كثيرة هي المتغيرات التي فرضها انتشار جائحة “كورونا” في السلوكات الممارسات اليومية في المغرب والعالم بأسره، ولعل إحدى أوجه هذه التغييرات هو التوافق الذي تم بين وزارة العدل والسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة للمرور إلى عملية التقاضي عن بعد، والتي أعطيت انطلاقتها يوم 27 أبريل المنصرم من محكمة بسلا، في محاولة للاستفادة مما توفره التكنولوجيات الحديثة من تواصل بالصوت والصورة دون المغامرة، في ظل حالة الطوارئ الصحية، بتجميع عشرات المحامين والمتهمين ومئات الشهود في المحكمة والتاريخ نفسه.
ولمعرفة ظروف وخلفيات التخوف الذي كان لدى المحامين إبّان إطلاق هذه الصيغة في التقاضي، اتصلنا بمحمد بركو، نقيب هيئة المحامين بالرباط والذي أكد لنا “أن المحاكمة عن بعد بالاعتماد على تقنية الفيديو كونفيرونس فيها نوع من المساس بحقوق الدفاع لكونها تفتقد للتواجهية والحضورية”، مشيرا إلى أن “المحاكمة عن بعد فيها مساس بحقوق الدفاع، وقد طالبنا منذ البداية أن يَقبل المتهم ودفاعه هذه الطريقة في التقاضي”.
ومن أبرز تلك الحقوق، يضيف بركو، “التواجهية”، والتي تقوم على وجود كل الأطراف من متهم وقضاء جالس وممثل النيابة العامة والمحامين والشهود في نفس القاعة ويستمعون لبعضهم البعض ويلاحظون تعابير بعضم ونبرات صوتهم، وهي أمور مهمة جدا في تكوين ما يسمى بالاعتقاد الوجداني والذي تعتمد عليه المحكمة كثيرا في تكوين قناعتها، وهو ما لن يتأتى إلا إذا كان المتهم حاضرا بلحمه ودمه. إضافة إلى وجود عدد من الملفات الشائكة التي يكون فيها شهود وأطراف آخرين والمطالب بالحق المدني، مما يتطلب تواجه المتهم مع من اتهمه ومع الشهود لدحض تصريحاتهم التي قدمت ضد تصريحاته.
اليوم، يقول نقيب المحامين بهيئة الرباط، “ونظرا لما فرضته حالة الطوارئ الصحية وللحد من انتشار فيروس كورونا المستجد تم اللجوء إلى تدبير المحاكمة عن بعد بالاعتماد على التقنية المشار إليها آنفا لاسيما بعد ظهور عدة بؤر في بعض سجون المملكة وارتفاع عدد المعتقلين الاحتياطيين فكان حريا البحث عن طرق لتجنب إحضار المعتقلين للمحاكم حفاظا على أمنهم الصحي وأمن كافة مرتفقي المحاكم واجتناب الاختلاط.
وبلغة الأرقام أقوم أنه إذا تم نقل المتهمين في ملفات جنائية وجنحية لنفس المحكمة وفي نفس اليوم، فسنكون أمام ما يقارب 50 محاميا و100 شاهد، إضافة إلى المتهمين وربما حضور عائلاتهم، وهو ما كان سيُسقِط الدولة في ارتفاع كبير لعدد المصابين بالفيروس، وعليه أقول إن هذه المقاربة المتعلقة بالتقاضي عن بعد، أعطت نتائجا نسبيا إيجابية، لاسيما في القضايا الجاهزة والبسيطة، والتي انضافت إليها، منذ أسبوعين تقريبا، جرائم الاتجار في المخدرات شريطة أن لا يكون في الملف أكثر من متهمين اثنين، وأن لا يكون فيه مصرحين آخرين، لكي لا يُهضم حق المتهم”.
وعن مدى فعالية هذه الصيغة في التقاضي، يرى ذات المتحدث أنه ومن خلال الارهاصات الأولية قد ظهرت نتائج إيجابية نسبيا، “ولو أننا لا زلنا بعيدين عن تحقيق الهدف المنشود، لأن هناك مجموعة من العراقيل التقنية واللوجيستيكية تحول دون تحقيق نتائج مرضية بنسبة مئة في المئة، منها عدم توفر جميع المؤسسات السجنية على قاعات مجهزة ومؤهلة لهذا النوع من المحاكمات، ثم أن المتهم لا يتابع مرافعة دفاعه، وهذا مشكل تقني حقيقي، إذ يمكن للمتهم أن يتفاعل مع القاضي ودفاعه دون إمكانية متابعة مرافعة هذا الأخير وبالتالي لا يعرف ماذا قال المحامي، ناهيك عن ضعف صبيب الأنترنيت، ما يتسبب في بعض الأحيان في توقف المرافعة، وهو ما يحول دون تحقيق المبتغى الأساسي وهو الاستماع بشكل واضح وجلي صوتا وصورة للمتهم”.
وبالرغم من أن المحاكم الرقمية واحدة من توصيات ميثاق منظومة إصلاح العدالة، إلا أن محمد بركو اعترف كون المنظومة القضائية غير مؤهلة اليوم إلى الانتقال إلى المحاكم الرقمية، داعيا الدولة إلى الاستفادة مما تم تحقيقه من تراكم في هذه الفترة، “والتدخل عن طريق تقديم مساعدات للفاعلين في المنظومة، من خلال الدورات التدريبية والتكوين والمواكبة التقنية حتى يجد كل محامي نفسه مؤهلا لممارسة مهامه مسؤولياته بوسائل تقنية ومعلوماتية حديثة، إذ لا يمكن إلحاق الشلل بالمنظومة والفاعلين فيها خصوصا ما يرتبط بمداخيل المحامين ومصاريف المكاتب والكتاب والمساعدين والمتدربين”، يقول في ذات التصريح.
مسترسلا بالقول: “إذا استمر العمل بهذه التدابير على الرغم من كونها مؤقتة فرضتها الظروف التي تمر بها بلادنا فإنه من الأجدر أن نجتهد لإيجاد حلول للمساطر الكتابية تجنبا للشلل الذي عرفته المحاكم وما نتج عنها من أضرار مادية فادحة لمهنة المحاماة إذ أن أغلب المحامين أغلقوا مكاتبهم وسرحوا كتابهم وهجروا من طرف موكليهم وفقدوا موارد عيشهم”.
وعلاقة بالموضوع، أفاد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في بلاغ أصدره الثلاثاء 05 ماي الجاري، بأنه تم عقد ما مجموعه 240 جلسة وإدراج 3613 قضية بمختلف محاكم المملكة منذ انطلاق عملية التقاضي عن بعد. كما تم عقد ما مجموعه 240 جلسة عن بعد بمختلف الدوائر القضائية بالمملكة بمعدل يصل إلى 60 جلسة يوميا أدرجت خلالها 3613 قضية بمعدل يومي وصل إلى 903 قضية، مسجلا اعتزازه بهذه النتائج الإيجابية الواعدة التي تحققت خلال الأسبوع الأول منذ بداية هذه العملية.
وإضافة إلى أن 4005 معتقلا استفادوا من هذه المحاكمات عن بعد خلال الأسبوع الأول بمعدل يومي وصل إلى 1001 معتقل، كما بتت محاكم المملكة سواء الابتدائية أو الاستئنافية في 1222 قضية، بمعدل وصل إلى 306 قضية يوميا.
تعليقات الزوار ( 0 )