قال عبد الرزاق الجباري، رئيس نادي قضاة المغرب، إن نظام السؤال متعدد الاختيارات “QCM”، الذي كان في السابق يُعمل به فقط في العلوم التطبيقية والتجريبية لأنها تنبني على المعلومات، غير صالح نهائيا في علم القانون.
وأوضح جباري في مداخلته خلال الندوة التي نظمتها جريدة “بناصا”، أمس الخميس، حول نظام السؤال متعدد الاختيارات في امتحان المحاماة ومباريات القضاء، أن هذه الصيغة في الامتحان، لا يمكن الاعتماد عليها في علم القانون، لأن الأخير يقوم على عدة مقومات أساسية، منها التحليل.
وأضاف أن أول هذه المقومات، هي “المعلومات القانونية، وهي تجسد في القانون، والقانون هنا ليس بمفهومه الضيق المنحصر في التشريع، وإنما في مفهومه الموسع الذي يتجاوز التشريع إلى الاجتهاد القضائي، آراء الفقه، المواثيق الدولية، الشريعة الإسلامية في بعض التخصصات، العرف، إلى غير ذلك من المعطيات التي يعتمدها القاضي والمحامي وغيرهم من دارسي القانون، للوصول إلى نتائج معينة”.
أما المقوم الثاني، حسب الجباري، فهو “تحليل المعلومة، الذي ينقسم إلى جزءين، الأول يتعلق بأدوات التحليل، ولا يمكن لأي رجل قانون أو باحث في علم القانون، أن يحلل نصا قانونيا، أو موادا من القانون، دون الاعتماد على علم المنطق، الذي يعتبر علماً أساسيا، بالإضافة على أصول الفقه، وهما علمان لهما علاقة وطيدة بالقانون”.
واسترسل رئيس نادي قضاة المغرب، أنه “لا يمكن لرجل القانون، أن يدرس القانون بمحيد عن المنطق وعلم أصول الفقه، الأخير الذي يعتبر مجموعة من القواعد، التي تستعمل في استنباط الحكم من النص، من الدليل”، مردفاً: “إذا عمل القاضي أو عمل المحامي أو عمل رجل القانون، هو دراسة القاعدة القانونية واستخراج ما تتضمنه من أحكام، وهذه العملية تحتاج لقواعد، وهذه القواعد هي ما ذكرت”.
وواصل الجباري، أن “الجزء الثاني، هو نتيجة التحليل، لا يمكن الاكتفاء بأدوات التحليل، وإنما يتعين أن تفضي بنا هذه الأدوات إلى صناعة الحجة، ليُقنع القاضي، لكي يستصدر حكما لصالح موكله، وكذلك القاضي، حين يتعامل بعقلية منطقية أصولية مع الوقائع، فهو يصنع حجة تقوي رأيه ومنطوق حكمه، الذي سيذيل به الحكم في نهاية المطاف”.
وشدد على أن “صناعة هذه الحجة لا يمكن أن تكون إلا عبر نطقتين أساسيتين، هي الاستدلالات البرهانية، والاستدلالات الحجاجية، وكلاهما مبحثان منطقيان وأصوليان، وهنا أستحضر مثالاً، درسنا في كلية الحقوق أكدال، وكان يدرسنا أستاذ عراقي، يأتي إلى المحاضرة، ويطرح إشكالاً معينا، ويُخَطِّئُ جميع المتدخلين، ويخبرنا بالصحيح في النهاية، وفي الحصة المقبلة يأتي ويفتتح الدرس، برأي آخر له، حول نفس الإشكالية، وهذا الرأي الجديد يكون مناقضا للرأي السابق”.
ومضى الجباري يقول في السياق ذاته، “حين جاءت مناسبة الامتحان، وضع سؤالاً عبارة عن إشكالية، بعدها حين أجاب الطلبة، من كانوا يعتقدون أن إجاباتهم صحيحة، رسبوا، وطالب وحيد كان يعتقد أن إجابته خاطئة، نجح، حتى أن هذا الطالب لم يستعد للشفوي، لأنه كان يعتقد أنه لن ينجح، وحين التقاه الأستاذ، استفسره عن سبب عدم اجتياز الشفوي، ليخبره أنه كان يعتقد أنه لن ينجح”.
وأبرز أن رد الأستاذ، على هذا الطالب، كان هو “أنكم لم تفهموا، بأن العبرة ليست في صحة الجواب، وإنما في طريقة صناعة الحجة، قد يكون جوابك خاطئا، ولكن الطريقة والمنهجية التي توصلت بها إلى الجواب هي العبرة في تكوين شخصية القانوني بصفة عامة”.
وأكد الجباري: “إذا في اعتقادي أن نظام الأسئلة متعددة الاختيارات، يبقى قاصرا، لأنه يختبر المقوم الأول في علم القانون، المتمثل في المعلومة فقط، والباحث في علم القانون غير مطالب بالحفظ، كما في بعض الشعب الأخرى، وإنما بالفهم والتحليل، لأن مادة القانون مادة فكرية بالأساس ولها روح، وتقترب من الفلسفة، لأنها تنبني على الاستشكالات”.
ونبه إلى أنه في الوقت الحالي: “طفت على السطح فكرة السيطرة على القانون، حتى على مستوى التنظير في مجال العقلية القانونية، اليوم القانون أمامنا، كيف السبيل للقاضي ليسيطر على القانون ليطبقه تطبيقا عادلاً؟”، مبرزاً أنه “حتى الدستور، تجاوز منطق تطبيق القانون، إلى التطبيق العادل للقانون، فكيف يصل القاضي لهذا الأمر دون السيطرة على القانون، وهذه السيطرة تتم عبر التحليل؟”.
من وجهة نظرنا، يشدد الجباري: “الضرورة أصبحت ملحة، لأن نعود إلى المباريات بطريقة عادية، تختبر المعلومة وكذلك المنهج، وتختبر طريقة التحليل، لأنها هي الكفيلة بمعرفة شخصية المُمْتَحَنِ، أو المتباري، لأن شخصية المتباري هي الأهم، وبالفعل بالأمس القريب كانت هناك مباريات، بما فيها مباراة القضاء، كانت تمر في أجواء الكلّ يعلم على أن العبرة في الجواب هي منهجية التحليل”.
وذكّر الجباري بواقعة تعود إلى مباراة القضاء في سنة 2009، حيث بدأ أحد المترشحين، ممن صار قاضيا الآن، يجيب على السؤال، بـ”توطئة عامة حول السؤال، وأعلن عن طريقة تحليله ومقاربته لهذا الجواب، فأوقفه أحد الأساتذة الجامعيين، وقال له أنا يكفيني طريقة الجواب، بدون أن يكمل، وتكفيني منهجية الجواب، وهذا يصلح أن يكون قاضيا، لأنه متمكن من أدوات تحليل المعلومة”.
تعليقات الزوار ( 0 )