عندما تهادت إلى الأسماع أصداء الفضائح والشقاق داخل أجنحة وعصابات سلطة الدكتاتورية الدكتورية على أثر نمو واتساع الانتفاضات الشعبية وفعاليات قوى المقاومة الإيرانية، وقرر ولي الفقيه المتسلط على إيران الإنكماش على الذات داخل سلطة الحكم ووضع واحدٍ من بني جنسه من طينته وهو المدعو إبراهيم رئيسي على كرسي رئاسة جمهورية الملالي، وكان هذا التعيين بداية الحركة التي لم يشعر بآثارها الضارة الآن الشعب الإيراني فحسب بل شعوب منطقة الشرق الأوسط أيضا ولامسوها بكافة جوارحهم الحسية والإدراكية المادية!
وكنا قد كتبنا في تلك الأيام أن إبراهيم رئيسي سيكون آخر رئيس لجمهورية سلطة ولاية الفقيه! ربما كان من المفترض أن يمضي الوقت لإثبات صحة هذه الفرضية للجميع، ولكن حقيقة هذا الأمر بدت الآن في الربع الأخير من عام 2023 أكثر وضوحاً للجميع من أي وقت مضى.
لقد بلغت الانتفاضة الشعبية ضد دكتاتورية ولاية الفقيه في إيران وشرعية الطريق والاستراتيجية الوحيدة لدى الدكتاتورية الدينية أي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ذروتها خلال عامٍ مضى العام الماضي، ورغم ” سياسة الاسترضاء والمهادنة” المتبعة كالعادة إلا أن النظام الدكتاتوري في إيران قد دخل المرحلة النهائية من وجوده.
لقد عُرِف الآن المدعين الكاذبين بشأن الإنتفاضة الشعبية الوطنية الإيرانية أكثر من أي وقت مضى، وفي ظل تلاطم العديد من الاستشهادات والمواجهات السياسية والعسكرية تتواجه قوتان متنازعتان داخل أروقة النظام نفسه في إيران وقد بات معنى وجود أحدهما نفياً للآخر، وتلك هي قضية إيران الحقيقية وفي الوقت نفسه حرب تقرير المصير القائمة بين الدكتاتورية من جهة والشعب والمقاومة الإيرانية من جهة أخرى، وها قد وصلت إلى نقطة الحسم، وستكون الدكتاتورية وسياسة الاسترضاء والمهادنة معها في هذه المواجهة بحالة دفاعٍ وتلاشي، وفي الجانب الآخر يصطف الشعب والمقاومة الإيرانيين في وضع الهجوم والغلبة والعُلى.
والآن مع بدء الحرب في الشرق الأوسط التي كان محورها عملية ترويج نظام ولاية الفقيه للحروب، وقد لفت ذلك انتباه العالم، ويقترب الجميع الآن من هذا التحليل الواقعي لقائد المقاومة السيد مسعود رجوي الذي قال: “رأس أفعى الولاية في طهران”، ومع كل يوم يمضي يصبح الإجماع على وجهة النظر هذه أقوى.
ووجهة النظر هذه في وضع تتطور وتوسع لدرجة أن بعض الدوائر المقربة من الدكتاتورية في إيران “تحذر خامنئي من أنه لا يحق له أن يقود بلادهم إلى الحرب!” وقال السيد رجوي: “هذا هو التشويه وعكس شكل القضية من قبل الإصلاحيين في الداخل وتمددهم خارج النظام” وأضاف أيضاً: “إن خامنئي لم يكن ينوي أبداً خوض حرب مع أمريكا أو خوض حرب مواجهة مع إسرائيل ذلك لأنه سيخرج منها خاسراً وسيفقد في النهاية كرسي الهيمنة والولاية، ولا ننسى أن أميركا نادمة على ما فعلته في العراق لأسباب عديدة”.
وفي سياق ذي صلة قال خامنئي في 13 أغسطس 2018: ” بشكل مختصر أقول كلمتين للأمة الإيرانية: لن تكون هناك حرب ولن نتفاوض… والأميركيون لن يبدأوا الحرب أيضاً”، وقد قالها خامنئي مستشهداً بمواقف المهادنين الغربيين وتجنباً لإسقاط نظامه على يد الشعب الإيراني، وها قد لجأ الآن مع بداية العام الثاني لـ “الثورة ضد الدكتاتورية” إلى الترويج للحروب خارج حدود إيران، وربما على نفس طريقة سلفه خميني، «علاجٌ» يقي من «ألم السقوط»، ويستمربدكتاتورية ولاية الفقيه كسابق عهده، ولكن على النقيض من هذا التقدير الخاطئ الكبير لـ خامنئي فإن “الوضع لن يعود أبداً إلى الوراء، ولن يرضى الشعب الإيراني بأقل من إسقاط الدكتاتورية وزوال في إيران!”.
لقد أعلنت المقاومة الإيرانية لسنين طوال أن “بيت خامنئي هي أكبر مركز للجريمة والإجرام والقمع في عالم اليوم” ويجب استهدافه من قبل أبناء الشعب الإيراني، إن المجاهدين والمقاومة الإيرانية بصفتهم حاملي راية ورواد هذه الحركة لأكثر من أربعين عاماً وصمدوا من أجل ذلك متواصلين في قلب المخاطر بميدان النضال الشاق ولم يفارقوا خطوط الصمود والثبات ولم يتهاونوا ولم يتركوا فيها ثغرة ولا خللاً ولو لـ لحظة واحدة، وللثبات والرسوخ في هكذا ميدان لابد من قائد كفوء، ولديه محاربين يضعون أرواحهم على كفوف أيديهم، وإيمان راسخ بالحرية والديمقراطية!
وبحسب قول السيد رجوي، “لقد حان عصر الاستعداد لإسقاط هذا النظام، والتهديد ليس بضرب رأس الأفعى بحجر بل يجب أيضاً سحق حرس الجهل والجريمة ونزع سلاحه وحله، يجب أن تكون هناك انتفاضة” (24 يونيو 2019)، وقال السيد رجوي أيضاً: “لقد وضع خامنئي فلسطين على رأس (سن) الرمح سعياً منه للهروب من انتفاضة الشعب والسقوط الحتمي… لذا حان الآن الوقت للدعوة إلى الإطاحة، إنه زمن الهجوم بالحد الأقصى، ويجب قلب وتحطيم الطاولة التي أوجدها على رأسه وليس بالتوسل إليه ومطالبته بانفعال مهين وسلبي وبطريقة معاكسة أن لا يجر البلاد إلى الحرب!”.
والحقيقة هي أن «خامنئي يطلب من الله إنهاء الأمور هنا وتسويتها وإعادتها قدر الإمكان» حتى يظهر نفسه بأنه «المنتصر» في هذا الترويج للحروب وأن«لا يُفرض عليه أي وضع أو توازن آخر».. ويريد خميني بهذا العلم رص الصفوف في مواجهة انتفاضة الشعب وزيادة القمع والإعدام في إيران، وعلى ضوء ذلك سيُقيم استعراض انتخابات أو بتعبير أصح (تعيينات) نظامه العام المقبل، وأما خارج الحدود فسيُبقي دول المنطقة صامتة، وستكون له الكلمة الفصل في الأمر، وسيحتفظ بملف الأمن في المنطقة لنفسه، وبالتواصل على النحو وعلى المستوى العالمي أيضاً فقد خطا خطوة أوسع وجعل من نفسه متحكماً بمصائر الدول!
كلمة أخيرة
ولي الفقيه الحاكم في إيران هو المؤسس والطرف الرئيسي بحرب الشرق الأوسط! وإن مُنكري هذا الأمر هم من كيان الدكتاتورية والمهادنين لها، والتأمل قليلاً في هؤلاء المنكرين سيوصل كل ضميرٍ حيٍ واعٍ إلى حقيقة أنهم الحلفاء العلنيون والفعليون لدكتاتورية ولاية الفقيه المتسلطة على إيران، وهي نفسها تلك الموجودة على طول التاريخ ولعدة عقود في إيران بأشكال مختلفة، وكانت عنصرا من عناصر بقاء هذا النظام، وبدلاً من أن يرجموا “أفعى” الدكتاتورية الدموية بحجر يجب أن يرجموا أنفسهم بـ”حجر” أيضاً، فهم الذين جلسوا يلطمون ويندبون سيافين مجرمين أمثال: قاسم سليماني، ولاجوردي وصياد شيرازي! ولم يأتي من فراغ أن رأيناهم يستهدفون الشعب والمقاومة الإيرانيين على الدوام بدلاً من استهداف “الدكتاتورية الحاكمة”!
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني
تعليقات الزوار ( 0 )