Share
  • Link copied

“الثقافة الجنسية” .. بين الأهداف التربوية والنظرة المجتمعية في المغرب

عدنان، وئام، نعيمة وأسماء أخرى، هم ليسوا أطفالا عاديين بل أرواح بريئة تعرضت للاغتصاب والقتل من طرف من وصفوا بـ “الوحوش البشرية”، تترصد بالصغار استجابة لرغبات شاذة في نفوسهم مخلفين وراءهم جرحا يرافق الطفل حتى يشيخ ويهرم ولا يمكن توقع نتائجه.

عشرة أطفال يتم الاعتداء عليهم يومياً حسب أرقام صادرة عن الجمعيات المشتغلة في المجال. اعتداءات لا يمكن التنبؤ بكيفية وزمان ومكان وقوعها، لأن مرتكبيها قد يكونون في مرمى وجودنا اليومي دون علم منا ونحن نترك أطفالنا في يد من وضعناهم في ذمتهم.

إن جريمة القتل والاعتداء على الطفل عدنان أعادت إلى ساحة النقاش أهمية “التربية الجنسية” في التصدي لهذه الآفات الخطيرة، بين من يقول إن الحديث عن التربية أو الثقافة الجنسية، لا يعني إتاحة الجنس أو التشجيع عليه أو على نسجع علاقات في الخفاء، وبأن ينحصر في إطلاع الأطفال على اكتشاف أجسادهم، وأن يعرفوا وظيفة كل عضو، وما سبب الاختلاف بين الذكور والإناث، بهدف استيعاب البدن وحرمته، وأنه في ملكيته ولا يحق لأي شخص لمسه، وبين من يفرضه قطعا، من زاية يرى الخطوة فيها تشجيعا على الزنى والفواحش وسط مجتمع إسلامي متحفظ، وأن أي إضافة للتربية الجنسية في المؤسسات التعليمية هو زيغ عن الدين.

وفي هذا السياق قال الأخصائي النفسي كرم الفطواكي، في تصريح لجريدة “بناصا”، أجاب فيه عن سؤال هل للتربية الجنسية دور في تقليص ظاهرة اغتصاب القاصري:”التربية الجنسية جد مهمة في بناء شخصية كل فرد، إلا أنها للأسف، لم تنل حظها بعد في النقاش والاستماع، ولايزال المجتمع المغربي يغض الطرف عنها باعتبارها طابوها ومفهوم غير مرغوب فيه.

وأضاف الفطواكي بأنه، “بقدر ما نمنع الشيء فنحن ندفع إليه تحت مبدأ كل مكروه مرغوب، وهو نفس الأمر الذي نفعله برفضنا للتربية الجنسية في مجتمعنا”، مردفا بأن هذا الرفض يعني “الانطلاقة لسلوكيات غير ملائمة، فالامتناع عن تقديم إجابات واضحة ومفهومة لتساؤلات الطفل تقوده في سن معين إلى اللجوء الى المواقع الإباحية التي تمده بمعطيات غير سليمة، ما يفسر الشذوذ الجنسي والعديد من الآفات التي يعاني منها مجتمعنا المغربي من قبيل زنى المحارم، البيدوفيليا، التحرش الجنسي والاغتصابات… الشيء الذي يخلف أطفالا بدون مناعة، أي بتربية جنسية مشوهة ما يعرضهم للاستغلال الجنسي بل ومشاكل في علاقاتهم الاجتماعية المستقبلية”.

واسترسل المتحدث نفسه، بأن “ما هو متفق عليه لدى المختصين أنه ليس من السهل تقبل أفراد المجتمع لمفهوم كالتربية الجنسية على حين غرة، بل إن ذلك يتطلب وعيا جماعيا بأهمية هذا النوع من الثقافة، بالإضافة إلى تظافر جهود الأسرة والإعلام والمدرسة وعلماء التربية والاجتماع والنفس والأطباء ورجال الدين”.

ومن جهته يفسر علي الشعباني الباحث في علم الاجتماع بأن السبب الرئيسي وراء رفض المجتمع المغربي الحديث عن موضوع التربية الجنسية، يعود “إلى قضايا مرتبطة بنسب الأمية المتفشية بين المواطنين، وإلى سيطرة الفكر الخرافي على العقول في المجتمع، وإلى تدني الوعي وعدم تقدير العديد منهم بمخاطر الاغتصاب وما يلحقه من أضرار نفسية وجسدية على شخصية القاصر المغتصب”.

واستطرد بأن كثيراً من الناس “لا يدركون قيمة التربية الجنسية، ويفهمونها فهما خاطئً ويؤولونها تأويلات بعيدة من مقاصدها التربوية والقيمية الحقيقية، ويحصرونها في الجنس، وما يلحق به من ممارسة وانحلال أخلاقي”، موضحاً “في حين أن التربية الجنسية تهذيب للسلوك، وتصحيح للمفاهيم واكتشاف للجسد ولأعضائه بما فيها الأعضاء التناسلية. فلو تم تطبيق التربية الجنسية وتم دمجها في المقررات الدراسية وداخل اسوار البيوت وفي المنابر الاعلامية وأحسن تبليغها لوصلنا حتما إلى تفادي التداول “الشعبوي” والمنحرف للتربية الجنسية”.

لم يعد ممكنا اليوم أن نلتف بغطاء الصمت والرفض إلى أن نصل للمحظور الحقيقي، وهو انتهاك أجسام أطفالنا ونفوسهم. نحن أمام حالة مرضية اشترك فيها فقهاء ومدرسون وعمال وموظفون من أعمار وشرائح مختلفة، وهنا مكمن خطورتها. فإلى متى سيستمر المجتمع المغربي في هذا الرفض؟

Share
  • Link copied
المقال التالي