Share
  • Link copied

التضامن المجتمعي لمواجهة جائحة كورونا

بالنظر للمخاطر المترتبة عن جائحة كورونا وما تتطلبه من إمكانيات لمعاجلة ما أفرزته من نتائج سلبية على المستوى الصحي والاقتصادي، فإن مواجهة مخلفاتها يعد مسؤولية جماعية تتقاسمها كل مكونات المجتمع من سلطات عمومية ومؤسسات ومرافق عمومية وجماعات ترابية ومقاولات خاصة وجمعيات ومنظمات مدنية وأفراد.

إن كلفة معالجة الأضرار والخسائر التي تسببت فيها جائحة كورونا، هي كلفة ضخمة. كما أن معالجة هذه الخسائر والأضرار لايمكن أن تتم دفعة واحدة وفي وقت قصير. فالأولوية يجب أن تكون لضمان وحماية الحق في سلامة الأشخاص، وهذا ما يتطلب العديد من التدابير ذات الطابع الاستثنائي والاستعجالي.

أما الأضرار الاجتماعية والخسائر الاقتصادية، ففيها ما يمكن معالجته بشكل استعجالي، و منها ما يتطلب مدى زمني متوسط على الأقل وذلك بغية إنعاش الاقتصاد والاستثمار وخلق فرص الشغل من جديد .

وأما هذا الوضع تطرح العديد من التساؤلات بخصوص مسؤوليات مختلف الفاعلين لتجاوز المخلفات الخطيرة وغير المتوقعة لهذا الوباء .

وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أهمية ونجاعة المقاربة التي اعتمدتها المملكة المغربية لمواجهة هذا الوباء، فمنذ البداية وبتعليمات ملكية وإشراف ملكي مباشر اتخذت مجموعة من الإجراءات والتدابير التي كانت في غاية الأهمية والتي جنبت المملكة المغربية الكثير من المخاطر.

فالمملكة المغربية بقيادة جلالة الملك أولت عناية خاصة لسلامة الأشخاص ولضمان الأمن الصحي وهذا ماتؤكده مجموع المبادرات المتخذة والتي تميزت بالانسجام والتكامل في إطار الحفاظ على مبدأي الشرعية والمشروعية.

فضمان لمبدأ الشرعية قامت الحكومة بإصدار مرسوم قانون يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها اعتمادا على مقتضيات الفصول 21 و 24 (الفقرة الرابعة) و81 من الدستور، كما اعتمدت على اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، وعرضت مرسوم القانون على اللجنتين المعنيتين في مجلسي البرلمان . واعتمادا على مرسوم القانون، صدر مرسوم يوم 23 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19.

وقد اتخذت السلطات العمومية أيضا مجموعة من الإجراءات والتدابير اللازمة لضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية والخدمات التي تقدمها للمواطنين. إلى جانب مجوع الإجراءات الخاصة بتنقل الأشخاص وتأمين تزويد الأسواق بالمواد الغذائية وبمتطلبات العيش…

وتنفيذا للتعليمات الملكية تم إحداث صندوق خاص لمواجهة تداعيات جائحة كورونا. وقد بادرت مجموعة من المؤسسات والمقاولات والجمعيات والأشخاص… بالمساهمة في تمويل هذا الصندوق. وهذا ما يعبر عن تضامن مختلف مكونات المجتمع لمواجهة هذه الجائحة.

وتفاعلا مع مجموع هذه المبادرات المواطنة و المسؤولة، وجب التذكير بأن التضامن ليس فقط مجرد واجب شرعي و أخلاقي، وإنما هو واجب دستوري حيث ينص الفصل 40 من دستور 2011 على أن” على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد”.

والمواطنة الحقة تفترض الالتزام بالواجبات بالموازاة مع التمتع بالحقوق. وهذا ما يفترض انخراط مختلف مكونات المجتمع إلى جانب السلطات العمومية في مواجهة هذه الجائحة ومعالجة مخلفاتها.

وطبقا لمقتضيات الدستور، يقع على عاتق جميع المواطنات والمواطنون واجب المساهمة في تحمل التكاليف التي تتطلبها مواجهة فيروس كورونا ، والتكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد. وتختلف مستويات هذه المساهمة باختلاف الوسائل التي يتوفر عليها كل شخص أو جهة.

فالأشخاص والجهات التي تتوفر على وسائل وإمكانيات أكبر يجب أن تكون مساهمتها متناسبة مع ما تملكه، وكذلك الأمر بالنسبة للأشخاص الذين يتوفرون على إمكانيات متوسطة فيجب أن يساهموا بما يتناسب مع ما يتوفر لديهم من وسائل.

أما الأشخاص الذين لايتوفرون على وسائل وإمكانيات تسمح لهم بالمساهمة المادية في تمويل التدابير اللازمة لمواجهة جائحة كورونا، فيجب عليهم المساهمة على الأقل بالالتزام بالتعليمات الصادرة عن السلطات العمومية والتي من شأنها وضع حد لهذا الوباء وتفادي انتشار العدوى.

فالبقاء في المنازل خلال فترة الطوارئ الصحية هو في حد ذاته مساهمة ايجابية. والدولة بطبيعة الحال مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لضمان دعم ومساعدة الأسر الفقيرة والمعوزة.

وفي هذا الخصوص من الضروري التنويه بالإجراءات المتخذة من قبل السلطات العمومية لدعم الأشخاص الذين توقفوا عن العمل بسبب الجائحة والمسجلين في الضمان الاجتماعي، والأشخاص الذين يتوفرون على “بطاقة راميد”، والأشخاص غير المنخرطين في الضمان الاجتماعي وغير المتوفرين على “الراميد”… إلى جانب مجموع الإجراءات الأخرى التي اتخذتها لجنة اليقضة الاقتصادية لمواجهة تداعيات وباء كورونا.

ولكن كيفما كانت طبيعة الإجراءات المتخذة ، فهي لاتعفي من كل أشكال التضامن المجتمعي بين مختلف مكونات وفئات المجتمع.

وإلى جانب الفئات الفقيرة والتي توجد في أوضاع هشة وتحتاج للدعم والتضامن، من المهم إبلاء عناية خاصة خلال هذه الفترة بالأشخاص كبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة، وكذلك بالنسبة للمهاجرين المتواجدين فوق التراب الوطني.

فخلال فترة كهذه من الضروري استحضار المصلحة العامة ومصلحة الوطن وجعلها فوق كل الاعتبارات. فبالالتزام بالتدابير الصحية وبالتضامن المجتمعي يمكن الانتصار في مواجهة كورونا فيروس.

*أستاذ باحث في القانون الدستوري

Share
  • Link copied
المقال التالي