تعيش المدرسة عموماً حالة من القلق المتزايد والتوعك المرتبط بالأزمات الاقتصادية، وتسارع التغيرات القيمية والاجتماعية التي أفرزتها الديناميكية القاسية، التي عمقت التأثير من جوانبها الشكلية إلى داخلها الجوهراني بتعبير فيلسوف الحداثة المتأخرة فوكو. يحاول هذا المقال سبر تحولات فعل الكتابة بالمؤسسة التعليمية، باعتباره فعل ضروري وحاسم في العملية التعلمية.
وقبل ان نعرض افكار المقال نوضح للقارئ؛ من بين المهارات الأساسية التي يحث عليها المنهاج المدرسي، نجد مهارة الكتابة التي ظلت احدى الكفايات الأساسية التي يجب صقلها لدى المتعلم طوال مساره المدرسي، ويتم الاعتماد عليها بشكل مركزي في كل مراحل الامتحانات التقويمية ،التي يمر منها التلاميذ في الفترة المدرسية، وحتى الجامعية أو المهنية، والمقصود بالكتابة هو تعلم مهارات وضع الحروف والكلمات ورسم الجمل والفقرات، بشكل صحيح.
وعرفت هذه الكفاية مراحل عديدة تتشكل و تتلاءم مع احتياجات المتعلمين و تطلعاتهم في كل محطة تعليمية معينة، و يتهدد وجود فعل الكتابة في المدرسة اليوم، بتكريس تقاليد هي أبعد من أن تكون نتاج تبصر و رؤية واضحة، بحيث أصبح وضع الكنانيش و الدفاتر ذا مفارقات جمّة في واقع التلاميذ، خصوصا من يدرسون في الأسلاك الأخيرة داخل هذه المؤسسة الاجتماعية.
ومر التعليم من منعطف كبير في فترة الوباء و ما بعدها، حيث أحدثت هذه الفترة تغييرات كبيرة على وقع المدرسة في مستويات عديدة، و تعرض فعل الكتابة بدوره لإجراءات متنوعة – التعليم عن بعد، بالتناوب- هدفت عن غير قصد إلى الحد من حضوره ضمن حجرات المدارس، فكان الجميع يستند على الدروس الرقمية أو المصورة ومنسوخة من شاشات الهاتف دون كتابة .
وبعد نهاية فترات الوباء و كل أنماط التعليم التي تبنتها الوزارة ، أزفت الدراسة إلى الأقسام بشكل اعتيادي، وجاءت الدروس المصورة و المطبوعة، في ضوء الطرق الجديدة التي أضحت ا، تباع في المكتبات القريبة من المدارس، بشك اعتيادي، و دون تحديد أسعار معقولة لأبناء الطبقات الهشة، تحت مصوغات الواجب ،ملزمة شرّْطِيَةَ استجابتهم المادية لها ، و تعلن بهذا الأهازيج المأتمية ، و توزع أرمدة النهايات لفعل الكتابة، و ترسم لكفايته منحدرا نحو السكون و الزوال.
و لكي لا نقوم الإعوجاج بإعوجاج مضاد، قد تضع الممارسات التربوية المصاحبة للتغيرات المجتمعية، عراقيل أمام الأستاذ بدوره، فتعقيدات الدروس و كثافة المقرر و إلزامية إنهائه، مقابل الفتور و عدم الرغبة من طرف التلاميذ، أمور جعلت بعض الأساتذة ينزاحون نحو هذه التقاليد الجامعية و الاكتفاء بالشرح في حجرة الفصل و تقديم الدروس في صيغتها المصورة عوض الكتابة و الاملاء؛ باعتبارها خطوة ضمن الاجراءات الديداكيتيكة التي كان يعمل بها في فترة الوباء و المرحلة التي بعدها، و وجد فيها البعض ظالتهم و مصوغاتهم الحجاجية ، من أجل استمرارها ،غير أن القاعدة تقول ، ما كان لوضعه داع ظرفي يمكن الاستغناء عنه إذا زال هذا الداعي الظرفي.
فنجدها تحجم في المدن الكبير فهناك الأساتذة منغمسين في التعليم الليبرالي و الساعات الليلية، بمنطق من يدفع أكثر، ثم إن قراءة الدروس بشكل فردي، و التوقف عند جل أفكارها يستدعي بعض المهارات التي لن يتمكن المتعلم في الأسلاك المدرسية اتقنها، فالتقاليد الجامعية توازنها دائما مسؤولية الطالب في التوسع و البحث عن مراجع أخرى تعزز ما قدم له في الدروس المصورة.
أدت التحولات البنيوية و القيمية في سياق العولمة، إلى تغيرات جوهرية في المجتمع المدرسي، ففي ظل ما يواجه الأساتذة من مفارقات صارخة تتجلى في الزامية اتمام المقرر ، بنهجه التقليداني ، الغير مناسب للاجيال الجديدة، ما أنتج الدروس المصورة و الرقمية، كحل مرن لتجاوز الأزمة في المثلث الديداكتيكي، مع نسيان اهمية الكتابة، و مشاكل جمة عند الفئات الهشة بالمجتمع، إذ إن الأولياء يجدون أنفسهم مرغمين ، بسبب الزامية الدروس ، على توفير دخل مهم لاقتنائها، فكيف نصل حلول مبتكرة تصبوا لتجاوز الأزمات المؤسساتية دون أن تخلف ضحايا؟
تعليقات الزوار ( 0 )