Share
  • Link copied

رقمنة الفلاحة في المغرب: بين ثورة الذكاء الاصطناعي وتحديات الواقع (ملف خاص)

في عصرٍ يتسارع فيه إيقاع الابتكار، لم يعد التحول الرقمي خيارًا ترفيهيًا، بل أصبح ضرورة حتمية، خاصة في القطاعات الحيوية التي تشكّل عصب الاقتصاد والأمن الغذائي. وفي المغرب، حيث يضطلع القطاع الفلاحي بدور محوري، يبرز إدماج التكنولوجيا الحديثة كرهان استراتيجي يحمل وعودًا كبيرة بتحقيق نقلة نوعية، لكنه في الوقت ذاته يصطدم بتحديات تعيق انتشاره على نطاق واسع.

ومن الذكاء الاصطناعي القادر على تحليل التربة والتنبؤ بالتغيرات المناخية، إلى الطائرات المسيرة التي تراقب المحاصيل بدقة متناهية، تسهم الرقمنة في تحسين الإنتاجية وترشيد استهلاك الموارد المائية والطبيعية. لكن السؤال الجوهري يظل مطروحًا: هل الفلاح المغربي مستعد لمواكبة هذه الثورة الرقمية؟ وما هي العقبات التي تعترض رقمنة الفلاحة في المغرب؟

بين الآمال المعقودة على التكنولوجيا والواقع المليء بالتحديات، يستعرض هذا التقرير، الذي أعدّه فريق جريدة “بناصا”، ملامح التحول الرقمي في الفلاحة المغربية، مبرزًا الفرص الواعدة التي يتيحها، والعقبات التي لا تزال تحول دون تحقيقه، إلى جانب الحلول الممكنة لجعل الزراعة أكثر ذكاءً واستدامة، في أفق مستقبل فلاحي أكثر كفاءة وإنتاجية.

الفرص التي توفرها الرقمنة في الفلاحة

ويؤكد الخبير وأستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني، محمد سعيد قروق، في حديث مع جريدة “بناصا”، أن “التحول الرقمي في الفلاحة يمكن أن يشكل أداة دبلوماسية حقيقية إذا تمكن المغرب من توظيفه بطريقة ذكية، سواء على المستوى السياسي أو القاري”.

استخدام بيانات الأقمار الصناعية لتوصيف عمليات سطح الأرض في المغرب

وأوضح، أنه و”مع التطور السريع للتكنولوجيا، أصبح من الممكن تحسين الإنتاج الزراعي وتقليل الخسائر بفضل التقنيات الحديثة التي توفر للمزارعين أدوات تحليل متطورة للتربة، والتنبؤ بالطقس، وإدارة الموارد بشكل أكثر كفاءة”.

1. الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات

وأضاف أستاذ علم المناخ، أن الذكاء الاصطناعي يتيح للمزارعين استخدام البيانات الضخمة لتحليل خصوبة التربة، والتنبؤ بالتغيرات المناخية، وتحسين عمليات الري، مما يؤدي إلى تقليل الهدر وزيادة المحصول. بالإضافة إلى ذلك، تساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأمراض النباتية مبكرًا، مما يقلل من الخسائر ويحسن الإنتاج.

2. الطائرات المسيرة واستخدامها في الفلاحة

وتُستخدم الطائرات المسيرة (Drones) في مراقبة المحاصيل ورصد المؤشرات الحيوية للنباتات، مما يسمح للمزارعين باتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الري والتسميد.

كما يمكن استخدامها في رش المبيدات بدقة عالية، مما يقلل من التكاليف ويحمي البيئة من الاستخدام العشوائي للمواد الكيميائية.

وفي المغرب، بدأت بعض التعاونيات والمشاريع الزراعية الكبرى في تبني هذه التكنولوجيا لتجاوز تحديات ندرة المياه، حيث تساهم الطائرات المسيرة في تحسين إدارة الموارد المائية عبر تحديد المناطق التي تعاني من الجفاف أو تحتاج إلى كميات إضافية من المياه.

علاوة على ذلك، تلعب الطائرات المسيرة دورًا هامًا في تحسين كفاءة الزراعة في المناطق النائية، حيث تتيح للمزارعين مراقبة حقولهم الشاسعة دون الحاجة إلى التنقل المستمر، مما يوفر الوقت والجهد.

ويشير خالد زرهوني، المتخصص في الطائرات المسيرة الفلاحية، إلى أن هذه التقنية أصبحت تلعب دورًا محوريًا في تحسين الإنتاجية الزراعية بالمغرب. إذ تتيح الطائرات المسيرة مراقبة المحاصيل ورصد المؤشرات الحيوية للنباتات، مما يساعد الفلاحين في اتخاذ قرارات دقيقة بشأن الري والتسميد، فضلاً عن استخدامها في رش المبيدات بدقة عالية، وهو ما يسهم في خفض التكاليف والحد من التأثير البيئي السلبي للمبيدات الكيميائية.

وأضاف المتحدث ذاته في تصريح لبناصا، أن أحد أهم مزايا الطائرات المسيرة هو سرعتها وكفاءتها، حيث يمكنها معالجة هكتار من الأراضي الزراعية في غضون عشر دقائق فقط، مما يسمح بتغطية مساحات شاسعة خلال وقت قياسي. كما أنها تتيح إمكانية معالجة الأراضي الوعرة والمناطق القريبة من الجبال، والتي يصعب الوصول إليها بالطرق التقليدية.

وعلى مستوى التكلفة، يؤكد زرهوني أن استخدام الطائرات المسيرة في الفلاحة يعد خيارًا اقتصاديًا، حيث لا تتجاوز تكلفة معالجة الهكتار الواحد 300 درهم، مما يجعله في متناول الفلاحين.

بالإضافة إلى ذلك، تساهم هذه التقنية في ترشيد استهلاك المياه، حيث يحتاج الهكتار الواحد باستخدام الطائرات المسيرة إلى 30 لترًا فقط من الماء مقارنةً مع الطن الكامل في الطرق التقليدية، ما يحقق اقتصادًا بحوالي 95٪ من الموارد المائية.

كما تتميز هذه الطائرات بكونها صديقة للبيئة، حيث تعمل على البطاريات الكهربائية بدلاً من الوقود، مما يقلل من الانبعاثات الكربونية ويعزز من استدامة القطاع الفلاحي.

علاوة على ذلك، تلعب الطائرات المسيرة دورًا هامًا في تحسين كفاءة الزراعة في المناطق النائية، حيث تتيح للمزارعين مراقبة حقولهم الشاسعة دون الحاجة إلى التنقل المستمر، مما يوفر الوقت والجهد.

وأشار المصدر ذاته، إلى أنه يمكن استخدامها في التلقيح الصناعي، خاصة في الحقول التي تعتمد على محاصيل حساسة تحتاج إلى دقة عالية في التلقيح، مثل بعض الأشجار المثمرة.

3. الزراعة الدقيقة والتقنيات الذكية

وتعتمد الزراعة الدقيقة على مستشعرات متطورة لجمع وتحليل البيانات المتعلقة بحالة التربة، ومستويات الرطوبة، وحاجة النباتات إلى العناصر الغذائية.

وهذه المستشعرات، المرتبطة بأنظمة تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، تساعد المزارعين على اتخاذ قرارات دقيقة فيما يتعلق بجدولة الري، وكميات الأسمدة المطلوبة، والتوقيت الأمثل للمكافحة البيولوجية أو الكيميائية للآفات.

إلى جانب ذلك، تسهم الطائرات المسيّرة (الدرونز) المزودة بكاميرات متعددة الطيف في مسح الحقول الزراعية، مما يمكن من الكشف المبكر عن الأمراض أو نقص العناصر الغذائية.كما تتيح أنظمة الري الذكي التحكم الآلي في توزيع المياه بناءً على بيانات حية، مما يقلل من هدر الموارد ويحسن الإنتاجية.

وبفضل هذه التقنيات، تحقق الزراعة الدقيقة فوائد كبيرة مثل زيادة المحاصيل، وخفض تكاليف الإنتاج، وتقليل التأثير البيئي من خلال الاستخدام الأمثل للموارد، مما يجعلها ركيزة أساسية في مستقبل الأمن الغذائي والاستدامة الزراعية.

التحديات التي تواجه التحول الرقمي في الفلاحة المغربية

1. تكلفة التكنولوجيا والبنية التحتية

وعلى الرغم من الإمكانات الواعدة التي يحملها التحول الرقمي للقطاع الفلاحي، إلا أن كلفته الباهظة لا تزال تشكل عقبة رئيسية، خاصة بالنسبة لصغار الفلاحين.

وفي هذا السياق، استشارت جريدة “بناصا” الإلكترونية الخبير في التخطيط الاستراتيجي وقيادة التغيير، أمين سامي، لتسليط الضوء على هذه الإشكالية.

مخطط بياني يُقارن العوامل التي تُعيق التحوّل الرقمي في الزراعة المغربية. مستويات التأثير مُقاسة بمقياس من 1 إلى 10، ويُمكنكم ملاحظة أن التكلفة تُشكّل العائق الأكبر، يليها التدريب والبنية التحتية.

ويؤكد سامي أن “الارتفاع الكبير في أسعار التقنيات الحديثة، مثل أنظمة الري الذكي، الطائرات المسيّرة، والحساسات المتصلة بالإنترنت، يمثل تحديًا جوهريًا أمام الفلاحين الصغار، إذ لا تزال تكلفتها تفوق بكثير إمكانياتهم الاستثمارية”.

كما يشير إلى أن تكاليف الاتصال بالإنترنت في المناطق القروية تظل مرتفعة مقارنة بمداخيل الفلاحين، ما يفاقم من صعوبة تبني الحلول الرقمية ويحدّ من انتشارها في الأوساط الفلاحية الصغرى.

2. ضعف التكوين والمعرفة التقنية

ويعد ضعف التكوين والمعرفة التقنية من أبرز العقبات التي تواجه التحول الرقمي في الفلاحة المغربية، حيث يحول دون استفادة الفلاحين الكاملة من التقنيات الحديثة ويحد من قدرتهم على تحسين الإنتاجية. فمع التقدم التكنولوجي المتسارع، أصبحت مهارات استخدام الأدوات الرقمية ضرورية لضمان استدامة الفلاحة وتعزيز تنافسية القطاع.

وفي هذا الإطار، يشير أمين سامي، الخبير في التخطيط الاستراتيجي وقيادة التغيير، إلى أن “النقص في التكوين والمهارات الرقمية يبقي الفلاحين الصغار معتمدين على الطرق التقليدية في الزراعة، نظرًا لافتقارهم إلى التدريب الكافي لاستخدام التطبيقات الذكية، خصوصًا تلك القائمة على الذكاء الاصطناعي وتقنيات الزراعة الدقيقة، ما يؤدي إلى تعميق الفجوة بين صغار الفلاحين وكبار المنتجين”.

لذلك، يشكل توفير برامج تدريبية متخصصة ركيزة أساسية لتعزيز القدرات الرقمية للفلاحين وتمكينهم من الاستفادة الفعالة من التحول الرقمي، من خلال تنظيم ورش عمل وتكوينات ميدانية تعتمد على أحدث الأساليب التكنولوجية، مع التركيز على التطبيقات التي تساعد في تحسين الإنتاج، وتقليل الهدر، والتكيف مع التغيرات المناخية، مما يضمن اندماجًا سلسًا للفلاحين الصغار في الثورة الرقمية الفلاحية.

3. التحديات اللوجستية والاتصال بالإنترنت

أما على مستوى التحديات المرتبطة بضعف البنية التحتية الرقمية، تفتقر العديد من المناطق الفلاحية إلى شبكات الإنترنت عالية السرعة أو تعاني من ضعف التغطية، مما يجعل تطبيقات الزراعة الذكية أقل فاعلية.

إضافة إلى ذلك، لا تتوفر مراكز بيانات زراعية محلية قادرة على دعم الفلاحين بمعلومات دقيقة في الوقت الفعلي، وهو ما يشكل عائقًا أمام اتخاذ قرارات زراعية مبنية على البيانات.

وفي هذا السياق، يؤكد أمين سامي أن “ضعف البنية التحتية الرقمية في العالم القروي يؤدي إلى محدودية وصول الفلاحين الصغار إلى المعلومات الزراعية الحديثة، مما يجعلهم أقل قدرة على الاستفادة من الأدوات الرقمية، سواء في تحسين الإنتاج أو في مواجهة التغيرات المناخية”.

كما أن انعدام الربط الفعال بشبكات الإنترنت يحرمهم من الاستفادة من تطبيقات الأسواق الإلكترونية التي قد تساعدهم في تسويق منتجاتهم بشكل أكثر كفاءة وتقليل الاعتماد على الوسطاء.

وجهات نظر متباينة حول الزراعة العصرية في المغرب: بين تحديات الواقع وآفاق التطوير

وفي المغرب، تلعب الفلاحة دورًا أساسيًا في الاقتصاد الوطني، إذ تشكل مصدر رزق لملايين المواطنين وتسهم في تحقيق الأمن الغذائي.

ومع تطور التقنيات الزراعية الحديثة، برزت تحولات جوهرية في أساليب الإنتاج، ما أدى إلى تباين وجهات النظر بين المزارعين التقليديين وأولئك الذين تبنّوا أساليب أكثر عصرية.

وجهة نظر فلاح تقليدي من جرسيف: بين التحفظ والتحدي

يقول عبد الحميد اغنينو، فلاح في منطقة تافراطة بإقليم جرسيف بالجهة الشرقية، إن اعتماد الزراعة العصرية قد يكون مفيدًا، لكنه يرى في المقابل أن العديد من الفلاحين الصغار لا يملكون الإمكانيات المادية الكافية للاستثمار في هذه التقنيات. ويوضح:

“نحن نعتمد على الأساليب التقليدية في الزراعة، مثل اعتماد الدورة الزراعية والري بالتنقيط أو السقي بالتقطير، علاوة على الزراعة بتقنية النانو، لكن ارتفاع تكاليف المعدات الحديثة مثل السقي بالطائرات المسيرة أو رش المبيدات يجعل من الصعب علينا مجاراة التحولات الجديدة. نحتاج إلى دعم مالي وتكوين مستمر حتى نتمكن من الاستفادة من هذه التقنيات دون أن نخسر مصدر رزقنا“.

وجهة نظر حسن العلوي، خبير زراعي: ضرورة التكيف مع التغيرات المناخية

“بدأتُ باستخدام الطائرات المسيرة لرش المبيدات، والنتائج كانت مذهلة! استهلاك المبيدات انخفض بنسبة 30%، كما أن المحصول زاد بجودة أفضل. المشكلة الوحيدة كانت تعلم كيفية تشغيل الطائرة وبرمجتها“.

وجهة نظر فاطمة البوهالي، صاحبة تعاونية فلاحية في سوس:

“اعتمدنا على تطبيقات الذكاء الاصطناعي لمراقبة الري والتربة. كانت تجربة رائعة، لكننا نحتاج إلى دعم حكومي لتوسيع هذا النوع من الحلول“.

وفي منطقة سوس، حيث يشكل الإنتاج الفلاحي وخاصة زراعة الحوامض والخضروات قطاعًا حيويًا، أدت تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى تحسين كفاءة استخدام المياه، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل ندرة الموارد المائية. إلا أن محدودية التمويل والمعرفة التقنية تبقى من التحديات التي تواجه المزارعين الصغار والتعاونيات.

وتعكس تجربة حسن التحول الذي تشهده الفلاحة المغربية نحو التقنيات الحديثة. فبدلًا من الطرق التقليدية لرش المبيدات، أصبحت الطائرات المسيّرة توفر توزيعًا أكثر دقة وكفاءة، مما يقلل من التكاليف ويحسن جودة المحصول، فضلًا عن الحد من التأثيرات البيئية السلبية للمبيدات.

ورغم الفوائد الكبيرة للزراعة الذكية، لا تزال هناك تحديات تحول دون تبنيها على نطاق واسع، مثل تكاليف المعدات والتدريب على استخدامها، فضلًا عن الحاجة إلى بنية تحتية رقمية قوية في المناطق القروية. ومع ذلك، فإن المبادرات الحكومية والمشاريع الخاصة تسعى إلى تعزيز التحول الرقمي في القطاع الفلاحي، من خلال دعم المزارعين وتوفير حلول مبتكرة تساعدهم على تحقيق إنتاج مستدام وفعّال.

وبفضل هذه التقنيات، تحقق الزراعة الدقيقة فوائد كبيرة مثل زيادة المحاصيل، وخفض تكاليف الإنتاج، وتقليل التأثير البيئي من خلال الاستخدام الأمثل للموارد، مما يجعلها ركيزة أساسية في مستقبل الأمن الغذائي والاستدامة الزراعية في المغرب.

الذكاء الاصطناعي: ثورة زراعية في الأفق

وفي ظل التحولات العميقة التي يشهدها القطاع الفلاحي، يرى الباحث أيوب الرضواني، المتخصص في السياسات العمومية والجغرافيا الاقتصادية، أن الرقمنة والمكننة لعبتا دورًا كبيرًا في تحسين الإنتاجية الزراعية عبر العقود الماضية، إلا أن الذكاء الاصطناعي يمثل اليوم ثورة حقيقية في هذا المجال.

ويعود ذلك إلى قدراته التوليدية، التي لا تقتصر على تنفيذ الأوامر فقط، بل تتعداها إلى تحليل وتركيب بيانات جديدة تتجاوز ما يمكن للبشر استنتاجه، مما يوفر حلولًا أكثر دقة وكفاءة للمزارعين.

ثلاثة محاور أساسية لدعم الفلاحة المغربية بالذكاء الاصطناعي

ويرى الرضواني، في حوار خص به جريدة “بناصا”، أن إدماج الذكاء الاصطناعي في الفلاحة المغربية يمكن أن يتمحور حول ثلاثة مستويات رئيسية، تتمثل في تعزيز الإنتاجية، وترشيد الموارد، ثم ضمان الاستدامة.

وبحسبه، يمكن الاعتماد على آلات ذاتية القيادة لتنفيذ مهام الزراعة، الغرس، الحصاد والتعليب، مما يزيد من الكفاءة ويقلل الأخطاء البشرية، ثم استخدام أنظمة مراقبة جودة المحاصيل القادرة على التنبؤ بالأمراض والآفات قبل حدوثها، ما يساهم في تقليل الفاقد وتحسين جودة الإنتاج.

وأضاف صاحب كتاب “المغرب اللذيذ”، أن يمكن تحليل بيانات التربة والمناخ لاختيار أنسب المحاصيل والأسمدة، وتحسين الإنتاج بناءً على الظروف البيئية المتغيرة.

ويخصوص ترشيد الموارد، يوضح الرضواني، أنه يمكن تحسين إدارة الموارد المائية من خلال أنظمة ري ذكية تقلل من استهلاك المياه دون التأثير على جودة المحاصيل، والاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، مما يساعد الفلاحين على اتخاذ قرارات استباقية.

وشدد، على أن الذكاء الاصطناعي سيمكن المغرب من تقليل الهدر في المدخلات الفلاحية مثل الأسمدة والمبيدات، من خلال استخدام الكميات المناسبة بدقة حسب الحاجة الفعلية للمحاصيل.

أما بالنسبة لضمان الاستدامة، فيجب مراقبة المحاصيل عبر تحاليل بيولوجية متقدمة تساعد على تقليل استخدام المواد الكيميائية والمبيدات، ودمج الذكاء الاصطناعي مع الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية والري بالتنقيط، مما يعزز الاستدامة البيئية للفلاحة، ثم تعزيز السيادة الغذائية عبر تطوير أنظمة إنتاج زراعي أكثر كفاءة، وأقل تأثرًا بالتغيرات المناخية

ومع ذلك، يشير الرضواني إلى وجود توجه واضح نحو دعم هذه التحولات، خاصة مع البرامج الحكومية مثل “الجيل الأخضر 2020-2030″، التي تهدف إلى رقمنة القطاع الفلاحي، ودعم المزارعين في تبني الحلول الذكية، وضمان استدامة الموارد الطبيعية.

نحو فلاحة رقمية ومستدامة

ويؤكد الرضواني أن تبنّي الذكاء الاصطناعي في الفلاحة المغربية لم يعد خيارًا، بل ضرورة لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية الراهنة. فمع التوجهات العالمية نحو الاستدامة والاقتصاد الأخضر، سيساهم التحول الرقمي في فتح آفاق جديدة لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز تنافسية القطاع الفلاحي على المستوى الدولي.

مخطط بياني شريطي مُركّب يُوضّح فوائد الرقمنة وتحدياتها

لكن يبقى السؤال الجوهري، بحسب الرضواني: كيف يمكن تعميم هذه التقنيات وضمان وصولها إلى جميع الفلاحين، وليس فقط للمزارع الكبرى؟ هنا يكمن التحدي الحقيقي لرقمنة الفلاحة المغربية، وهو ما يستدعي تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص، لتوفير الدعم المالي والتقني، وضمان اندماج الفلاحين الصغار في هذه الثورة الزراعية القادمة.

نحو فلاحة رقمية مستدامة: بين التحديات والآفاق الواعدة

وفي ظل التحولات البيئية والاقتصادية العميقة التي يشهدها القطاع الفلاحي المغربي، أضحى التحول الرقمي ركيزة أساسية لتحقيق الاستدامة وضمان الأمن الغذائي. ورغم الإكراهات المرتبطة بارتفاع كلفة التقنيات الحديثة وضعف البنية التحتية الرقمية، فإن الرهان اليوم معقود على تضافر جهود الفاعلين الحكوميين والخواص لجعل الرقمنة واقعًا ملموسًا في الحقول المغربية، لا سيما لفائدة الفلاحين الصغار.

وقد قطعت وزارة الفلاحة أشواطًا مهمة عبر إطلاق مبادرات طموحة مثل برنامج “الجيل الأخضر 2020-2030”، الذي يسعى إلى تحديث المنظومة الفلاحية وتعزيز مكانتها كمحرك أساسي للاقتصاد الوطني. غير أن بلوغ الأهداف المرجوة يظل رهينًا بتوسيع دائرة التكوين والتأهيل، وتوفير آليات تمويلية مبتكرة، إلى جانب تحسين البنية التحتية الرقمية، خاصة في المناطق القروية، حتى لا يبقى التحول الرقمي امتيازًا يقتصر على كبار المستثمرين.

وتتطلب هذه الدينامية تكثيف الجهود لتمكين الفلاحين من الاستفادة من التقنيات الحديثة عبر برامج تكوينية ميدانية تسهّل عليهم استيعاب الأدوات الرقمية، فضلاً عن تحفيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لاستقطاب استثمارات نوعية في الحلول الذكية، بما يضمن استدامة التحول الرقمي في القطاع الفلاحي.

إن رقمنة الفلاحة المغربية ليست مجرد خيار تكنولوجي، بل ضرورة استراتيجية تستوجب إرادة سياسية قوية والتزامًا مستدامًا بتحقيق عدالة رقمية تمكّن جميع الفاعلين في القطاع من الولوج إلى التكنولوجيا الحديثة. فالفلاحة الذكية لم تعد ترفًا، بل أصبحت رهانًا مصيريًا لمستقبل زراعي أكثر إنتاجية واستدامة.

Share
  • Link copied
المقال التالي