شارك المقال
  • تم النسخ

الجامعة المغربية بين تداعيات التسييس وإيجابيات التثقيف

انعقد يوم الخميس 20 يونيو 2024 ، بمبادرة من المستشار الملكي أندريه أزولاي  وبتنظيم من رئاسة جامعة محمد الخامس ، وحضور كل من وزيري الثقافة  والتعليم الجامعي ومشاركة مجموعة من رؤساء الجامعات بالمغرب ،الملتقى الوطني الجامعي الأول تحت شعار: “الجامعة، والثقافة والإنسانيات“. وخلال هذا الملتقى الذي لم يستغرق سوى ساعتين تم تدارس سبل إدماج الثقافة والعلوم الإنسانية في الجامعات خاصة تلك التي تكون المهندسين والأطر العلمية . وهكذا أكد مستشار الملك أندريه أزولاي، في مستهل هذا الملتقى بالرباط، أنالثقافة والإنسانيات باتت تحظى بالمكانة والشرعية اللتين تستحقها ضمن مناهج جامعاتنا، في سابقة من نوعها في تاريخ التعليم العالي بالمغرب”.وأنه بات من الضروري استيعاب مكانة الثقافة والإنسانيات ووضعها في سياقها ضمن الهندسة التربوية الجديدة،“.

وبالتالي ، فالسؤال المطروح ، والذي لم يتم التطرق إليه من خلال مداخلات الوزيرين ولا باقي رؤساء الجامعات عن العوامل التي أفقدت الجامعات المغربية روحها الثقافية وجعلتها  تقتصر على تكوين أطر بشهادات عليا في مختلف التخصصات وتدني ثقافي مستفز بل حولت الجامعات إلى فضاءات لتبادل العنف والاقتتال أدى إلى سقوط ضحايا من الطلبة في جامعات مدن، كمرتيل وأكادير، وقبلهما مراكش وفاس والرشيدية. إذ أدت مجموعة من الاصطدامات بين قوات الأمن والحرس الجامعي من جهة، وفلول الطلبة من جهة أخرى إلى أحداث دامية تمثلت في وفاة بعض الطلبة وجرح العديد منهم وحدوث كسور للبعض الآخر. وإذا كانت هذه الاصطدامات أصبحت مرتبطة بالمشهد الجامعي منذ وقت طويل، والتي ما زالت متمثلة في قضية اغتيال الطالب الجيد واتهام أحد قياديي حزب العدالة والتنمية بالتورط في هذه العملية؛ فإن هذا لا يمنع بالطبع من أن يتساءل المرء باستنكار عن الأسباب التي حولت الحرم الجامعي المغربي من فضاء للتفكير والتحصيل ومن مجال للحوار والنقاش يتمتع فيه مرتادو الجامعات، من طلبة وأساتذة وأطر وباحثين، بحماية حريتهم الفكرية وسلامتهم البدنية والجسدية، إلى معترك سياسي وعسكري تمارس فيه كل أنواع التنكيل والتعنيف وإلى ساحة حرب تمارس فيها الأساليب التكتيكية والاستراتيجية العسكرية من دفاع وهجوم وتموقع وتخندق

  1. 1–      تداعيات تسييس الفضاء الجامعي

          عكست الجامعة المغربية منذ تأسيسها كل الصراعات التي كانت تعتمل بها الساحة السياسية بالمملكة. وهكذا انتقلت العدوى السياسية إلى رحاب الجامعة وانتشرت في مختلف دواليبها الإدارية والعلمية والتأطيرية لافتقاد المؤسسات الجامعية لمختلف الحصانات التي تمكن من تدعيم استقلاليتها الفكرية والتنظيمية بسبب غياب أي توافق سياسي بين الفرقاء حول مسألة التعليم بالمغرب، حيث تحولت هذه المسألة من قضية وطنية بعيدة عن كل مزايدة سياسية إلى قضية سياسية تتقاذفها التيارات الإيديولوجية وتتجاذبها الصراعات السياسية. وقد تجسد هذا التسييس خاصة داخل الحرم الجامعي نتيجة لعدة معطيات من أهمها:

              – معطى سوسيولوجي يتمثل في كون الجامعة شكلت الإطار الأساسي لتفريخ النخب السياسية الوطنية وانفتاحها على مختلف الشرائح الاجتماعية، خاصة أبناء الفئات الوسطى والشعبية، في إطار مبدأ تعميم التعليم.

          – معطى حزبي تجسد بالخصوص في استقطاب الأحزاب المغربية لأهم قواعدها وأطرها من القطاعات الطلابية.

          – معطى سياسي تجلى في كون المعارضة بالمغرب، سواء كانت يسارية أو إصلاحية أو أصولية، حولت الجامعة إلى أحد معاقلها الرئيسية في مواجهة الحكم في غياب مناخ ديمقراطي ملائم يسمح بممارسة سياسية طبيعية.

         – معطى فكري وثقافي تمثل في التأثيرات الإيديولوجية الخارجية التي وجدت صداها في الجامعة المغربية، فالكتابات الماركسية، بتلويناتها الماوية والغيفارية والهوشيمنية،  والكتابات الأصولية، بتلويناتها القطبية والمودودية والسلفية، كانت غالبا ما تجد التربة الخصبة في رحاب الجامعات المغربية وبين صفوف طلبتها وأطرها.

         –  معطى تنظيمي تمثل في افتقاد الحصانة التنظيمية، فعلى الرغم من كل التأكيدات الرسمية وغير الرسمية حول ضرورة استقلالية الجامعة، فقد بقي هذا المبدأ حلما طوباويا لم يتكرس لحد الآن على أرضية الواقع الجامعي. فقد رضخت الجامعة المغربية منذ نشأتها لوصاية الإدارة لا من حيث تسييرها أو من حيث تمويلها. وهكذا فإن السلطة في شخص وزير التعليم هي التي تقوم بتعيين أو عزل رؤساء الجامعات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة في كل ما يتعلق بالتسيير الإداري والعلمي للجامعة والتصرف في ميزانيتها. ولا يعتبرون مسؤولين بشكل مباشر إلا أمام السلطة التي بإمكانها وحدها عزلهم أو نقلهم أو إقالتهم. في حين أن عمداء الكليات ينتقون عادة من بين ثلاثة مرشحين من أساتذة التعليم العالي. وتتم المصادقة على تعيين أحدهم بمجلس الحكومة.أما الشعب المختلفة فيبقى دورها محدودا وقراراتها شبه استشارية. وبالتالي فقد شجع هذا الوضع على تحويل عدة جامعات إلى نوع من الإقطاعيات الخاصة يكون فيها الحل والعقد للمسؤولين عن هذه الجامعات الذين بيدهم سلطة التعيين والرفض. كما أن مختلف الأجهزة المسيرة للمرافق الإدارية التابعة للمؤسسات الجامعية تبقى في آخر المطاف تحت إشراف الوزارة الوصية، في حين تخضع المرافق الإيوائية الجامعية لإشراف وزارة الداخلية. ففي عهد وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، على سبيل المثال، كان جل مدراء الأحياء الجامعية عادة ما يعينون من القواد، مما كان يكرس الطابع الأمني على مستوى سير هذه المرافق الجامعية. أما مجالس الطلبة التي تم التأكيد على انتخاب تشكيلها، فقد بقيت بدون وظيفة محددة ولا تساهم بأي دور فعال فيما يتخذ من قرارات تتعلق بشؤون الطلبة أو بسير الأنشطة البيداغوجية والأكاديمية والثقافية والرياضية في أغلب الكليات.

   –معطى نقابي تمثل في الانقسامات التنظيمية التي عرفها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، حيث إن كل حزب حاول خلق نقابته الطلابية. وقد أدت هذه العوامل وغيرها إلى إغراق نشاط الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في مشاكل سياسية أكبر من حجمه، جعلته لا يلتفت إلى المشاكل الطلابية إلا لاستغلالها سياسيا وفق الظرفية السياسية السائدة، وتبعا لطبيعة القيادة المهيمنة على التنظيم. ونتيجة لهذا الوضع ابتعد الاتحاد عن هموم الطلبة ومشاكلهم، وتنحى عن وظيفته الأساسية في الدفاع عن مطالب الطلبة ومراعاة خصوصيتها النقابية والمطلبية.

معطى أكاديمي ، حيث أنه إذا كان الاختزال الحزبي قد قوض استقلاليةنقابة الطلاب العتيدة، فقد أدى أيضا إلى التأثير على معايير التأطير الجامعي والسير العلمي والفكري داخل الكليات. وهكذا أصبحت الجامعة، خاصة خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن 20، مجالا لتنافس الأحزاب في منح التزكيات للأساتذة الراغبين في ولوج هذه الكليات أو العمل على إقصائهم، مما حول العديد من الشعب داخل هذه الكليات إلى فروع حزبية تتصارع فيما بينها وفق منطق التحالفات والتموقعات وخلايا لنشر الأدبيات الإيديولوجية لكل حزب. كما استغلت المنابر الجامعية لتكريس السلفيات اليسارية والسلفيات الأصولية لتنضاف إليها النزعات الانفصالية والقبلية التي شهدتها مؤخرا بعض الكليات، سواء بفاس أو الرشيدية أو مراكش أو أكادير، والتي وجدت تربتها الخصبة في عقلية طلبة ينحدرون من مناطق قروية أو صحراوية وجبلية تتميز بالتعصب بمختلف أشكاله.

  • –        معطى أمني تمثل في عسكرة الجامعة ، التي تحولت من مجال للتلقين والتحصيل والتثقيف إلى مجال للتسييس والأدلجة والاصطدام جعل السلطة تتتبع عن قرب ما يجري داخل الحرم الجامعي وتتابع تطورات الساحة الطلابية. فقد أدركت السلطة بأن أهم معاقل المعارضة السياسية، خاصة تلك غير المعترف بشرعيتها من طرف النظام، عادة ما تجد ملاذها في رحاب الجامعات وقواعدها بين صفوف الطلبة وأطرها ضمن الطاقم الجامعي. كما شعرت بأن أهم التحركات السياسية غالبا ما تبدأ في الجامعات من خلال شن الإضرابات العامة والإضرابات اللامحدودة، وممارسة الأنشطة السياسية داخل الأحياء الجامعية. من هنا عملت السلطة على احتواء الجامعة وتطويقها من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات الأمنية تمثلت خاصة في: المراقبة الأمنية، تشكيل الحرس الجامعي وانتهاك حرمة الجامعة.

وبالتالي ، ففي ظل هذه الأجواء ، فقدت الجامعة زخمها الثقافي والفكري ، وتحولت حتى تلك الأنشطة الثقافية التي تنظم تحت مسميات مختلفة كالأسابيع الثقافية أو ربيع الثقافة إلى أنشطة دعائية واستقطابية بين القوى السياسية المتحكمة في كل جامعة أو الكليات التابعة لها .

2–      إيجابيات إدماج الفضاء الجامعي في المنظومة الثقافية

         إن مبادرة المستشار الملكي أندريه أزولاي، للدعوة لهذا الملتقى ، على الرغم من أهميتها وراهنيتها لا يمكن إلا أن تثير التساؤل عن الخلفية الثاوية وراءها هل هي فقط مبادرة فردية انطلقت من مدينة الصويرة كما أشار إلى ذلك رئيس جامعة محمد الخامس بالنيابة فريد الباشا،  أم أنها تعكس خلفية رسمية في إدماج روح الثقافة والأنسنة ضمن البرامج  والمقررات الجامعية بدل التركيز فقط على التلقين وحفظ الدروس واستكمال المواد العلمية . في حين يبدو أن الكلمة التي ألقاها المستشار الملكي تضع هذه المبادرة في أفق استراتيجي يتغيا تعزيز تموقع المملكة الريادي حيث أنالأمر يتعلق بتخطي عتبة حاسمة من شأنها أن تساهم في ترسيخ وتوسيع وإدامة ريادة بلدنا الذي عرف كيف يجعل من تراثه المادي واللامادي، وكذا من تاريخه وثراء كافة أوجه تنوعه، محركا مركزيا لحداثته الاجتماعيةإن المغرب، القوي بفضل ريادة الملك محمد السادس، والرؤية الملتزمة، استطاع أن يخطو خطوات متقدمة في مجتمع للأمم يبحث عن معالمه، وتضعفه في معظم الأحيان أوهام الانطواء وإنكار الآخر؛ في وقت عرف البلد، أرض الإسلام، كيف يحمي ويغذي ويطور انفتاحه على العالم دون تردد، ودون التخلي عن جوهر ووحدة هويته وأصالة تقاليده“.

أما وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، فقد أبرز أهمية حقلي العلوم الإنسانية والثقافة باعتبارهما من العناصر الأساسية في إصلاح التعليم العالي، إلى جانب التمكن من اللغات الأجنبية بغية الانفتاح على الثقافات الأخرى، داعيا الشباب المغربي إلى سبر أغوار المناطق المغربية التي تزخر بالتعدد الثقافي، و مؤكدا على دور المعهد الوطني للعلوم الإنسانية والاجتماعية في التعريف بالتنوع الثقافي المغربي.

     من هنا يبدو ، أن هذا الملتقى هو بمثابة  بالون اختبار شبه رسمي من طرف الدولة لاضفاء  الجانب الثقافي  على الفضاء الجامعي الذي أصبح يكون أطرا آلية وتقنية لا تمتلك أي عمق ثقافي أو ذوق جمالي أو حس فني .بل الأدهى من ذلك أنها أصبحت تشكل لقمة سائغة لأي تطرف فكري .كما يبدو أن هذا الملتقى هو محاولة لبلورة تصور يقوم على ضرورة إدماج الجامعات المغربية وبالأخص تلك المتخصصة في العلوم والمدارس العليا للهندسة  في منظومة ثقافية من خلال إدخال  الأنشطة الفنية إلى الفضاء الجامعي وتدريس اللغات بالإضافة إلى تدريس بعض مواد العلوم الإنسانية من فلسفة وسوسيولوجيا وتاريخ. وفي انتظار أن تسفر لقاءات أخرى عن بلورة أفكار بهذا الشأن ، تنبغي الإشارة إلى أي تصور مستقبلي يتعلق بتحقيق هذا المبتغى يتطلب بالأساس أن تكون للدولة رؤية واضحة حول الدور الثقافي ليس فقط  للجامعة  بل دور الثقافة في المشروع  التنموي للمملكة خاصة بعدما تمتغييبالثّقافة والفن في الرّؤية التنموية الجديدة التي حملها تقرير لجنة النموذج التنموي المرفوع إلى الملك محمد السادس والذي لم يتضمّن أيّ إشارة إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه المثقّفون والكتاب والمسرحيون لبناء مغرب الغد. بالإضافة إلى أنه لم يتضمّن أيّ توصيات بشأن التدبير الثّقافي في البلاد، ما عدا إشارات محتشمة تهم ضعف الصناعات الثقافية وتنشيط فضاءات ثقافية

وبالتالي ، فإن معالجة هذه الإشكالية لا تقتصر فقط على إدماج بعض الأنشطة الثقافية وتدريس اللغات الحية في الجامعات ، بل يتطلب منظورا شموليا ينطلق من أسلاك التعليم الأولى ، حيث من الضروري أن يتم تلقين التلميذ مواد التنشيط الفني كالموسيقى والمسرح والرسم وجعلها مواد أساسية ضمن المقررات الدراسية .وبالتالي فقد كان من الغريب ألا يكون وزير التربية الوطنية ضمن مدعوي هذا الملتقى الجامعي الأول حول: “الجامعة، والثقافة والإنسانيات“. كما أنه من الغريب أيضا ألا يتم لحد الآن تنزيل شعار انفتاح الجامعة على محيطها الاجتماعي إذ ما زالت الجامعات تعيش كمؤسسات تعليمية منغلقة عن محيطها الثقافي والاجتماعي ، فهي لا تستضيف فعاليتاتها الجهوية ، ولا تهتم بموروثها الإقليمي .في الوقت الذي كان من المفروض أن  تعكس كل جامعة  موروث الجهة التي تتواجد فيها سواء على الصعيد التاريخي أو الثقافي أو الاقتصادي أو الاجتماعي .فكيف يعقل مثل ألا تشارك وتشرك هذه الجامعات في مختلف المهرجانات التي تنظم في مدن كفاس و الرباط واكادير ومراكش وغيرها . بل كيف يعقل أن لا يتم تنظيم بعض تظاهرات هذه المهرجانات الغنائية كمهرجان الموسيقى الروحية بفاس أو مهرجان موازينفي بعض فضاءات جامعة فاس أو جامعة الرباط وإشراك طلبتها وأساتذتها في أجواء هذه المهرجانات . كما أنه حان الوقت في إطار استرجاع الموروث الثقافي للجامعة إعادة إحياء حفل سلطان الطلبة الذي أسس في عهد السلطان العلوي مولاي رشيد والذي شكل تظاهرة ثقافية طلابية بامتياز كان يتم الاحتفال بها كل سنة من طرف طلبة جامعة القرويين بفاس وجامعة محمد بن يوسف بمراكش بحضور ممثلي السلطة المركزية أو الإقليمية وبمشاركة كل الشرائح الشعبية من صناع وحرفيين وتجار… 

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي