في نهاية القرن 19 ، بدأت التكنولوجيا الأوربية الحديثة تتسرب إلى المغرب بمنظومته الفكرية التقليدية وثقافته المحافظة . لذا فقد كان من المنطقي أن يتم توظيف هذه التكنولوجيا من طرف الاستعمار الأوربي كأداة للتغلغل داخل المغرب وكآلية للسيطرة على مكوناته . ومن ثمة ، فقد شكلت كل المستحدثات التكنولوجية ، من أجهزة للتصوير ، وسيارات ، والشهب الاصطناعية أدوات لإلهاء السلطان المولى عبد العزيز عن الاهتمام بما يحيط ببلاده من مخططات استعمارية خطيرة ، و كآلية من آليات إثقال مديونية الدولة والتقليص من حركيتها المالية . في حين شكلت البوارج البحرية و المدافع و البنادق أدوات موت ألحقت دمارا كبيرا بالتركيبة البشرية والسكانية للسلطنة . حيث سيتعرف جل المغاربة على المستحدثات التكنولوجية الغربية من خلال ما أسقطته البوارج والمدافع والطائرات والبنادق من قتلى وجرحى ومعطوبين .ولعل هذه الثنائية القتل/ الإلهاء التي طبعت تسرب هذه المستحدثات التكنولوجية إلى المغرب العتيق هي التي ما زالت تحرك سلوك المغاربة في تعاملهم مع كل الأجهزة والآليات التكنولوجية التي تنقل إليهم من الخارج من مكبرات الصوت ، و الحواسيب ، والهواتف النقالة وغيرها .فإقبال المغاربة بشغف كبير على اقتناء أحدث التقنيات التكنولوجية لا يوازيه إلا استعمالهم المتخلف لمثل هذه التقنيات.
– التكبير ومكبر الصوت
من المعروف أن التركيبة السكانية والبشرية قد غلب عليها لمدة قرون طابع البداوة ، بحيث شكلت المدن مجالات محدودة وحذرة من كل غزو أو اكتساح بدوي . فمن المعروف أن الأمير يوسف بن تاشفين في إطار إعادة توحيد المغرب ، قد حرص في بناء عاصمة البلاد ، مراكش ، على وضع أسوار تحيط بها ، وصنع أبواب لحمايتها من أي غزو أو هجوم من القبائل المجاورة . وعلى الرغم من الأمير علي بن عبد المومن الموحدي ، قد أمر بإزالة الأسوار ، فقد بقيت الأبواب جزءا أساسيا في بناء الحواضر ، بحيث كانت هذه الأخيرة لا تشكل فقط حماية من الهجومات البدوية والقبلية ، بل كانت بمثابة الفصل بين نمط الحياة الحضرية القائمة على السلوك المتمدن ، والتمظهر ليس فقط في طريقة اللباس ، والأكل ، والترفيه ، بل أيضا في طريقة الكلام ، ونمط الحياة القروية والبدوية القائمة على السلوك الخشن الذي ينعكس ، ليس فقط في طريقة العيش ، وأشكال التعامل ، بل أيضا حتى على مستوى الحديث والتخاطب . إذعادة ما يعرف البدو بطريقتهم الجهورية في الحديث والتخاطب الشيء الذي يقتضيه ربما طبيعة المجال واتساعه مما يتطلب هذا الشكل في التواصل الشيء الذي نبه إليه النبي محمد في مواجهته لأعراب قريش من خلال الإشارة القرآنية التي وردت بسورة الحجرات ( إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَوَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. ) .لذا ، فبعد الهجرات البدوية التي عرفها المغرب ، والخلخلة العميقة التي تعرضت لها التركيبة الاجتماعية المغربية ، تأثر نمط الحياة في الحواضر بالعديد من السلوكات المرتبطة بالعقلية القروية . فبعيد الاستقلال تسارع هذا النزوح في إطار صراع مرير بين الفرقاء السياسيين ، حيث شهدت المدن ليس فقط اكتظاظا سكانيا بل هجانة في أنماط العيش وأشكال التعامل مما انعكس بدوره على الكيفية التي يتم بها استعمال المغاربة لأحدث تقنيات التواصل التي يستوردونها ولعل هذا ما يظهر بشكل جلي في استعمال المغاربة لمكبرات الصوت ، فهذه الأداة التي صنعت خصيصا للإسماع ، وإراحة صوت المتكلم ، يتم استعمالها في بعض المدن المغربية للإثارة والمباهاة . ولعل أحسن دليل على ذلك استعمال مكبر الصوت في الاحتفالات والحفلات بشكل يتغى إسماع الآخر، وإبراز كل مظاهر الفرح إمعانا في التباهي ، سيما وأن السلطة المحلية ، غالبا ما تتغاضى عن التجاوزات التي تحدث بهذا الشأن ، بحيث لا يتم فيها لا احترام راحة الآخر ، ولا تقنين المدة التي سيتم فيها استعمال المكبر حيث من الممكن أن يبقى ذلك حتى الصباح والانتهاء من الحفل . وهذا سلوك بدوي يتم فيها استعمال أداة عصرية لتكريس عقلية قروية تقوم على المباهاة الجماعية والتنافس القبلي .ولا يقتصر هذا السلوك فقط ، على الأعراس والاحتفالات ، بل يمتد إلى ممارسة الشأن الديني إذ في هذا الإطار زودت جل المساجد والجوامع بمكبرات الصوت تستخدم في الآذان والإعلان عن ميقات الصلوات . لكن نظرا لأن جل المؤذنين غالبا ما لا يخضعون لأي معايير للانتقاء تقوم على رخامة الصوت وحسن الأداء ، بالإضافة إلى كون جل هؤلاء المؤذنين من ذوي أصول قروية وبدوية ، فإنه عادة ما يستعملون مكبرات الصون كوسائل للصياح دون أن يدركون أن وظيفة هذه الأداة هي تضخيم الصوت والتقليل من عناء الرفع منه ، مما يؤدي في آخر المطاف إلى الكثير من الإزعاج خاصة عندما يقوم المؤذنون بالأذان في وقت واحد ،وفي مسافة قريبة ، و في بداية الصباح ،عند يكون السكان ما زالوا نياما.
–الهاتف النقال وانتهاك الخصوصية الشخصية
أصبح من الشائع التحدث بصوت جهوري في هاتف نقال صمم خصيصا للاستعمال الشخصي و الحفاظ على الخصوصيات مع احترام راحة الآخرين . لكن جل المغاربة عادة ما يتحدثون في هذا الجهاز بشكل جهوري في مختلف الفضاءات العمومية ، من شوارع ، ومرافق عمومية دون أن يبالوا بأن ما يتحدثون بشأنه يدخل ضمن خصوصياتهم الشخصية ، وأن هذا الأمر قد يسبب إزعاجا للآخرين . إذ يجد المغاربة متعة دفينة في الرفع من صوت هواتفهم المحمولة ، دون أن يبالوا بأن ما يستمعون إليه من أغاني قد لا يروق لمن يجالسونهم في أي وسيلة من وسائل النقل العمومية والخصوصية . ولعل هذا يظهر بالخصوص في المقاهي حيث لا يبالي الكثير من الزبناء بالتحدث في هواتفهم النقالة بصوت مرتفع لعدة دقائق أو لساعات مع مخاطبيهم في الخط ليسألوا عن أحوالهم وأحوال عائلاتهم بل أكثر من ذلك الدخول في محاورات لا تنتهي دون اعتبار لباقي الزبائن الذين قد يفضلون ارتشاف فنجان قهوتهم أو كأس شايهم بهدوء وبدون إزعاج . بل كثيرا ما يتابع هؤلاء فيديوهات أو مباريات كرة صاخبة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء استعمال الكيت واحترام راحة وحرية الزبناءالآخرين . بالإضافة إلى ذلك ، فمنذ انتشار استعمال الهاتف النقال بالفضاءات العمومية بالمغرب، تحولت مقصورات القطارات أو الترموايات إلى فضاء للصخب بسبب تعود بعض الركاب أو الراكبات التحدث مع مهاتفيهم بشكل متواصل ومسترسل قد يصل في بعض الأحيان إلى ما يقارب الساعة أو أكثر، مما يحول هذه الفضاءات إلى سوق للثرثرة والأصوات المرتفعة، الشيء الذي يقلق راحة باقي الركاب ، خاصة بالنسبة لمستعملي القطار يوميا ، حيث عادة ما يرغب بعض هؤلاء“النافتيين” الخلود إلى الراحة وبعضا من الهدوء للاسترخاء أو الإغفاء بعد يوم من العمل المضني والمتعب، أو مطالعة بعض الصحف أو المجلات أو متابعة قراءة بعض الكتب على غرار “نافتيي” قطارات دول متقدمة بأوربا أو بآسيا.والمفارقة أن هناك بعض “النافتيين” ا يساهمون بدورهم في هذا “الصخب التكنولوجي”؛ حيث يحلو لبعضهم نقل أو إكمال عمله داخل مقصورات القطار من خلال الاتصال بزبناء أو متعاملين معه ليواصل التحدث معهم حول شؤونه في العمل، كل ذلك بصوت مرتفع، ومغرق في الجزئيات والتفاصيل دون احترام لمن يجلس أمامه أو بجواره.وكثيرا ما يزداد هذا الصخب التكنولوجي إذا ما صادف أن تجاذب “نافتيان” أو أكثر أطراف الحديث؛ حيث يستمر ذلك لفترة طويلة وبصوت مرتفع، لتتحول المقصورة بقدرة قادر إلى ما يسميه المغاربة “بسوق عام” أو “حمام للنساء”.
–السيارة والتباهي الاجتماعي
لقد ارتبط ظهور السيارة في المغرب بوجاهة اجتماعية وتميز فردي . فقد كان السلطان المولى عبد العزيز من بين الأوائل الذين استوردوا هذه السيارة رغم عدم وجود بنزين في البلاد آنذاك ، ليتنزه بها في أرجاء قصره بواسطة جرها من طرف بعض البغال أو العبيد .وبعيد إعلان الحماية على المغرب ، بدأت السيارة تؤثث المجالات العمومية ، حيث تم بناء شوارع وأزقة مزفتة في المدن العصرية لتتحرك فيها سيارات الأجهزة الأمنية والعسكرية الاستعمارية ، وسيارات النقل العمومي ، بالإضافة إلى بعض السيارات الخصوصية لبعض المعمرين . فضرورة التنقل لأغراض أمنية أو تجارية أو اقتصادية هي التي كانت تتحكم في أي استعمال لهذه الآليات . لكن بعيد الاستقلال ، وظهور شرائح من الميسورين المغاربة ، بدأ يتم اقتناء كل أنواع السيارات ، ليس للتنقل فقط ، بل أيضا بالأساس كمظهر من مظاهر التميز الاجتماعي . إذ ليس من الغريب أن يلاحظ المرء تنافس المغاربة على اقتناء أحدث السيارات وأضخمها ، فالمغرب هو البلد الوحيد من البلدان العربية التي يمكن أن تجد فيه كل أنواع السيارات الفخمة ، وأحدث طراز من السيارات السريعة التي تم صنعها في الدول الأوربية . ولا ينعكس هذا التنافس فقط على مستوى اقتناء نوع السيارات ، بل يمتد ذلك ليشمل سياقة المغاربة لسياراتهم ، حيث تدخل في هذا المجال عدة اعتبارات اجتماعية وطبقية ، من أهمها مراعاة نوع السيارة وشكلها وثمنها ، فراكب السيارات الفارهة والسريعة ، غالبا ما لا يقبل أن يتجاوزه أو أن يسبقه راكب سيارة أقل مستوى الشيء الذي يحول تنقلا عاديا في طريق عام إلى سباق محموم يحاول فيه كل راكب أن يظهر وضعه الاجتماعي مما يؤدي في الكثير من الأحيان إلى تسابق أرعن عادة ما ينتهي باصطدامات خطيرة قد تكون مميتة . فالسرعة ، والتجاوز هما آليتان يلجأ إليهما سائق السيارة لضمان تموقعه داخل المجال العمومي ( شارع ، أو طريق سيار ) ، وإبراز موقعه الاعتباري والشخصي . فالسائقون المغاربة في معظمهم لا ينظرون إلى الطريق كمجال عمومي يسهل عملية التنقل لقضاء المآرب الشخصية والمصالح الخدماتية ، بل يتحول في نظرهم إلى مجال للصراع والتنافس ، في حين تتحول السيارة أو أية ناقلة أخرى إلى وسيلة لتكريس وضع اجتماعي ، فالسيارة العصرية تعيد لعب دور الخيول المسرجة والجياد المطهمة التي كان الأعيان في القرى يتنافسون على اقتنائها لإظهار الوضع الاجتماعي داخل التركيبة القبلية ، في حين يتحول الطريق إلى مكان للتبوريدة ، يتم فيه التنافس على السرعة والقوة والنفوذ ، الشيء الذي حول الطرق إلى مجال للتنافس على السرعة والبروز وبالتالي إلى ساحة للحرب الاجتماعية والطبقية والشخصية . فالمغربي عندما يسوق سيارته يدخل مباشرة في تنافس أوتوماتيكي مع من حوله من السائقين حول من هو الأسرع ، ومن سيتحكم ويملأ كل المجال ، و يظهر سيطرته على باقي السائقين . فالسياقة في المغرب هي قبل كل شيء رهان اجتماعي وشخصي ، يتم من خلالها تحديد التموقعات ، ويعكس صراع الإرادات حول التغلب والسيطرة على المجال الطرقي .كما أن استخدام السائق المغربي للكلاكسون بشكل كبير ، على الرغم من أن قانون السير يمنع استعماله وسط المدن ، يعكس إلى حد بعيد هذا النزوع نحو الإثارة والتمركز الذاتي ، وإلا بما يفسر أنه كلما ضغط أحدهم على الكلاكسون أثناء أي ازدحام مروري أو عرقلة بسيطة للسير، إلا وتجد أن جل السائقين يقومون بنفس الحركة ، دون الاهتمام بما يسببه ذلك من ضجيج وضوضاء .كما تنعكس هذه العقلية القروية في استعمال المغاربة لسياراتهم كوسيلة لنقل أقصى ما يمكن نقله سواء من البشر أو المنقولات ، فالنظر إلى السيارة بأنها آلية حديدية يجعل السائقين لا يقيسون الحد الأقصى لحمولة هذه السيارات ، ولا يهتمون حتى بصيانتها أو تنظيفها بشكل منتظم . فعادة ما يلاحظ المرء عددا من السيارات المتسخة تجوب شوارع المدن المغربية في لامبالاة تامة سواء من طرف السائقين أو من طرف الأجهزة المختصة في المراقبة . ومما يكرس هذه العقلية تسابق عينات واسعة من الشرائح والفئات الميسورة والغنية على اقتناء أفخم السيارات وأسرعها وأجملها ، وأغلاها بطبيعة الحال ، مما يحول الطريق العام إلى معرض للتباهي الاجتماعي والتنافس الشخصي.ولا يقتصر هذا الأمر على الأفراد فقط ، بل تشمل هذه الظاهرة كل أجهزة السلطة ودواليب الدولة . فقد تعود المسؤولون الكبار بما فيهم المنتخبون من رؤساء الجماعات والجهات على التنافس على اقتناء أفخم السيارات وأحدثها في دولة محدودة الموارد ، تعتمد في ميزانيتها على المنح و القروض الخارجية.
- الأنترنيت والثرثرة الرقمية
في الوقت الذي تم فيه استعمال الأنترنيت في البلدان الأوربية كوسيلة اتصال إعلامي واقتصادي وتجاري وعلمي ، تلقف المغاربة الأنترنيت لاستخدامه في المحادثات الشخصية ، والمكالمات الخاصة . وهكذا اتنشرت في الأحياء والدروب مخادع مجهزة بالحواسيب يرتادها العديد من الشباب لقضاء مدد طويلة في الدردشة والتعارف بدل البحث و وتحصيل المعلومات كما يتم ذلك في الدول المتقدمة تكنولوجيا . فالأمية ، والعطالة جعلت الكثير من الشباب المغربي لا يرى في الأنترنيت سوى وسيلة للدردشة والتعرف على الجنس الآخر ، أو البحث عن فرص خارج البلاد من خلال التعرف على بعض الأوربيين أو بعض الخليجيين إما للزواج أو إقامة علاقات حميمية أخرى . كما وظفت هذه التكنولوجية التواصلية ، في مناخ مفعم بالأصولية الفكرية واستعداء الغرب ، خاصة بعد غزوه للعراق وأفغانستان ومواصلة مساندته للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وقمعه المنهجي لسكان الضفة وغزة ، كأداة من طرف بعض الشبكات الجهادية لاستقطاب بعض الشباب وحثه على مغادرة البلاد “طلبا للجهاد والموت في سبيل الله “، حيث تحولت شبكات التواصل الاجتماعي في ذهنية متخلفة ومتدنية التعليم إلى “سيوف للجهاد لغزوات ضد الكفار ومشركي قرون الهجرة والفتح “. كما تعود العديد من الموظفين داخل دواليب الإدارة المركزية وبعض المصالح الخارجية التابعة لها أو مستخدمي مؤسسات خصوصية بما فيهم حراس الامن وغيرهم ، أن يستخدموا هذا الجهاز ، قتلا للوقت الإداري البطيء وكسرا للروتين ، في بعث رسائل دينية تدعو إلى الإيمان ببعض الغيبيات ونشر بعض الصور التي تذكر بيوم القيامة وعذاب القبر بالإضافة إلى بعض الأذكار والأوراد … ولا يقتصر توظيف المغاربة للأنترنيت كوسيلة للدردشة والتواصل الشخصي على هذه التكنولوجية فقط ، بل لقد استغل الهاتف النقال بدورة للتحادث بشكل مطول ، أو إرسال الرسائل القصيرة قصد التعارف ، أو تحديد مواعيد غرامية أو حميمية ، بل لقد وظف هذا الجهاز، بعدما تم تطويره في أوربا واليابان ، لكي يصبح أداة للاستماع إلى الموسيقى و والأغاني ، وأيضا لالتقاط صور لمشاهد جنسية حميمية كثيرا ما تمت قرصنتها وبيعها في الأسواق لتتحول إلى فضائح أخلاقية عرض بعضها على أنظار القضاء . كما تحول هذا الجهاز إلى نقل صور سفر شخصية أو عائلية عبر الفايسبوك أو غيره يتم التركيز فيها على أماكن الزيارة والمناظر الملتقطة وذلك للتباهي والتمظهر . ولا يقتصر الأمر على ذلك فكثيرا ما تحرص بعض الأسر والعائلات على نقل صور وفيديوهات أعراسها والتفنن في نشر صور عن مختلف الأكلات والملابس وغير ذلك من مظاهر البذخ بما في ذلك العائلات الميسورة التي أصبحت تتنافس على إظهار أبهة أعراسها وحفلاتها بما في ذلك أسر وزراء ومسؤولين كبار من هنا يلاحظ أن استخدام المستحدثاث التكنولوجية من طرف جل المغاربة عادة ما يتم وفق عقلية تقليدية ومتخلفة تفتقد إلى المنطق الحداثي الذي كان وراء صنع وتصميم مثل هذه التكنولوجيا . ولعل افتقاد هذا المنطق هو الذي حول هذه التكنولوجيا إلى أداة لتكريس التخلف ، وجعل من المستحدثاث التكنولوجية أداة للتباهي الاجتماعي أو التلصص على الحياة الخاصة للآخرين .وقد سبق للمفكر السوري الطيب تيزيني في كتابه (مشكل الثقافة والثورة في دول العالم الثالث) أن أكد على أن نقل التكنولوجيا إلى الدول المتخلفة أو ما نعتها بالدول ذات التشكيلات المتعددة ، بما فيها الدول العربية ، عادة ما لا يصاحبه أي تغيير ثقافي أو فكري وسلوكي ، بل كثيرا ما يعري تخلف شعوب هذه الدول ، ما دام أن هذا النقل التكنولوجي لا يصاحبه نقل للقيم والثقافة التي ساهمت في صنع هذه التكنولوجيا.
من هنا ضرورة أن تقوم الدولة بواجبها ودورها في إعادة تربية مواطنيها على الاستعمال المتمدن لكل مستحدث تكنولوجي ليس فقط من خلال كبسولات إشهارية ، بل أيضا من خلال فرض عقوبات زجرية على مستعملي الهواتف المحمولة في الفضاءات العمومية وإدماج ذلك في القوانين التي تناقش حاليا بالبرلمان.
تعليقات الزوار ( 0 )