Share
  • Link copied

التوترات الأخيرة بين الجزائر وفرنسا.. أزمة دبلوماسية متصاعدة تهدد بقطيعة تاريخية في ظل إرث استعماري لم يُحسم

كشف تقرير أمريكي حديث عن تفاصيل مثيرة حول التصاعد الحاد في التوترات بين الجزائر وفرنسا، وذلك في أعقاب سلسلة من الاعتقالات البارزة التي طالت مواطنين جزائريين في فرنسا، بالإضافة إلى خلافات عميقة تتجاوز الأحداث الأخيرة لتشمل قضايا تاريخية وسياسية معقدة.

وأشار معهد “أتلانتيك كاونسل” ، أحد أكبر معاهد الأبحاث في واشنطن، إلى أنه وفي بداية يناير 2024، اعتقلت السلطات الفرنسية عدة مواطنين جزائريين يقيمون في فرنسا بتهمة التحريض على العنف والكراهية عبر الإنترنت ضد معارضي الحكومة الجزائرية.

ومن بين هؤلاء المواطن الجزائري بوعلام نعمان، الذي تم اعتقاله في 5 يناير وتم ترحيله فوراً إلى الجزائر. غير أن السلطات الجزائرية رفضت استقباله عند وصوله إلى مطار الجزائر العاصمة، مشيرة إلى أنه يجب أن يُتاح له الدفاع عن نفسه في فرنسا، مما أدى إلى إعادته إلى الأراضي الفرنسية.

وقد أثار هذا الحادث أزمة دبلوماسية بين البلدين، حيث اتهم وزير الداخلية الفرنسي الجزائر بمحاولة “إهانة” بلاده.

وفي سياق متصل، تم اعتقال الناشط السياسي الجزائري عبد الوكيل بلام أواخر ديسمبر 2023 بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وضارة عبر حسابه على فيسبوك.

وبلام، المعروف بانتقاده الشديد للحكومة الجزائرية، يُعتبر من قبل السلطات الجزائرية مرتبطاً بشبكة إرهابية أجنبية، بينما يرى منتقدون أن هذه الاعتقالات تستهدف بشكل ممنهج إسكات المعارضين، مما يثير مخاوف أوروبية من تراجع حرية التعبير في الجزائر.

وفي نوفمبر 2023، اعتقلت السلطات الجزائرية الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال، المعروف بانتقاده الشديد للقيادة السياسية الجزائرية. وتم اتهامه بتهديد الأمن القومي الجزائري، حيث يُحاكم بموجب قانون مكافحة الإرهاب.

وقد علق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شخصياً على القضية، واصفاً صنصال بأنه “محتال” أرسلته فرنسا لزعزعة الاستقرار في البلاد. وتشير تقارير إلى أن تعليقات صنصال حول اعتبار الصحراء الغربية جزءاً من المغرب قد أثارت غضب السلطات الجزائرية.

واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن التوترات الأخيرة ليست سوى جزء من صورة أكبر لعلاقة متدهورة بين البلدين. ففي يوليو 2023، أعلنت فرنسا لأول مرة دعمها لخطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، وهو ما أثار غضب الجزائر وأدى إلى إدانة رسمية من الحكومة الجزائرية، التي وصفته بأنه قرار “غير متوقع وسيء التقدير”.

إضافة إلى ذلك، يعتقد العديد من السياسيين الجزائريين أن العلاقة بين البلدين تدهورت بسبب صعود اليمين المتطرف في فرنسا، وسياساته المعادية للهجرة التي تؤثر بشكل كبير على المواطنين الجزائريين.

ومن جهة أخرى، انتقد مسؤولون فرنسيون، بما في ذلك أعضاء في حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، الجزائر بسبب ما وصفوه بـ”الانحراف المعادي لفرنسا”.

لكن الأزمة بين الجزائر وفرنسا تبدو أعمق من مجرد خلافات سياسية حديثة. فالجذور الحقيقية للتوتر تكمن في الفشل في تحقيق مصالحة حقيقية بعد الاستعمار، وفي رفض فرنسا المستمر لإعادة تقييم نقدي لدورها في الجزائر.

وعلى سبيل المثال، تشير دراسات حديثة إلى أن النظام التعليمي الفرنسي لا يزال يعرض الفترة الاستعمارية على أنها كانت لها آثار إيجابية إلى جانب السلبيات، وهو ما يثير غضب الجزائريين.

ومع استمرار عدم قدرة البلدين على إجراء حوار بناء حول جوهر علاقتهما الثنائية، يبدو من غير المرجح أن يشهدا تحسناً في الأوضاع الحالية على المدى القريب.

وقد تؤدي مخاوف الجزائر من العزلة الدولية المتزايدة، إلى جانب التوترات الداخلية في السياسة الفرنسية، إلى تفاقم سوء الفهم بين البلدين.

وإذا لم يتم احتواء هذه الخلافات، فقد تدفع فرنسا والجزائر نحو قطيعة دبلوماسية تشبه تلك التي حدثت بين باريس وحلفائها السابقين في منطقة الساحل.

وأشار التقرير الأمريكي، إلى أن العلاقة بين الجزائر وفرنسا تمر بمرحلة حرجة، حيث تختلط التوترات السياسية الحالية بإرث تاريخي ثقيل، مما يجعل من الصعب تحقيق أي تقدم دون إعادة تقييم جذرية للعلاقة بين البلدين.

Share
  • Link copied
المقال التالي