Share
  • Link copied

التدابير الاستثنائية لاشتغال مجلسي البرلمان في ظل انتشار جائحة كورونا: أسئلة وإشكالات

ترابطا مع الوضع الاستثنائي المتعلق بانتشار جائحة كورونا “كوفيد 19” وحالة الطوارئ الصحية المعلنة من قبل السلطات العمومية بالمغرب، أعلن مجلسي البرلمان عن اتخاذ جملة من التدابير الاستثنائية لضبط سير أعمالهما.

فالبرغم من أن النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان لا ينصان على أي مقتضى ينظم اشتغالهما في الأحوال غير العادية، فإنه في إطار الإعداد لافتتاح الدورة البرلمانية الثانية من السنة التشريعية 2020/2019، اعتمد المجلسين جملة من التدابير غير الواردة في النصوص القانونية المنظمة لها.

طرحت هذه التدابير البرلمانية الاستثنائية المتخذة عدة تساؤلات دستورية وإشكالات قانونية، وفتحت النقاش بين الباحثين في الشأن البرلماني حول أساسها ومدى دستوريتها.

وفي هذه السياق، تسعى هذه الورقة البحثية إلى تقديم قراءة دستورية للتدابير الاستثنائية المتخذة من قبل مجلسي البرلمان، من خلال استحضار مختلف الإشكالات القانونية المحيطة بها.

ولإعطاء بعد مقارن لها، ترصد هذه الورقة التدابير الاستثنائية التي اتخذتها بعض برلمانات العالم، لضبط سير أعمالها ترابطا مع تداعيات انتشار جائحة كورونا.

فإلى أي مدى احترم مجلسي البرلمان الدستور والمقتضيات المنظمة للعمل البرلماني في اتخاذهما التدابير الاستثنائية لضبط سير أشغالهما؟

أولا :  التدابير الاستثنائية المعتمدة من قبل مجلسي البرلمان لضبط سير أشغالهما

انطلاقا من الحرص على استمرارية الحياة الديمقراطية وممارسة المؤسسات الدستورية التمثيلية لوظائفها، والالتزام بالتدابير الوقائية الصحية وتفعيلها، أقدم مجلسي البرلمان، في إطار الإعداد لافتتاح الدورة البرلمانية الثانية من السنة التشريعية 2020/2019، على اتخاذ جملة من التدابير الاستثنائية في منهجية اشتغالهما خلال هذه الفترة الخاصة من الدورة البرلمانية.

تمثلت هذه التدابير الاستثنائية في مايلي :

  1. بالنسبة لمجلس النواب :

اتخذ مجلس النواب جملة من التدابير والاجراءات لتنظيم أشغاله وسير أعماله خلال هذه الفترة، تمثلت في :

  • وضع برنامج عمل مؤقت للجلسات الأسبوعية لشهري أبريل وماي، مع إعطاء الأولوية للقطاعات المرتبطة بشكل مباشر بتدبير جائحة كورونا؛
  • ب‌.  جعل حضور جلسات الأسئلة الأسبوعية مقتصر على رؤساء الفرق والمجموعات النيابية أو من ينوب عنهم بالإضافة إلى عضوين عن كل فريق ومجموعة؛
  • ت‌.  التقليص من المدة المقررة للجلسة الأسبوعية إلى النصف (90 دقيقة)؛
  • ث‌.  العمل بالنسبة لأعمال اللجان الرقابية بنفس المقتضيات المقررة للحضور المقررة للجلسات الأسبوعية، مع إعطاء الأولوية للقضايا التي تكتسي أهمية خاصة في التتبع اليومي والمواكبة المستمرة؛
  • ج‌.    إعطاء الأولوية للتشريع المرتبط بإكراهات المرحلة ومتطلباتها الخاصة بإقرار القوانين.
  • بالنسبة لمجلس المستشارين

في بلاغ له صادر بتاريخ 6 أبريل 2020 أعلن مجلس المستشارين(1) عن اتخاذ العديد من التدابير الاستثنائية لتنظيم سير أعمال المجلس خلال هذه الفترة الخاصة، وكذا بشأن المواضيع ذات الأولوية بالمراقبة والتشريع، وتمحورت هذه التدابير الاستثنائية في :

  • جعل حضور أشغال الجلسات العامة مقتصرا على رؤساء الفرق والمجموعة البرلمانية أو من ينوب عنهم، إضافة إلى عضوين اثنين من الفرق والمجموعة كحد أدنى؛
  • ب‌.  بالنسبة للجلسات الأسبوعية للأسئلة الشفهية : برمجة قطاع حكومي واحد كل أسبوع، وبحصة سؤال واحد لكل فريق ومجموعة؛
  • ت‌.  إعطاء الأولوية، بالاتفاق مع الحكومة، للنصوص التشريعية المرتبطة بالتجاوب مع إكراهات المرحلة والحد من آثارها.
  • ث‌.  جعل حضور اجتماعات اللجان الدائمة مقتصرا على ممثل واحد عن كل فريق ومجموعة برلمانية، مع دعوة مكاتب اللجان إلى إتاحة الفرصة لأعضاء المجلس للمساهمة في المناقشة بتقنيات التواصل عن بعد.

وضمن نفس السياق، أقامت  العديد من برلمانات العالم، التي تمر بهذه الأزمة الصحية عدة تدابير استثنائية لملاءمة عملها مع متطلبات حالة الطوارئ المعلنة؛  والاشتغال وفق منجية وقائية آمنة تحقق استمراريتها  في أدائها للأدوار الدستورية المناطة بها.

فالجمعية الوطنية الفرنسية(2) جعلت أعمالها خلال هذه الفترة الاستثنائية مرتبطة فقط بالقضايا الخاصة بتدبير جائحة كورونا، رقابة وتشريعا، وتأجيل ماعدا ذلك من الأعمال والقضايا، ومن جملة ذلك :

  • جعل حضور الجلسات الأسبوعية مقتصرا على رؤساء الفرق والبرلمانيين طارحي الأسئلة؛
  • ب‌.  فتح الإمكانية للتفكير في آلية لإعمال قاعدة احتساب تصويت رؤساء الفرق البرلمانية على النصوص التشريعية بعدد أعضاء فرقهم؛
  • ت‌.  إحداث “لجنة استعلام”  Mission d Informationتضم في تركيبتها ممثلي المجموعات البرلمانية واللجان الدائمة، يعهد إليها تتبع الإجراءات الحكومية المتخذة لكافحة وباء كورونا ودراسة أثارها، وإصدار، عند الاقتضاء، التوصيات بهذا الخصوص.

وتحقيقا للمقصد الدستوري المتمثل في الحرص على استمرارية مؤسسات الدولة وقدرتها على النهوض بمهامها اعتمد مجلس نواب الشعب التونسي(3) العديد من الاجراءات الاستثنائية لعمل المجلس، تمثلت في :

  • بالنسبة للمبادرات التشريعية المرتبطة بالحالة الوبائية ومواجهاتها أو الحد من مضاعفاتها، يجوز لمكتب المجلس إقرار آجال دنيا استثنائية تسمح بسرعة النظر في اللجنة أو في الجلسة العامة، ولرئيس المجلس بناء على قرار مكتب المجلس اختصار آجال الدعوة للجلسات العامة؛
  • ب‌.  تنطلق الجلسات العامة خلال فترة الحجر الصحي في موعدها المحدد دون أن تتوقف على توفر نصاب محدد؛
  • ت‌.  يمكن لمكتب المجلس السماح بأن يكون انعقاد الجلسة العامة خلال فترة الحجر الصحي عن بعد، بما في ذلك إمكانية التصويت عن بعد، باعتماد التطبيقات الإلكترونية، وبما يسمح بالحزم باختيار كل مصوت؛
  • ث‌.  لمكتب المجلس أن يقرر مدة وصيغة مختصرة للنقاش بالنسبة للجلسات العامة المحكومة بهذه الاجراءات الاستثنائية؛
  • ج‌.    تفوض الجلسة العامة خلية الأزمة بمجلس نواب الشعب لتتولى المهمة الرقابية تجاه الحكومة في أيام عدم انعقاد الجلسات العامة؛
  • ح‌.    تصادق الجلسة العامة على إمكانية انعقاد اجتماعات مكتب المجلس ورؤساء الكتل واللجان البرلمانية عن بعد طبق ما قرره مكتب المجلس المؤرخ في 16 مارس 2020.

وبالنسبة للحضور النيابي الفعلي بقاعة الجلسات العامة فجعله مقتصرا على : رئيس مجلس نواب الشعب ونائبيه، خلية الأزمة(مكتب المجلس ورؤساء الكتل)، مكتب اللجنة القارة التشريعية العامة، لجنة مراقبة عمليات التصويت وإحصاء الأصوات، 22 ممثلا عن الكتل النيابية وعن غير المنتمين بحسب التمثيل النسبي بحساب عضو عن كل 10 نواب، ويتولى كل رئيس كتلة تحديد ممثلي الكتلة الذين سيحضرون داخل قاعة الجلسات العامة، وعلى ممثل غير المنتمين تقديم موافقة تسعة نواب آخرين على الأقل على أن يمثلهم داخل قاعة الجلسات العامة، مع اعتماد إمكانية التصويت عن بعد للنواب الراغبين في ذلك، وشريطة توجيه طلب في الغرض عبر البريد الإلكتروني قبل 24 ساعة على الأقل من وقت بداية الجلسة العامة، بالنسبة للنواب المتواجدين بالخارج. إضافة إلى ذلك، جعل اجتماعات اللجان عن بعد، بما في ذلك إمكانية التصويت عن بعد، باعتماد التطبيقات الإلكترونية، وبما يسمح بالجزم باختيار كل مصوت.

وفي اتجاه مخالف اتخذ برلمان سلوفينيا (الجمعية الوطنية) منهجا مغايرا، بحيث لم يعتمد أي تدبير للتقليص من الأشغال التشريعية، أو حصر نطاق الرقابة البرلمانية على ما تقتضيه متطلبات مواجهة وباء كوفيد-19، بل صدرت عن المجلس الأعلى مثلا (الغرفة الأولى بالجمعية الوطنية السلوفينية/البرلمان) توصيات غير ملزمة بتركيز النقاش والعمل التشريعي على ما يقتضيه اتخاذ تدابير استعجالية لمواجهة انتشار وباء كوفيد-19، علما أن البرلمان السلوفيني لا يعقد جلسات عامة أسبوعية، بل إن جلساته شهرية، وتعقد طول السنة باستثناء شهري يوليو وغشت(4).

فيما أقدم مجلس الشيوخ الكندي، تبعا لتداعيات انتشاء وباء كورونا وللتدابير الوقائية التي اتخذتها السلطات العامة بالبلاد، إلى تأجيل جميع أشغاله إلى يوم 20 أبريل 2020(5).

ثانيا: التدابير البرلمانية الاستثنائية: تدابير من خارج النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان

لقد أثارت التدابير الاستثنائية المعتمدة من قبل مجلسي البرلمان الكثير من النقاش القانوني حول مدى دستوريتها، ففي الوقت الذي اعتبر بعض البرلمانيين أن المرحلة الاستثنائية التي يمر بها المغرب تقتضي تعاون البرلمان والحكومة وإرجاء الخلافات السياسية(6)، وأن التدابير المعتمدة احترمت روح الدستور ومنطوقه، اعتبر بعض الباحثين أن التدابير المتخذة من قبل مجلسي البرلمان كانت خارج النص الدستوري، وأنه كان من اللازم اعتماد بعض المنافذ القانونية الأخرى،  وتدارك الفراغ الموجود على مستوى نظاميهما الداخليين المتعلقين بكيفية تنظيم عملهما أثناء الحالات غير العادية، من قبيل لجوء المجلسين إلى تشكيل برلمان مصغر تضمن فيه تمثيلية برلمانية تبعا لتركيبة كل فريق برلماني، كأن يكون برلماني عن كل عشرة برلمانيين(7)؛ أو إلى الإعلان عن افتتاح الدورة البرلمانية وتركها مفتوحة بدون أجندة، واقتصار البرلمان خلالها فقط على الترخيص للحكومة بأن تتخذ مراسيم القوانين الضرورية لمواجهة تداعيات هذه الجائحة(8).

إن الخلفية الدستورية التي تحكم البرلمان، تجعله ملزم الانعقاد في دورتين برلمانيتين في السنة التشريعية، وقائم الاشغال على أساس نظام التمثيل النسبي، والنظام القانوني للمعارضة البرلمانية، مع جعل الفرق والمجموعات البرلمانية الأداة الأساسية لتنظيم مشاركة البرلمانية أفرادا وجماعات في أشغال البرلمان، ثم الإقرار بأن التصويت حق لكل نائب(ة) /مستشار(ة)، إضافة إلى جعل عملية صناعة النصوص القانونية تتم وفق مسطرة تشريعية محددة حسب نوعية النصوص التشريعية.

فهذه المقتضيات هي التي تحكم جوهر الأنظمة القانونية المنظمة لاشتغال مجلسي البرلمان، ويتم ترجمتها سواء عند تشكيل أجهزة مجلسي البرلمان، وعند توزيع حصة كل فريق ومجموعة برلمانية في الوقت المخصص للجلسات الدستورية، والتي تتم بناء لمبدأ التمثيل النسبي وعلى أساس معيار التمثيلية السياسية لكل فريق ومجموعة برلمانية، أو عند اللجوء إلى عمليات التصويت التي تتم عبر احترام حق التصويت لكل عضو برلماني.

وفي ظل انعدام أي تنصيص داخل النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان على ظروف الاشتغال في الحالات غير العادية، اتخذ مجلسي البرلمان تدابير استثنائية لاشتغالهما، والتي تثير التساؤلات والملاحظات التالية :

1- افتتاح دورة أبريل :  هل كان بالإمكان تأجيل افتتاح الدورة البرلمانية؟

لا يسمح منطوق الفصل 65 من الدستور بأي مجال لهذه الإمكانية، ذلك أن الفصل المذكور ينص على افتتاح الدورة الثانية من السنة التشريعية في الجمعة الثانية من شهر أبريل، والقول بأن حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها تقتضي إرجاء افتتاح الدورة لا يوجد سند دستوري له، خصوصا في ظل تأكيد المقتضيات القانونية الواردة في الفصلين 59(9) و 74(10) من الدستور، والمتعلقة على التوالي بحالتي الاستثناء والحصار، على عدم جواز حله.

كما أن الدعوة إلى افتتاح الدورة البرلمانية وجعلها بدون أجندة، لا يستقيم في ظل وجود مقتضيات قانونية تؤكد على استمرارية قيام البرلمان بأداء أدواره الدستورية، من قبيل ما ينص عليه الفصل 100 من الدستور من ” تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة…”.

وجدير بالذكر، فجل البرلمانات التي تزامن افتتاح دوراتها مع انتشار جائحة كوفيد 19 افتتحت أشغالها، بل حتى في ايرلندا التي أسفرت الانتخابات التشريعية لـ 8 فبراير 2020 عن تعليق عمل البرلمان في إطار المشاورات لتشكيل حكومة جديدة،  استأنف البرلمان عقد اجتماعاته، فقد تم في 19 مارس التصويت على قانون الطوارئ في “الدايل Dáil” (الغرفة الدنيا)، وفي 20 مارس في مجلس الشيوخ(الغرفة العليا)(11).

2- النظام المعتمد لجلسات الأسئلة الأسبوعية للأسئلة الشفهية:

في ظل صعوبة استمرار العمل بالنظام العادي المقرر للجلسات الأسبوعية أقدم مجلسي البرلمان على وضع نظام استثنائي لها من خلال تقليص المدة الزمنية المقررة لها، وإعطاء الأولوية لمساءلة القطاعات الحكومية المرتبطة بشكل مباشر بتدابير جائحة كورنا وتداعياتها، مع جعل حضور جلساتها مقتصرا فقط على رؤساء الفرق والمجموعات البرلمانية أو من ينوب عنهم، إضافة إلى عضوين اثنين من الفرق والمجموعة كحد أدنى، من بينهم البرلمانيين طارحي الأسئلة. وإن كان هذه النظام واقعيا اكثر في ظل هذه الظروف الخاصة، فإنه يثير عدة إشكالات، ذلك أن اعتماد هذا التدبير قد يقضي العمل بنظام الأسئلة الآنية(12)،كما أن تفعيله يبقى مرتبطا بمدى تفاعل الحكومة معه، ذلك أن النظام القانوني للأسئلة الشفهية لا يلزم الحكومة بالإجابة عنها إلا بعد مرور 20 يوما من تاريخ توصلها بها.

3- أي نظام معتمد للجلسات التشريعية في ظل التدابير الاستثنائية؟

في الوقت الذي دعت فيه الجمعية الوطنية الفرنسية إلى التفكير في آلية تسمح بإعمال قاعدة احتساب تصويت رؤساء الفرق البرلمانية بعدد أعضاء فرقهم، وأقر مجلس نواب الشعب التونسي آجالا دنيا استثنائية تسمح بسرعة النظر في النصوص القانونية في اللجان البرلمانية أو في الجلسة العامة، وجعل الحضور داخل الجلسات قصرا على “برلمان مصغر” يمثل الكتل النيابية وعن غير المنتمين بحسب التمثيل النسبي، مع إعمال آلية التصويت عن بعد(13)، تفادى مجلسي البرلمان الإشارة إلى التدبير المتعلق بالتصويت على النصوص التشريعية وحضور جلساتها، والاكتفاء فقط بإعطاء الأولوية للتشريع المرتبط بإكراهات المرحلة ومتطلباتها الخاصة بإقرار القوانين. ولئن كان حصر حضور الجلسات الأسبوعية للأسئلة الشفهية في رئيس كل فريق وعضوين آخرين، قد يحيل، بشكل ضمني، إلى اعتماد نفس القاعدة المعتمدة بالنسبة للجلسات التشريعية، من خلال حصر عدد الحضور في الجلسات التشريعية، كما قد يحيل إلى استمرار العمل وفق النظام العادي للجلسات التشريعية، من خلال ترك إمكانية الحضور لكل من تمكن من البرلمانيين من الحضور والراغبين في ذلك، وانعقادها بمن حضر من البرلمانيين، وإن كان من الصعب، في ظل تدابير حالة الطوارئ الصحية، أن يتمكن جميع البرلمانيين من حضور أشغال الجلسات التشريعية. وهو ما قد يطرح التساؤل حول ضمان حق التصويت المكفول لجميع البرلمانيين، خصوصا، في ظل غياب أي تنصيص قانوني ينص على تفويض التشريع أو مقتضى قانوني داخل النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان يفتح الإمكانية لتصويت البرلمانيين عن بعد.

إن تصويت البرلمانيين خلال هذه الفترة الخاصة، قد لا يثير أي إشكال قانوني، وذلك للاعتبارات التالية:

  • لا ينص الدستور على تصويت الأغلبية المطلقة لأعضاء كل مجلس إلا لنصوص قانونية معينة وفي حالات محددة على سبيل الحصر، وما عدا ذلك فإن التصويت يكون بأغلبية الحاضرين فقط(14)؛
  •  في الأحوال غير العادية والظروف الاستثنائية ينبغي التعامل مع القيود الدستورية والضوابط المسطرية بنوع من الليونة والمرونة، بالشكل الذي لا يفقد هذه المبادئ روحها ويحقق المصلحة العامة، فالعديد من البرلمان أقدمت على تبسيط مساطرها التشريعية، ففي البرلمان الايرلندي عمد مجلس الشيوخ (الغرفة الأولى) إلى تقليص مدة الدراسة والتصويت على القوانين بالجلسة العامة، واعتماد مددا قصيرة (3 ساعات مثلا بالنسبة لمشروع قانون الصحة 2020، علما أن المناقشة العادية والتصويت يستغرقان عادة مددا أطول أو حتى جلسات متتابعة)،  وأجاز مكتب مجلس نواب الشعب التونسي إمكانية إقرار آجال دنيا استثنائية تسمح بسرعة النظر في اللجنة أو في الجلسة العامة للنصوص التشريعية ذات الصلة، في حين عمد مجلس الدايل Dáil(الغرفة الثانية)، إلى تضمين النصوص القانونية المصوت عليها في ظل هذه الظروف، وفقا لمسطرة سريعة تستجيب للحاجة الملحة، مقتضيات تتضمن شرطا بإعادة مناقشة القانون في وقت لا حق بعد انتهاء حالة الطوارئ الصحية، فمثلا تم تضمين قانون الصحة 2020 (الذي يتعلق بالتدابير الوقائية المتخذة في هذه الفترة) مقتضى يتضمن لزوم إعادة عرضه للمناقشة (دون التصويت) في شهر نوفمبر(15).

ومن أجل تبسيط عملية التشريع، عمد البرلمان الاسباني إلى تأهيل الحكومة من أجل إصدار مراسيم بقوانين، ترمي إلى تعديل قانون الطوارئ الصحية، بعد إخبار البرلمان، من أجل ضمان المرونة في تعديل هذا القانون الهام في هذه المرحلة، خاصة بالتمديد من مدة حالة الطوارئ أو نطاقها، أو التقليص منهما، دور المرور بالمسطرة التشريعية، على أن يتم إقرار ما تم اتخاذه من مراسيم بقوانين من قبل البرلمان وفقا للمسطرة العادية في وقت لاحق(16).

إن نظرية الظروف الاستثنائية وعلاقتها بقيود المسطرة التشريعية سيثيرها  المجلس الدستوري الفرنسي، في سابقة قضائية، في قراره رقم 2020-799 DC المتعلق بدستورية القانون التنظيمي المتعلق بحالة الطوارئ(17)، حيث جاء في إحدى حيثياته بأنه: “نظرا للظروف الخاصة، فإنه لا يمكن الحكم بأن المسطرة المعتمدة لإقرار القانون التنظيمي المتعلق بحالة الطوارئ خالفت القواعد المسطرية المنصوص عليها في الفصل 46 من الدستور”(18)، علما أن مسطرة إقرار البرلمان الفرنسي للقانون التنظيمي المذكور خالفت المسطرة التشريعية المقررة في الدستور.

على سبيل الختم

إن هذا الموضوع المستجد فتح النقاش حول جانب مهم في القانون البرلماني تم إغفاله، والمتعلق بكيفيات اشتغال البرلمان وضوابط سيره في الأحوال غير العادية، فإن كانت الوثيقة الدستورية لسنة 2011 نصت على أنه عند إعلان حالتي الاستثناء والحصار يظل البرلمان قائما ولا يجوز حله، فإنها لم تبين كيفية اشتغاله خلال هذه الظروف غير العادية.

كما أن النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، ظلت الخلفية التي تحكمهما مرتبطة فقط بتنظيم أشغال مجلسي البرلمان في الأحوال العادية، لذلك فإن الوضعية المرتبطة بانتشار وباء كورونا، والنقاش الدائر حول دستورية التدابير البرلمانية الاستثنائية المتخذة لتنظيم أشغال مجلسي البرلمان في ظل هذه الفترة الخاصة قد تفتح المجال للتفكير، مستقبلا، في تعديل النظامين الداخلين لمجلسي البرلمان، بتضمينهما لمقتضيات تنص على تدابير استثنائية للاشتغال في الأحول غير العادية.

الهوامش

1 ـ بلاغ  حول اجتماع مكتب مجلس المستشارين المنعقد يوم الإثنين 06 أبريل 2020.3 –  communique du l Assemble nationale , 17 mars 2020  -2

3 ـ  قرار من الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب يتعلق بإقرار إجراءات استثنائية لعمل مجلس نواب الشعب، الرائد الرسمي للجمورية التونسية ، عدد 27، صادر بتاريخ 31 مارس 2020، صفحة 832.

4- L administration publique face au COVID-19, cartoghraphie des reponses des Etats members de l UE( a destination des pays de l elergissement et de voisinage europeem), Slovenie, SIGMA, 7 Avril 2020, p 7.

 5 – communiqué président du Senat du 13 mars 2020, le Senat du Canada prolonge son5 ajournement en réponse a la COVIDD 19.

6 ـ اعتبر عبد اللطيف وهبي النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة أن المرحلة يجب أن يقتصر فيها دور البرلمان على مساعدة الحكومة في تسريع عملية التشريع لمواجهة وباء كورونا. فيما صرح عبد الله بوانو النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية أن الدورة التشريعية لن تتناول العديد من النصوص التشريعية الخارجة عن نطاق التحدي الصحي،  وبأن مشكل النصاب المتعلق بالتصويت على النصوص التشريعية غير وارد، لأن النصاب مطروح فقط خلال التصويت على بعض القوانين التنظيمية وهي غير واردة حاليا.

وهبي وبوانو يناقشان إشكالية الحضور المقلص لدورة مواجهة البرلمان لكورونا، مقال منشور على الرابط التالي :         alyaoum24.com/1398563.html (12/04/2020)

7 ـ  بن يونس المرزوقي،” قرارات الطوارئ…جدل في البرلمان”، جريدة الأحداث المغربية، عدد الأربعاء 8 أبريل 2020.

8 ـ عبد الرحيم منار اسليمي، صيغة افتتاح البرلمان خرق للدستور وخطر على البلاد في فترة

الوباء، مقال منشور على الرابط التالي: banassa.com/orbites/17539 (09/04/2020)

9 ـ ينص الفصل 59 من الدستور المغربي لسنة 2011 على : “إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، أمكن للملك أن يعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة، ويخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الاجرارات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.

لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية…”

10 ـ  ينص الفصل 74 من الدستور المغربي لسنة 2011 على : يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار، بمقتضى ظهير بوقعه بالعطف رئيس الحكومة، ولا يمكن تمديد هذا الأجل إلا بالقانون.

11 – L administration publique face au COVID-19, cartographie des réponses des Etats membres de l UE( a destination des pays de l élargissement et de voisinage européen), Slovenie, SIGMA, 7 Avril 2020, p 7.

12 ـ تنص المادة 269 من النظام الداخلي لمجلس النواب على : يمكن للنواب أن يتقدموا بأسئلة شفهية آنية تتعلق بقضايا ظرفية طارئة تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، وتستلزم إلقاء الأضواء عليها باستعجال من قبل الحكومة عن طريق مجلس النواب.

ـ تنص المادة 294 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين على : يمكن لأعضاء المجلس أن يتقدموا بأسئلة آنية إلى أعضاء الحكومة تتعلق ظرفيا بقضايا طارئة تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني وتستلزم تقديم توضيحات مستعجلة بشأنها من قبل الحكومة.

13 ـ  دليل للمسار التشريعي بمجلس نواب الشعب التونسي وفقا للإجراءات الاستثنائية التي أقرتها الجلسة العامة بتاريخ 26 مارس 2020.

14 ـ ينص الفصل 85 من الدستور المغربي لسنة 2011 على : لا يمكن التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، وفق المسطرة المشار إليها في الفصل 84، وتتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطقلة للأعضاء الحاضرين من المجلس المذكور؛ غير أنه إذا تعلق الأمر بمشروع فانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية، فإن التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب.

15 – L administration publique face au COVID-19, cartographie des réponses des Etats membres de l UE( a destination des pays de l élargissement et de voisinage européen), Ex Irlandie, 1 Avril 2020. SIGMA, p 7.

16 – L administration publique face au COVID-19, cartographie des réponses des Etats membres de l UE( a destination des pays de l élargissement et de voisinage européen), Espagne, 3 Avril 2020. SIGMA, p 7.

18 ـ تضمن القانون التنظيمي المتعلق بحالة الطوارئ مادة فريدة تتعلق بتوقيف آجال بت محكمة النقض ومجلس الدولة في القضايا المتعلقة بالدفوع الدستورية (questions prioritaires de constitutionalité)، إلى غاية 30 يونيو 2020.

18 – décision n 2020-799 DC, du 22 Mars 2020, JORF n 0078, 31 Mars 2020, texte n 5.

*باحث في القانون العام، كلية الحقوق، وجدة   

Share
  • Link copied
المقال التالي