شارك المقال
  • تم النسخ

التيار الرافض لإجبارية التلقيح في المغرب وتحدي بلوغ المناعة الجماعية

منذ 21 أكتوبر 2021، اعتمدت السلطات الصحية في المغرب، استنادا إلى قانون الطوارئ، جواز التلقيح، كإجراء وقائي واستباقي، من أجل التنقل، والجولان، والولوج إلى الإدارات، والمؤسسات العمومية، وشبه العمومية، والخاصة. كما ألزمت جميع المسؤولين في القطاعين العام، والخاص، بالحرص على التنزيل السليم لتدابير ضرورة إدلاء الموظفين، والمستخدمين، ومرتفقي الإدارات بجواز التلقيح لولوج الإدارات العمومية، وشبه العمومية، والخاصة، وضرورة الإدلاء به لولوج المؤسسات الفندقية، والسياحية، والمطاعم، والمقاهي، والفضاءات المغلقة، والمحلات التجارية، وقاعات الرياضة، والحمامات.

الدكتورة نادية البعون

خلف هذا الإجراء مجموعة من ردود الأفعال لدى فئة من المغاربة، انتقدت إلزامية جواز التلقيح، والسند القانوني للبلاغ، وغياب فترة انتقالية لتطبيقه، والصفة الضبطية لأصحاب المؤسسات العمومية والخاصة في مراقبة توفر الأفراد على جواز التلقيح، إلى جانب اعتبار الجواز كتقييد للحريات. وتكمن أهم ردود الأفعال فيمن رفضوا إجبارية التلقيح.

أولا: في هوية وحجج التيار الرافض

يتكون التيار الرافض من:

ـ المواطنون العاديون، الذين برروا موقفهم برفض إجبارية التلقيح، بمن تضرروا من اللقاح، متسائلين عمن يتحمل المسؤولية، وبكون اللقاح في طور التجارب، وبأنهم لا يعرفون مكوناته، ويملكون حق التصرف في الذات، واعتبار اللقاح في البداية اختياريا ثم فرضه عبر الجواز. كما اعتبروا أن اللقاح لا يمنع من الإصابة بالوباء، مشككين في كونه غير صحي، وبأنه توجد نظرية للمؤامرة، حيث يريدون التقليل من السكان، وأنهم لديهم شكوك فيمن صنعوا اللقاح. إلى جانب ضعف ثقتهم في قطاع الصحة العمومية، وأنه توجد أعراض جانبية للقاح، كما يتساءلون عن مدى نجاعة الجرعة الثالثة أمام توقع سلالة جديدة.

ـ المعارضة الحزبية، حيث شككت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، في فعالية اللقاح، معتبرة أن جواز التلقيح هو تقييد للحريات ويضرب عرض الحائط الدستور وكل القوانين التي صادق عليها المغرب، وبأنه هناك ردة حقوقية،  وضرب للحريات، والمنع من التجوال والتنقل، معتبرة أن اختيارية التلقيح يضمنها القانون الدولي، والشرط الأساسي فيها هو القبول المتنور. كما قدم حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب مقترح قانون لتغيير المرسوم بقانون 2.20.292، المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، واقترح الاستناد على المراسيم الحكومية دون ، مثل المناشير أو البلاغات أو أي آليات أخرى، والتي لا تجد لها سندا دستوريا، لاتخاذ بعض القرارات كما هو الشأن بالنسبة إلى فرض جواز التلقيح.

ـ نقابة المحامين، حيث اعتبرت فرض الجواز تراجعا حقوقيا ومسا بالحقوق الدستورية، ودعت إلى التراجع عنه، معتبرة أنه يراد من ورائه ضرب ما تبقى من الحريات، والحقوق، وأن يفرض حظر التجوال، والتنقل.

ـ مجموعات الفيسبوك، حيث عبرت عن ضعف الثقة في المؤسسات والصحة العمومية في المغرب، إلى جانب عدم معرفتهم لمكونات اللقاح، وكونه يحد من الحريات، معتبرة الجواز ضربا للحرية والجسد، وللحق في الاختيار، معتبرين أنهم يدافعون عن حقهم الدستوري في الحفاظ على السلامة الجسدية والمعنوية.

ـ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حيث دعت في بيان، السلطات المغربية إلى الإلغاء الفوري لقرار اعتماد جواز  التلقيح للتنقل، واعتبرت أن القرار يعد حجرا على الحقوق وتضييقا على الحريات بفرض جواز التلقيح، والذي يمس حقوقا دستورية جوهرية.

ـ 800 شخص من مهنيي الصحة من الأطر الطبية، والعلمية، طالبوا في رسالة إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، ورئيس وأعضاء اللجنة الاستشارية الفنية والعلمية للتلقيح، بوقف تلقيح القاصرين واحترام حرية الاختيار لتلقي التلقيح بالنسبة للبالغين، وإلغاء جواز التلقيح، واعتبار مرض كوفيد 19، من الأمراض القابلة للشفاء. كما طالبوا باحترام مبدأ الموافقة الحرة والمستنيرة، وزيادة الوعي العام عبر وسائل الإعلام لفائدة المقاربة العلاجية أولا، وإبقاء اللقاح كخيار ثاني اختياري بعد التحقق من سلامته وفعاليته. كما دعوا إلى إعادة النظر في قانون الطوارئ الصحية. أيضا، اعتبرت هذه الفئة جواز التلقيح تدبيرا تقييديا ولا دستوريا لا يرتكز على أساس علمي، وقد يكون له عواقب اجتماعية، واقتصادية، وصحية خطيرة في المغرب. كما اعتبروا قانون الطوارئ أصل كل الإجراءات التي يتم من خلالها تقييد الحريات. وأكدوا على أن هذا القانون لا يخضع لمبدأ التناسب بين فائدته وشروط تشريعه. وقدموا مجموعة من الحجج العلمية، منها أن فاعلية هذه اللقاحات، التي لا تزال في طور الاختبار، لم تثبت إلى الحين، حيث أن الملقح مثل غير الملقح يستمر في نشر الفيروس والتعرض للمرض بأشكاله الخطيرة وحتى المميتة، مستنتجين، أن جواز التلقيح يوفر أمانا وهميا، بل، ويشكل خطرا لأنه يدفع المواطنين إلى عدم احترام تدابير الحماية الفردية والجماعية.

ـ أكثر من 32 ألف من الحقوقيين والسياسيين، الذين وقعوا على عريضة إلكترونية لإلغاء إجبارية جواز التلقيح على موقع أفاز.

كما أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الحكومة باستبدال “جواز التلقيح” ب”الجواز الصحي”. فيما اعتبر الأستاذ محمد جمال معتوق(محام)، أن هذا القرار يتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والدستور المغربي، اللذان يقران للمواطن الحق في تلقي التلقيح أو رفضه، وجميع قرارات المحاكم الدولية تسير في هذا الاتجاه.

يواصل جزء من التيار الرافض الاحتجاج في المدن المغربية عبر وقفات احتجاجية رافضة لفرض اللقاح، حيث تظاهروا في مدينة الرباط، الدار البيضاء، طنجة، فاس، أكادير، مراكش، خريبكة، وآسفي، رافعين شعار “الشعب يريد إسقاط جواز التلقيح”. إلى جانب الاحتجاج الإلكتروني على موقع شبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك، حيث تم خلق مجموعات تعارض إجبارية التلقيح بين يونيو وأكتوبر 2021.  وقد ضمت آخر المظاهرات، التي اتسمت بعضها بالتصلب في أشكال الاحتجاج، عبر استراتيجية الصمود في الشارع العام، حتى الملقحين، حيث اعتبر أحد المشاركين من هذه الفئة، وهو حاصل على جواز التلقيح، أنه أخذ اللقاح عن اختيار، وما كان ليلقح لو علم منذ البداية أنه إجباري.

ثانيا: تحديات التيار الرافض

رغم أن التيار الرافض لا يؤثر على التراجع على إلزامية التلقيح، وهو ما أكده وزير الصحة والحماية الاجتماعية، ورغم أنه يشكل أقلية، كما وصفهم ذات الوزير، فإنه يشكل تحديا، يمكن إجماله في أنه:

ـ يضرب في مجهودات من تحملوا تضحيات كبيرة في التصدي للوباء من السلطات، ومن كانوا في الصفوف الأمامية من الأطر الصحية، كما يضرب في مجهودات الأغلبية التي التزمت بالحجر الصحي، وتحملت التكلفة النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية للوباء.

ـ بتخلي هذا التيار عن مسؤوليته الاجتماعية الجماعية، وعن واجب الالتزام بالقانون الذي يطبق على الجميع، وهو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، قد يشكل ردة صحية أو تراجعا عما حققه المغاربة بشكل جماعي من تطور في التصدي للوباء. ويكفي أن يُعاذ إلى الأذهان من فقدوا ذويهم ومن عانوا في الإنعاش، ومشاعر الخوف، والقلق، والحيرة التي عاشها المغاربة في المرحلة الأولى من الوباء، وتحملهم للحجر.

الأدهى من ذلك، أن أهم تحد يطرحه هذا التيار، هو بلوغ المناعة الجماعية، واسترجاع الحياة الطبيعية، كما يستشف من دلالة الرفض عند هذا التيار، أنه يضعف الثقة في تدابير الطوارئ الصحية.

  1. قد يؤثر على بلوغ المناعة الجماعية

في ظل المجهود الجماعي الذي انخرط فيه جميع المغاربة للتصدي لوباء كورونا، لا تفصل بلادنا سوى ستة ملايين مغربي غير ملقح على بلوغ المناعة الجماعية، حيث أقبل أكثر من 24 مليون مغربي على الانخراط في الحملة الوطنية للتلقيح، تحملوا مسؤوليتهم الاجتماعية الجماعية “كفاعلين أساسيين في مكافحة الوباء” كما قال رئيس الحكومة. وتكمن أهمية الجواز في كونه إجراء احترازي من أجل العودة إلى الحياة الطبيعية عبر بلوغ المناعة الجماعية، حيث يندرج في إطار المقاربة الاستباقية التي اعتمدها المغرب، في مكافحة الوباء، وتجنيب بلادنا انتكاسة وبائية، واجتماعية، واقتصادية.

لكن، قد يؤثر التيار الرافض على  بلوغ المناعة الجماعية لمواجهة موجة رابعة محتملة قبل فصل الشتاء، واسترجاع الحياة الطبيعية، عبر جواز التلقيح الذي “يشكل آلية للعبور الآمن لحياة محمية ومحصنة ضد كورونا”. فهذا التيار يؤثر على المكتسبات والتطورات التي حققتها الحملة الوطنية للتلقيح، وعلى التطور الذي تم تحقيقه في مكافحة الوباء، سيما وأن مسعى المناعة الجماعية عبر اللقاح، إلى جانب أنه يحقق العودة بشكل آمن إلى الحياة الطبيعية، فإنه يرمي إلى تفادي انتكاسة، أمام توقع الموجة الرابعة، وفي ظل توقعات منظمة الصحة العالمية أن تغذو متحورة دلتا المعدية جديا مهيمنة في الأشهر المقبلة، بحيث تعد وراء 75 % من الحالات الجديدة من الإصابات بكوفيد 19 في عدد من البلدان، مما زاد من الضغط على الدول لتسريع معدل اللقاح وتطبيق إجراءات صارمة تحسبا للموجة الرابعة قبل فصل الشتاء.

في هذا السياق، ففي ألمانيا، يشكل معدل التلقيح المنخفض قلقا للمسؤولين مع اقتراب فصل الشتاء، وفي إيطاليا، أدت الإجراءات الحكومية الصارمة لمكافحة كورونا إلى تراجع المظاهرات. كما أن البلدان التي تسرعت في العودة إلى الحياة العامة وعدم اعتماد جواز التلقيح، شهدت ارتفاعا في حالات الإصابة اليومية للوباء.

لا شك أن أهم الحجج حول جدوى التلقيح هي تلك التي عبر عنها الموقف الحكومي، حيث اعتبر رئيس الحكومة أنه كلما زاد عدد الملقحين، كلما سنكون محميين أكثر لمواجهة أي انتكاسة يمكنها أن تقع، وكلما قربنا من أهدافنا في التلقيح للوصول إلى مناعة جماعية، كلما قربنا من استرجاع الحياة الطبيعية. موضحا أن التدابير الوقائية التي تتخذها الحكومة ليس هدفها هو فرض إكراهات أو معيقات على المواطنين وإنما الهدف منها هو العبور الآمن لحياة محمية ومحصنة ضد كورونا. كما قدم  وزير الصحة والحماية الاجتماعية، مجموعة من الحجج توضح دواعي وأهمية التلقيح، يمكن إجمالها في ما يلي:

ـ أنهم أجروا دراسات، وخرجوا بخلاصات أن  نسبة من أصيبوا بكورونا وفي الإنعاش ولم يلقحوا هم أربع مرات أكبر ممن استفادوا من اللقاح،  وأن الربح من عملية التلقيح أكثر من الآثار الجانبية، وحتى باقي اللقاحات الأخرى لديها أيضا أعراض.

ـ جواز التلقيح لم يعتمد ليكون تقييديا، بل ستلعب هذه الوثيقة الرسمية دورا محوريا في السماح للأشخاص الذين تم تلقيحهم باستئناف حياة طبيعية.

ـ سيسهم  جواز التلقيح بالتأكيد، في الحماية من مخاطر نشر الفيروس عبر الأشخاص غير الملقحين، وقد أكدت العديد من الدراسات والبحوث العلمية أن الشخص غير الملقح معرض لخطر الوفاة 11 مرة، ولخطر دخول أقسام الإنعاش عشر مرات أكثر مما لو كان ملقحا، ويسمح بنشر الفيروس أكثر بكثير مما لو تم تطعيمه، كما أفادت التقارير أن الغالبية العظمى لحالات الوفاة  بسبب مرض كوفيد 19، تعود لفئة غير الملقحين.

ـ اعتماد جواز التلقيح سيدفع بالتأكيد في اتجاه تشجيع المتقاعسين المترددين أو حتى الممانعين على حسم قرارهم في أخذ جرعاتهم من اللقاح، مما سيحقق الغرض الرئيسي المرجو من فرض هذا الإجراء المتمثل في رفع معدل تغطية الساكنة بالتلقيح بإيقاع أسرع.

يشكل التحدي الثاني الذي يطرحه التيار الرافض، في ما يستشف من دلالة للرفض انطلاقا من الحجج التي يقدمها هذا التيار، حيث ضعف الثقة.

2 ـ ضعف الثقة كدلالة للرفض

قد لا يعدو الرفض عند هذا التيار أن يكون:

كرد فعل سيكولوجي لدى بعض الفئات، بسبب العياء من  طول التدابير التي تأتي في كل لحظة، سيما وأن بعض التدابير لم تتم بمنح الأفراد فترة انتقالية، في حين أن الفئة العريضة كانت تعتقد بأن هذه الإجراءات ستنتهي خلال مرحلة محددة. فمن بعد فترة من الحرمان من حريات محددة بفعل الطوارئ الصحية(الحجر الصحي)، نفسيا، يحدث نوع من محاولة استعادة الأفراد لحرياتهم أو استعادة التوازن، فيحدث رفض. ويشكل الاحتجاج وحتى”العنف” أحد الطرق التي يوظفها الأفراد الذين يتم حرمانهم أو يعتقدون بحرمانهم من أشياء كانوا يملكونها، لاستعادة ما فقدوه، لكي يشعروا بالتوازن.

ـ يعكس التطور الحقوقي للمملكة، حيث لم يعد الأفراد يقبلون بما يعتبرونه تراجعا عن الحريات، وهذه الأقلية تتصور تدابير الطوارئ كحد من الحريات.

ـ يعبر عن هوية الرافضين، كمناضلين، ونشطاء.

غير أنه لا ينبغي الاستهانة بما يحمله الرفض عند هذا التيار من دلالة سياسية. فاستنادا إلى الحجج التي يقدمها هذا التيار لرفض إجبارية التلقيح، تظهر دلالة رئيسية، تتمثل في كونه يعبر عن ضعف الثقة في تدابير الطوارئ الصحية، معتبرينه كإجراء تقييدي لا يهدف فقط إلى مكافحة الوباء، وإنما تتصوره هذه الأقلية غير الملقحة كتراجع عن الحريات. وهي دلالة قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، لعل أهمها التأثير على قناعات الملقحين، وتوسع دائرة التيار الرافض لتشمل أيضا جزءا من الملقحين، والتراخي في المسؤولية الجماعية الاجتماعية. والأسوأ من ذلك، هو أن يصبح هذا التيار لا يرفض فقط إجبارية التلقيح، وإنما يشكل فرصة لرفض أشياء أخرى في ظل الظروف الخانقة لهذه الأزمة الصحية، التي تفترض أن ينخرط الجميع في التصدي للوباء ملتزما بمسؤوليته الاجتماعية الجماعية.

ثالثا: في الحاجة إلى تعزيز المسؤولية الاجتماعية الجماعية والحس المشترك

إلى جانب جواز التلقيح كمعبر آمن لبلوغ المناعة الجماعية والعودة إلى الحياة الطبيعية، يمكن التحسيس بأهمية اللقاح كحل لا محيد عنه في التصدي  للوباء، عبر تعزيز المسؤولية الاجتماعية الجماعية لهذا التيار ، ومخاطبة حسه المشترك لتشجيع الممانعين والمترددين، على حسم قرارهم  إلى الذهاب إلى مراكز التلقيح، حيث الكل معني في ظل هذه الظروف الاستثنائية بتحمل التكاليف المادية، والمعنوية للوباء، والانخراط في حملة التلقيح كواجب وطني. ويتم ذلك عبر:

ـ التحسيس بالتلقيح كواجب وطني، وهو ما يستشف من الدستور، حيث التلقيح يرتقي إلى مرتبة الواجب الوطني، إذ يعد من واجبات المواطنة.

ـ مخاطبة حجج التيار الرافض عبر استحضار الحس المشترك، حيث الكل معني بالتصدي للوباء.

  1. التلقيح يرتقي إلى الواجب الوطني:

على خلاف ما يعتبره التيار الرافض، وفئات أخرى من غير الرافضين، من عدم  قانونية ودستورية التلقيح الإجباري، ففي ظل هذه الظروف الاستثنائية، لا يعد التلقيح فقط واجبا دستوريا وقانونيا طبقا للدستور ولقانون الطوارئ، وإنما يرتقي إلى مرتبة الواجب الوطني، باعتبار أن:

ـ الدستور نص على المواطنة الملتزمة التي تتلازم فيها الحقوق بالواجبات،  حيث ألزم جميع المواطنات والمواطنين باحترام الدستور والتقيد بالقانون، ويتعين عليهم ممارسة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات(الفصل 37 من الدستور).

ـ الفصل 40 من الدستور، الذي يلزم الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد.

ـ رغم أن الدستور نص على الحق في العناية الصحية ضمن الأهداف الدستورية(الفصل 31 من الدستور)، ولكنه نص على حمايته للحق في الحياة واعتبره أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق(الفصل 20 من الدستور).

ـ الدستور أهل السلطات العمومية لضمان سلامة السكان، حيث لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته. كما تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع(الفصل 21).

ـ حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون(الفقرة الرابعة من الفصل 24 من الدستور).

ولا بد من  التذكير، أننا في حالة طوارئ صحية، وهي ظرف استثنائي، وأزمة، تعطي للسطات العمومية صلاحيات استثنائية، كما تجيز “تليين الشرعية”، حيث نصت المادة  3 من مرسوم بقانون رقم 2.20.292، صادر في 28 من رجب 1441(23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها،  على أنه ” على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم”.

2 ـ مخاطبة الحس المشترك

ما الذي ينبغي تجنبه أكثر، الوباء أم اللقاح؟ هل الخوف من جدوى لقاح لم تستكمل بعد اختباراته السريرية أم الخوف من وباء يتطور، ومن انتكاسة متوقعة قبل فصل الشتاء؟ وما هو الضرر في أخذ لقاح ليس فعالا بالكامل لكن لديه نسبة وقاية، ويقي من تفشي العدوى، مقارنة مع غير الملقحين، وأثبتت الدراسات أنه يساهم في التخفيف من خطر الوفاة، ومن خطر الإنعاش؟ وهل يقتضي الحس المشترك أن تؤثر أقلية ترفض اللقاح على المصلحة العامة، والإضرار بالأغلبية الملقحة؟ وأن تدعو الفئة الملقحة إلى أن تشارك في مظاهرتها لإلغاء جواز التلقيح؟ وهل الحرية تقتضي التخلي عن المسؤولية الاجتماعية الجماعية، وعن واجب الالتزام بالقانون الذي يطبق على الجميع، وهو أسمى تعبير عن إرادة الأمة.

لا شك أن مخاطبة الحس المشترك عند التيار الرافض قد يشجعهم على الإقبال على مراكز التلقيح.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي