمراء بعد خروج جيوشها من القارة، فضلا عن تمدد قوات “فاغنر” الروسية في عدد من العواصم والدول الأفريقية.
وعكس اتفاق التعاون العسكري المبرم بين الجزائر والنيجر لمراقبة الحدود البرية المشتركة، والتعاون الأمني المفتوح مع موريتانيا لتأمين مشروع الطريق الرابط بين تندوف والزويرات، أحد أوجه المقاربة العسكرية الجزائرية الرامية إلى توسيع نفوذها تحت يافطة “الإمكانيات الأفريقية لحل المشاكل الأفريقية”.
ولوحظ في الفترة الأخيرة حراك لافت للمؤسسة العسكرية الجزائرية، من خلال استقبال قادة المؤسسة للعديد من الوفود الأفريقية وحتى العربية، فيما يعكس توجها نحو تعزيز الجيش لحضوره وتوسيع نطاق التنسيق القاري والإقليمي.
وكان قائد الناحية العسكرية السادسة اللواء محمد عجرود، قد استقبل قبل أيام نائب رئيس أركان القوات المسلحة النيجيرية العميد إبراهيم عيسى بولاما، لتعزيز وترسيم الاتفاق الثنائي لمراقبة الشريط الحدودي الرابط بين البلدين.
وذكر بيان لوزارة الدفاع الجزائرية أن “في إطار تعزيز سبل التعاون الثنائي العسكري بين الجزائر والنيجر، حل بإقليم الناحية العسكرية السادسة العميد إبراهيم عيسى بولاما نائب رئيس أركان القوات المسلحة النيجيرية، على رأس وفد عسكري، حيث استقبل من طرف اللواء محمد عجرود قائد الناحية العسكرية السادسة”.
وأضاف بيان وزارة الدفاع “خلال هذه الزيارة، ترأس اللواء محمد عجرود اجتماعا تنسيقيا مع الوفد النيجيري الضيف، بحضور اللواء بلقاسم حسنات رئيس دائرة الاستعمال والتحضير لأركان الجيش الوطني الشعبي وكوادر سامية من الجيش الوطني الشعبي”.
وقال إن الطرفين بحثا “سبل التجسيد الميداني للمقاربة الأمنية التي تتبناها القيادة العليا لجيشي البلدين في مجال مجابهة مختلف أشكال التهديدات الأمنية، على رأسها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود وكذلك الهجرة غير الشرعية، في هذا الصدد تم الاتفاق على ضرورة تكثيف التنسيق العملياتي الميداني ببرمجة دوريات مشتركة على كامل الشريط الحدودي الفاصل بين الجزائر والنيجر”.
وتابع “خلال هذا الاجتماع أكد العميد إبراهيم عيسى بولاما على تطابق رؤى وتحاليل قيادتي البلدين بخصوص القضايا الأمنية الراهنة. كما اغتنم الفرصة ليؤكد أن بلاده على استعداد تام لتعزيز أواصر التعاون العسكري الثنائي”.
وتقول الجزائر إنها ترافع لصالح ضرورة الموازنة بين الحلول الاجتماعية والاقتصادية، مع تعبئة الإمكانيات العسكرية والأمنية لمحاربة التطرف والإرهاب، وتعتبر أن التخلف والتهميش والظروف الاجتماعية الصعبة، هي أحد روافد التشدد الديني المغذي للنزعة الإرهابية، كما أنها لا تتساهل في التعاطي مع التنظيمات الجهادية، خاصة في ما يتعلق بالحلول الودية ودفع الفدى، التي تشكل مصدرا هاما لتمويل الجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة.
(العرب)
تعليقات الزوار ( 0 )