– من المؤكد أن العالم يعيش جائحة خطيرة تجتاح دولا متقدمة وتخلف وراءها مئات الضحايا، وقد اتخذت جل دول العالم خيار الحجر الصحي لكل تراب الدولة أو أجزاء منه، مستندة في ذلك إلى مرجعياتها القانونية التي تسعى إلى حماية الساكنة من هذه الجائحة الخطيرة، مع ضمان أن هذه “الوضعية الاستبدادية” الاستثنائية موضوعة تحت الرقابة من المؤسسات الدستورية، حتى لا تترسخ سلطوية تعتدي على الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين والمواطنات (حرية التنقل، والتجمهر، والسفر، والتجول…).
– وعندما نثير المسألة في المغرب، فإننا نعي ضرورة اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لحماية الصحة العامة، وحفظ سلامة المواطنين، ولكن الإجراءات التي تتخذ يجب أن تكون بقدر الحاجة إليها، وأن تصدر عن جهة ذات اختصاص، وإلا استغلت الظرفية لتتغول سلطة وزارة الداخلية وتترسخ السلطوية بأكثر مما هي عليه؛ رغم أن اللحظة لحظة إجماع وطني على ضرورة مواجهة هذه الجائحة بإجراءات استثنائية تسعف بنية صحية جد متهالكة للأسف.
ـ صادق مجلس الحكومة على مشروع مرسوم بقانون رقم 2.20.292، مؤكدا في بلاغه أن المشروع يشكل “السند القانوني للسلطات العمومية من أجل … الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية”، ومن الملاحظ أنه صدر بتاريخ 22 مارس 2020، ولن يتم اعتماده حتى يصدر في الجريدة الرسمية. إن ذلك ما يثير الاستغراب باعتبار أن بلاغ وزارة الداخلية المعلن عن “حالة الطوارئ الصحية” صدر يوم 20 مارس 2020 (وقبله البلاغ المشترك بين وزارة الداخلية ووزارة الصحة يوم 18 مارس الذي أعلن عن “العزلة الصحية” من خلال التقييد والحد من حرية التنقل للمواطنين والمواطنات) بدون مرجعية قانونية، وهو ما يجعل كل القرارات التي صدرت من قبل وزارة الداخلية والمتعلقة بتقييد حريات المواطنين في حالة الطوارئ الصحية المعلنة مخلة بمبدأ الشرعية، وغير ذات قيمة قانونا، لأنها صدرت من جهة ليس لها اختصاص إصدار مثل تلك القرارات.
ـ من المؤكد أن مدعاة بلاغ الحكومة، وسعيه إلى سن مشروع مرسوم بقانون كان بسبب غياب السند الدستوري والقانوني الذي يخول لوزارة الداخلية اختصاص الإعلان عن “حالة الطوارئ الصحية” في مجموع التراب الوطني، وقد اجتهد البعض في إيجاد مخرج لهذه الوضعية اعتمادا على:
1ـ (الفصل 21) من الدستور، الذي نص على أنه: ” تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”، لكنه مخرج لا يستقيم لاعتبارين على الأقل:
ـ أن الفصل يتحدث على ضرورة احترام الحريات والحقوق الأساسية، ولكن كثيرا من الحريات الأساسية تصبح مقيدة أو ملغاة في كامل التراب الوطني بمجرد بلاغ صادر عن وزير الداخلية.
ـ أن ضمان سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني من اختصاص الملك في الأحوال الاستثنائية (الفصل 59)، أما إذا اعتبرت الأحوال عادية، فإن من له اختصاص إصدار المقررات التنظيمية فهو رئيس الحكومة حصرا، ويمكنه أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء، شريطة أن تصدر عن رئيس الحكومة وتوقع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها (الفصل 90)، ولذلك كان يفترض إصدار قرار تنظيمي من رئيس الحكومة موقع بالعطف من وزير الداخلية، مع الإحالة على السند القانوني له، وهو ما لا نجده في الحالة التي نحن بصدد الحديث عنها.
2ـ الاستناد على مرسوم ملكي رقم 554.65 (الجريدة الرسمية عدد 2853، 5 يوليوز 1967)، الذي تحدث عن حالات الحجر الصحي، ولكن قراءة المرسوم تثبت أنه حصر تطبيقه على حالات كل شخص مصاب بأحد الأمراض المعدية الوبائية، أو كل شخص قابل لنشر هذا المرض. ولم يرد في حسبانه البتة الحديث عن حجر صحي لكل المواطنين والمواطنات على مجموع تراب المملكة.
ـ أمام ضعف المرجعية الدستورية والقانونية للبلاغ الصادر عن وزارة الداخلية بالإعلان عن “حالة الطوارئ الصحية”، تم تدارك الموقف من خلال مشروع مرسوم قانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجرءات الإعلان عنها، والذي صدر من خلال سبعة أبواب. فماذا نعني بمرسوم قانون؟ وما مدى شرعية مشروع مرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية؟
ـ بالنسبة لمرسوم القانون فيتم اللجوء إليه خلال الفترة الفاصلة بين الدورة الخريفية والربيعة لانعقاد البرلمان، وهي فترة عطلة للبرلمان، حينها يمكن للحكومة أن تصدر، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين يوم الاثنين، مرسوم قانون، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية (الفصل 81). فما مدى دستورية مشروع مرسوم القانون؟ وهل حقيقة ملأ فراغا دستوريا؟ وما طبيعة المضامين التي حملها؟
ـ وأما ما يتعلق بما جاء في بلاغ الحكومة ليومه الأحد 22 مارس 2020 من تبنيها لمشروع مرسوم رقم 2.20.293 الذي يتم الإعلان فيه عن حالة الطوارئ الصحية بسائر التراب الوطني طيلة شهر ابتداء من 20 مارس 2020 إلى 20 أبريل 2020، وهو ينص على الإجراءات التي تحد من حريات أساسية للمواطنين والمواطنات (حرية التنقل، حرية التجمع، حرية ممارسة النشط الجمعوي وغيره، الحق في ممارسة النشاط التجاري)، بغاية محاصرة تنقل الفيروس، لكن ما تنبغي الإشارة إليه أنه:
ـإذا سلمنا بلا قانونية الإجراءت التي صدرت عن وزارة الداخلية لممارستها سلطات تتجاوز اختصاصاتها من خلال الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية عبر بلاغ صادر عنها.
ـوإذا افترضنا قانونية المسار الذي تداركته الحكومة من خلال السعي إلى إصدار مرسوم قانون ينسخ بلاغ وزارة الداخلية/
ـ فإن من أولى مبادئ القانون عدم رجعيته، بمعنى أن القانون تسري أحكامه من يوم نفاذه، والمعضلة هنا أن المرسوم الذي يعلن عن حالة الطوارئ الصحية سيجد سنده القانوني في المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الذي لن يصدر في الجريدة الرسمية غالبا إلا يوم الأربعاء 24 مارس 2020، رغم أنه يعلن عن دخوله حيز النفاذ بأثر رجعي يوم 20 مارس 2020، وهو ما يبرز الارتباك الكبير غير المبرر في تدبير المسار القانوني للإعلان عن حالة الطوارئ الصحية.
تعليقات الزوار ( 0 )