نفى الشيخ محمد التجكاني، إمام مسجد الخليل، ببلدية مولونبيك ببلجيكا، ورئيس رابطة الأئمة في البلد نفسه، جميع التهم التي وجهتها إليه عدد من وسائل الإعلام البلجيكية، والمتعلقة بمعاداة السامية، وتأييد الجهاد، والتي اعتمدت عليها السلطات من أجل إلغاء إقامته في الدولة الأوروبية، بعدما عاش فيه 40 سنة.
40 سنة دون أي مشكل قانوني
وقال التجكاني، في حوار خاص مع “بناصا”، بثّ مباشرة على صفحة الجريدة بمواقع التواصل الاجتماعي، إنه طوال 40 سنة من الاشتغال في بلجيكا، التي دخلها سنة 1982، لم يسبق، ولا مرة، أن استدعي إلى الأمن، أو صدر في حقه أي قرار يقضي بتوقيفه عن ممارسة الخطابة بالمساجد، منبهاً إلى أن هذه العقود التي قضاها مقيما في بلجيكا، تخللتها العديد من اللقاءات والخطب في عدة بلدان أوروبية.
وأضاف الإمام الذي سبق له أن مارس الخطابة في عدة مدن مغربية قبل استقرار في بلجيكا: “سبق لي أن عملت لقاءات، داخل بلجيكا مع مختلف المؤسسات رسمية وغير رسمية، يعني المجتمع المدني ومع السياسيين ومع بعض رجال الدولة، لأني لست مجهولأً أو أعمل في الخفاء، بل أعمل في العلن، وأترأس مؤسسة تمثل الأئمة الذين يحافظون على الأمن الروحي، لتنمية التكوين الإنساني، لأن الأمن الروحي مهم جدا، ولا يقل أهمية عن الأمن السياسي”.
وتابع التجكاني، أنه “ولا مرة دعيت أو طرح علي سؤال من جهة رسمية، لماذا قلت هذا، أو ماذا قلت، وأيضا، طوال هذه الفترة، لم يسبق أن صدر في حقي بيان، أو قرار لتوقيفي من الخطابة، أو لمحاسبتي على بعض الكلمات، إلى غاية الآن، حين بلغت من الكبر عتيا، وأناهز 70 سنة من عمري”.
تفاصيل الاتهامات.. وتبرئته من القضاء
وأوضح أن الاتهامات التي روجتها بعض وسائل الإعلام البلجيكية، وجهت سنة 2019، حين قرر التقدم لطلب الحصول على الجنسية، حينها وصلته رسالة من الجهة الأمنية، تقول إن طلبه مرفوض لمجموعة من التهم، وهي تلك التي روجها وزير الدولة لشؤون الإقامة والهجرة، سامي المهدي، متابعاً: “حينها أخذت هذه التهم، وذهبت للمحامي، والأخير سجل دعوى للرد عليها في المحكمة”.
بعدها في سنة 2021، يضيف التجكاني، “صدر حكم قضائي بمنحي وتمكيني من الجنسية، وهو ما يعني أن القضاء، بعد أن حضرت عدة جلسات، دحضت عني فيها تلك التهم وأجبت عنها كتابةً وشفهية أمام القضاء، أنصفني، وهذا هو المعروف عن العدالة البلجيكية التي بها قضاة يتمتعون بالنزاهة والعدالة، ويبنون أحكامهم على أدلة. أما أجبت عن التهم والقضاء حكم لصالحي”.
النيابة العامة تقرر الاستئناف.. وهذه المرة بذريعة اللغة
ولفت التجكاني الانتباه إلى أنه، بعد هذا الحكم، قررت النيابة العامة الاستئناف، وكان تبريرها هذه المرة، “أني لا أتقن لغة البلد، وهو استئناف للطعن في حكم القضاء، اعتمدت فيه على أني لا أتقن اللغة الفرنسية ولا الفلامانية، وهو ما يعني أن النيابة العامة نفسها، لم تعد متشبثة بتلك التهم، لتبقى الأمور محصورة في قضية اللغة”، مشيراً إلى أنه “لو قيل لي إنك لن تمنح الجنسية بسبب عدم إتقانك للغة لتقبلت الأمر”.
خلال الاستئناف، أردف التجكاني، أنه حضر أولى الجلسات قبل أن يقرّر السفر إلى المغرب، خلال شهر نوفمبر من سنة 2021، قبل أن يفاجأ بأنه لم يعد مسجلاً في البلدية التي يقيم فيها، متابعاً: “اعتقدت في البداية أن هناك خطأ ما، لأني أتمتع بكامل حقوقي، ولدي إقامة لـ 5 سنوات بشكل عادي، وأستفيد من الحقوق وأقوم بالواجبات، والسنة الماضية استفدت من التقاعد، فلما فوجئت بهذا الأمر، سألت المحامي”.
إلغاء الإقامة.. تصفية الحسابات والإسلاموفوبيا
واستطرد أن المحامي، وبعد الاطلاع على الأمر، أخبره أن “مكتب الأجانب ألغى إقامتي”، مضيفاً، بخصوص من يقول إنه طرد من بلجيكا: “هذا ليس صحيحا، لأني كنت متواجداً في المغرب، وحتى لو كنت في بلجيكا، كنت سأبقى هناك وأتقدم بالطعن”، مرجعاً أسباب ترويج هذه التهم مرة أخرى، مؤخرل، إلى اقتراب الانتخابات.
واعتبر التجكاني، أن تصفية الحسابات السياسية، واقتراب الانتخابات، جعلت البعض يستغلون الإسلاموفوبيا، والجو المكهرب، متابعاً: “يقولون إن خطابي متطرف، على الأقل كان عليهم أن يراسلوني، يجسلوا معي، يحاوروني، يحققوا معي، يحاكموني. إن كنت أشكل خطرا، كيف يمكن مثلا ألا يحاكموني؟ ولكن القضاء أنصفني”.
تهمة معاداة السامية.. وعلاقته بالطائفة اليهودية
وبخصوص الاتهامات التي وجهت إليه بشأن معاداة السامية، ودعوته لحرق الصهاينة، أوضح التجكاني، أن تفاصيلها تعود إلى سنة 2009، حين كانت هناك هجمة شرسة من الاحتلال الإسرائيلي على غزة، و”كانت كل الشعوب متعاطفة مع الفلسطينيين، داخل أوروبا وخارج أوروبا، وأنا كنت واحداً ممن يتعاطف مع قضية المظلومين”.
وأبرز أنه، خلال تلك الواقعة “كان هناك لقاء، ودعوت فيه الله على الصهاينة المعتدين، بهذه العبارة، وقلت هذه الدماء التي تسفك قد تتحول إلى نار تحرقهم، ولم أذكر اليهود”، مسترسلاً: “هذه القضية، التي أثيرت حتى في البرلمان البلجيكي، ووقعت حولها ضوضاء، وتواصلت معي الهيئة التنفيذية، فسرت لها ما قصدت، وأخبرتهم أنه حتى وإن كانت هناك طائفة فهمت منها إساءة، فأنا أعتذر منها”.
لا وجود لأي طائفة تقدمت بشكاية ضده
وكشف إمام مسجد الخليل، أنه “لم تكن هناك أي طافئة تقدمت بشكاية ضدي، بالعكس، الطائفة اليهودية، لديها مؤسسات كانت لدينا لقاءات دورية معهم، ومع المؤسسات المسيحية، ممثلي الرهبان، والكائس، والربيون ومسؤولو البيع اليهودية”، مبرزاً، أنه في أوروبا، إن أسأت لأي طائفة، وخصوصا اليهود، فسيرفعون ضدك دعوى قضائية، لكنهم فهموا أني لم أسئ إليهم، ولم أقصدهم”.
ونبه التجكاني إلى أن “ثقافتنا المغربية منتفحة، نحن في المغرب متعايشون مع اليهود، هناك حق الجوار، نحن تربينا على التعايش”، متابعاً: “لا يمكنني أن أكون ضد السامية، لأننا أبناء عمومة، واليهود ينتمون إلى سيدنا إسحاق، هو أخ سيدنا إسماعيل، وإسماعيل هو أبوز العرب، نحن ننتمي لنسب واحد، جدنا إبراهيم عليه السلام، هذه القضية غير مثبتة ولا أساس لها من الصحة”.
الجهاد.. والعمليات الإرهابية في أوروبا
وكذّب التجكاني التهم التي تقول إنه يقوم بالتحريض على الجهاد، ويؤيده، مؤكداً أنه ضد ما يروج له بعض الشباب، ممن ذهبوا إلى البؤر المشتعلة، وبدأوا في قتل الناس، وتفجيرهم، قائلاً: “نحن نتبرأ منهم، ولم يسبق لنا أن سلمنا بأن هذا جهاد”، معتبراً بأن المصطلح الأخير، جرى توظيفه بشكل سيء من قبل بعض المتشددين، واستعملوه لقتل الناس واستباحة أعراضهم وأموالهم.
لم يفوت التجكاني الفرصة للتذكير بمواقف رابطة الأئمة، بخصوص العمليات الإرهابية التي وقعت في بلجيكا وأوروبا، والبيانات التي صدرت وقتها، والوقفات الاحتجاجية والحملات التحسيسية التي شاركوا فيها، منبها إلى أن أغلب الشباب الذين قاموا بهذه العمليات الإرهابية، ولدوا ونشأوا في الوسط الأوروبي، في حين لم يسبق أن سجلت أي حالة إرهابية، لأشخاص ولدوا وكبروا في المغرب، ثم هاجروا لأوروبا.
الوزير سامي المهدي والاعتداء على اختصاصات القضاء
وحول احتمال وقوف دوافع طائفية وراء معاداة وزير الهجرة له، أوضح التجكاني، أن هذه المسألة غير مهمة، وهي شأن خاص بسامي المهدي، مردفاً: “أنا أتحدث عن حقوقي المدنية والحقوق القانونية الخاصة بي، وهي التي لا يحكم فيها لا وزير ولا رجل أمن. رجل الأمن يمكنه تقديم تقاريره للأجهزة المسؤولة، ومن يمكنه أن يحكم في حقي، هو القضاء”.
ومضى الشيخ يقول، إن اعتداء الوزير على اختصاصات القضاء، وعدم احترامه لأجهزة الدولة، هو الخطر بعينه على أمن الدولة، مضيفاً: “أما أنا فأحترم الأجهزة وأحترم القضاء، وأحترم القانون”، منبهاً إلى ثقته في نزاهة القضاء البلجيكي، الذي سبق وقضى في ملفات أخرى مشابهة، بإنصاف المتضررين.
إهانة المرأة.. وتعدد الزوجات
وشدد التجكاني، أن القرار الصادر في حقه، “تعسفي جائر، وعلى الأقل وسائل الإعلام كان يمكنها أن تتواصل، أنا مقيم هناك، لدي أبنائي، ولدي أحفادي، ولدي جماعة وطلبة أدرسها هناك، كل هذا، لم يعيروه أي اهتمام”، مردفاً: “من جملة التهم التي يوجهونها لي أني أهين المرأة، من يهين المرأة؟ أنا الآن أنا زوجتي هناك مريضة، وتحتاج لعناية طبية، لأنها مريضة، وهي لديها الجنسية البلجيكية، هم لم يراعُ أي حقوق للمرأة”.
وبشأن إهانته للمرأة، عبر تعدد الزوجات، أشار التجكاني إلى أنه يحترم القانون الذي يمنع تعدّد الزوجات، ولديه زوجة واحدة في بلجيكا، في حين أن زوجته الثانية في المغرب، ولديها وثائقها وفقا للقانون المغربي، مشدداً على أنه سبق ودافع عن المرأة في مجموعة من الخطب، وأنه لا يهينها.
العلاقة مع الأجهزة الأمنية المغربية
وفي سياق الردّ على التهم التي وجهت إليه من قبل الأمن البلجيكي، والتي خرجت إلى العلن مؤخرا عبر وسائل إعلام لم تكلف نفسها عناء الاتصال به لمعرفة تعليقه، ومن ضمنها أن لديه علاقات مع الأجهزة الأمنية المغربية، حيث قال: “هناك مثل مغربي جميل، يقول إن كان المتحدث أحمقا، فيجب على المستمع أن يكون عاقلاً”.
متسائلاً: “أيعقل أن أكون متطرفا وأشكل خطراً، وفي نفس الوقت أتعامل مع الأجهزة الأمنية المغربية؟ ويمكن أن أحضر للدروس الحسنية بحضرة أمير المؤمنين، وأحضر في عيد العرش؟”، متابعاً: “علاقتي بالمغرب أني مغربي ومغربيتي لا أتنكر لها، أعطوني الجنسية أو لا فلا مشكلة لدي. في نفس الوقت حتى وإن أعطوني ألف جنسية، فإني لا يمكن أن أتنكر لوطني، ولثوابتي، التي تعلمتها من مشايخي”.
وأكد التجكاني، أن الأمن، يعتبر نعمة، “سواء داخل وطني الأصلي المغرب، وكذلك في الوطن الثاني بلجيكا، الذي أعتبره وطني، أنا في بلجيكا منذ 40 سنة، وأعتبر نفسي مواطنا بلجيكا، حتى ولو لم يمنحون الجنسية، لأني عشت فيها، وفيها أبنائي وأحفادي، فيها طلبتي، فيها ناس ربّوا على يدي، ودفنوا هناك لما ماتوا، هناك مغاربة شاركوا في الدفاع عن بلجيكا”.
علاقة التجكاني بفيليب مورو
وإلى ذلك، أشار التجكاني، إلى أنه، لو كان فيليب مورو، وهو عمدة مولومبيك السابق، حيا، لقال كلمته في الموضوع، معتبراً أنه كان من “عظماء رجالات بلجيكا، ومنظر الحزب الاشتراكي، وكان رجلاً عاقلاً، وكان أي شيء يقع في البلدية يتشاور معنا، ويزورنا في رمضان، ويفطر معنا، وسبق لي أن قدمته داخل المسجد، لإلقاء كلمة له، رغم أنه غير مسلم، وسمعت السبّ بسبب هذا الأمر”.
وأثنى التجكاني على مورو، الذي توفي مؤخرا بعد صراع مع مرض السرطان، بسبب مواقفه، حيث كان “يسد الطرقات من عدة جهات في عيد الفطر، من أجل الاحتفال، من الصباح للزوال”، مسترسلاً: “الآن ابنته هي العمدة، ولكنها ضعيفة، لو كان حيا لقال كلمته، لأنه قوي، لأني تعاونت معه، كما سبق لي التعاون مع الوزارة الأولى لإصجار ميثاق التعايش، ووقعته باسم المسلمين”.
تعليقات الزوار ( 0 )