بتاريخ 11 أكتوبر 2021، قدم رئيس الحكومة، في جلسة عمومية، أمام مجلسي البرلمان، البرنامج الحكومي الذي يعتزم تطبيقه. وقد اتخذ النموذج التنموي الجديد، والخطاب الملكي الأخير ، حيزا مهما في أهم التوجهات التي تضمنها البرنامج الحكومي، الذي يعطي أولوية لتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية. وتعد الحكومة بتأهيل القطاع الصحي الوطني، وإصلاح التعليم، وتنفيذ سياسة التحول الاقتصادي. ويشكل النموذج التنموي الجديد وثيقة موجهة لعملها، بعد استكمال تنصيبها، والتي تعد بتطبيقه وإنجاحه في إطار المسؤولية الجماعية.
أولا: في المرجعيات
يشكل البرنامج الحكومي عرضا عاما للنيات، والمشاريع، والتدابير المتخذة من طرف مجموعة سياسية لتنفيذ ذلك. وطبقا للدستور المغربي، يجب أن يتضمن البرنامج الحكومي، الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية(الفصل 88 من الدستور، الفقرة الأولى). ويشكل، إحدى مراحل التنصيب الحكومي، إذ يكون موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب(الفصل 88 من الدستور، الفقرة الثانية)، وتعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي(الفصل 88 من الدستور، الفقرة الثالثة). وتعمل الحكومة على تنفيذ هذا البرنامج (الفصل 89 من الدستور، الفقرة الثانية).
يجد البرنامج الحكومي الجديد، كما قدمه رئيس الحكومة، مرجعيته، في الخطاب الملكي، وينهل، كما صرح، من الفصل 88 من الدستور. وهو مشروع نابع من ثوابت المملكة، وقد تم وضعه وفق مقاربة تشاركية للجواب على الانتظارات الاجتماعية الملحة. ويشكل، بحسب رئيس الحكومة، مشروعا موحدا للتحول الاقتصادي والاجتماعي انطلاقا من الثوابت، كما يقدم أجوبة واقعية للخروج من الأزمة، وهو مجموعة من الإجراءات تبتغي إخراج النموذج التنموي الجديد.
ثانيا: المسؤولية الجماعية
للقيام بتطبيق البرنامج الحكومي الذي يتضمن تنفيذ النموذج التنموي الجديد، قدم رئيس الحكومة تصورا لمسؤولية تطبيقه التي تقع من جهة، على عاتق الحكومة، ومن جهة أخرى على المسؤولية الجماعية، مصرحا أنه تقع على مسؤولية الحكومة النجاح فيه، ومعتبرا أنه يقدم البديل الذي يتوق له المواطنون، وقد ربط نجاح الحكومة بنجاح البرلمانيين في مهامهم التشريعية. مصرحا بأنه سيتم العمل وفق مقاربة تشاركية بناءة لإحداث التغيير، معتبرا أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع(أي الحكومة والبرلمان). وقد اعتبر رئيس الحكومة البرنامج الحكومي “برنامج الأمل للخروج من الأزمة بنجاح، وميثاق شرف مع المواطنين”، تلتزم الحكومة من خلاله بتعبئة الفاعلين الاجتماعيين في البلاد لإنجاح ما تعد الحكومة بتحقيقه.
كما صرح رئيس الحكومة، أنها ستولي الأهمية اللازمة للميثاق الوطني الذي يؤطر خطة بناء النموذج التنموي، حتى يكون هذا الميثاق وثيقة موجهة لعمل الحكومة. وصرح بأجرأة النموذج بكفاءة عالية، وبإجراء آلية للتقييم، والتتبع الدقيق، كما نص على ذلك التقرير العام للنموذج التنموي.
ثالثا: تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية
استهل رئيس الحكومة البرنامج الحكومي من اعتباره أن الظرفية تقتضي تخليق الحياة العامة وتحصين المكتسبات، متطرقا في هذا السياق، لدستور 2011، والإرادة الحقوقية لملك البلاد، والمفهوم الجديد للسلطة، وجرأة التغييرات الجوهرية لمدونة الأسرة، والجهوية، وإصلاح ورش العدالة، والنموذج التنموي الجديد. واعتبر أن الديمقراطية وسيادة القانون والحقوق والحريات، هي قضايا أفقية ورئيسية يحتاج فيها العمل إلى التقائية ناجعة. تطرق بعد ذلك، إلى التراكمات الدبلوماسية التي حققتها بلادنا تحت الرعاية السامية لملك البلاد، والاعتراف الأمريكي لسيادة المغرب على ترابه، وتعزيز موقعه في القارة الإفريقية، حيث ستعمل الحكومة على الحل السياسي الذي أقره المغرب. حيث الحكومة جاهدة على تنفيذ تعليمات الإرادة الملكية في ما يخص وحدة الوطن، إذ ستعمل على الاستثمار الأفضل من أجل الوحدة الترابية، وتلتزم تحت الرعاية السامية، بالتصدي للتحديات الخارجية، والدفاع عن المصالح العليا للوطن، ودعم الدبلوماسية البرلمانية، والدبلوماسية الموازية، والاقتصادية، والثقافية. وفيما يخص ورش الجهوية، ذكر رئيس الحكومة، أن الحكومة ستعمل على دعم مسار التنمية في الأقاليم الجنوبية، وتنفيذ البرامج التنموية، والقضاء على التفاوتات المجالية، ونقل الاختصاصات من الدولة إلى الجهة، وبالسير على سياسة الانفتاح الاقتصادي، ودعم السياسة الخارجية في إطار التعاون جنوب- جنوب، وهو مرتكز ستعمل الحكومة على ترسيخه.
أكد البرنامج الحكومي أيضا، أن الحكومة ستعمل على العناية بمغاربة العالم، باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من المجتمع المغربي، ويساهمون في التنمية، إذ ستنهض الحكومة بأوضاعهم، وستعمل على المواكبة القانونية لتبسيط المساطر.
قدم البرنامج الحكومي خمسة مبادئ توجيهية للخروج من الأزمة الحالية، تتضمن الاختيار الديمقراطي، ومأسسة العدالة الاجتماعية، والرأسمال البشري، إلى جانب استحضار كرامة المواطن في السياسات، ثم دعم الطبقة الوسطى. كما قدم البرنامج ثلاثة محاور استراتيجية تشمل تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، وتحفيز الاقتصاد لأجل الشغل، ثم تكريس الحكامة الجيدة في التدبير العمومي. وقد حددت الحكومة عشرة التزامات كبرى تفعيلا لربط المسؤولية بالمحاسبة، أبرزها، إحداث مليون منصب شغل صاف خلال خمس سنوات، وتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة، وحماية الطبقة الوسطى، وتعبئة المنظومة التربوية لتحسين تصنيف المغرب، وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية عبر إحداث صندوق للميزانية، والتحسين التدريجي للتوازنات الماكرو-اقتصادية للمملكة.
اعتبر رئيس الحكومة أن “الحكومة تعي جيدا أن أولوياتها هي تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، وكرامة المواطن، وتوفير رفاهيته”، والأوراش التي ستعمل الحكومة عليها في هذا الإطار هو ورش تعميم الحماية تفعيلا للخطاب الملكي الأخير . وتقوم السياسة الاجتماعية للحكومة على أربعة ركائز لتدعيم الدولة الاجتماعية، تتضمن، الحد من التفاوتات الاجتماعية، ودخل قار لحفظ كرامة كبار السن، وسن سياسة لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، ثم توسيع برامج المساعدة الاجتماعية، إذ ستعمل الحكومة على استخراج السجل الاجتماعي من أجل تيسير التعرف على المحتاجين إليها، ويتطلب القيام بالحماية الاجتماعية تأهيلا حقيقا للنظام الصحي الوطني.
تعد الحكومة بتأهيل القطاع الصحي الوطني، وإصلاح التعليم، ثم تنفيذ سياسة للتحول الاقتصادي.
1- تأهيل القطاع الصحي الوطني
صرح رئيس الحكومة، أن الحكومة تولي أهمية خاصة للقطاع الصحي(للصحة العمومية). كما تطرق لتمويل إصلاح قطاع الصحة، وتعزيز ميزانيته ، ورفع عدد العاملين فيه، إلى جانب تلبية حاجيات المرضى، وتعميم طب الأسرة، و إحداث شبكات مستشفيات جهوية، ثم مراجعة السياسة الدوائية، و إحداث بطاقة صحية، والتوزيع المجالي لمهنيي الصحة، وهي كلها إجراءات، كما صرح رئيس الحكومة، ستعيد الثقة للقطاع الصحي الوطني.
2- إصلاح التعليم
تطرق البرنامج الحكومي إلى إصلاح المدرسة العمومية لتكون ذات جاذبية ومشتلا لكفاءات المستقبل، معتبرا أن التقدم نحو تكافؤ الفرص يتطلب دعم سياسة لتمكين الطفولة من المعارف والقيم. لهذه الغاية تعد الحكومة برد الاعتبار لمهنة التدريس من خلال كفاءة الأساتذة، والرفع من قدراتهم التكوينية، عبر كلية التربية لتكوين الأساتذة، وسيتم الولوج إلى الكلية بشكل انتقائي. إضافة إلى تحسين دخل الأستاذ في بداية المسار. وعلى مستوى الحوار الاجتماعي، تلتزم الحكومة الجديدة، بفتحه مع مركزيات نقابات التعليم الأكثر تمثيلية، للرفع من الحد الأدنى للأجور لحاملي شهادات التأهيل التربوية، وجعل الرأسمال البشري كأولوية قادرة ومؤهلة. وفيما يتعلق بالتعليم العالي، تعد الحكومة بانفتاح أكبر للجامعة على محيطها، وبخلق ثقافة مركبات جامعية حقيقية، وتوجيه البحث العلمي نحو حاجيات الاقتصاد الوطني.
في المجال الثقافي، صرح رئيس الحكومة، بالعمل على أولوية لإدماج التراث الثقافي في الاقتصاد، والعناية بالشباب في إطار برنامج شمولي متكامل من خلال جواز الشباب من أجل التنقل والتمكين الثقافي. وعلى مستوى الرياضة، تعد الحكومة بالنهوض بالرياضة المدرسية والجامعية، وتحفيز الجامعات الرياضية، وتقوية حظوظ المغرب في الساحة الرياضية.
3- تنفيذ سياسة التحول الاقتصادي
اعتبر البرنامج الحكومي أن الجائحة شكلت صدمة للاقتصاد الوطني، وانهارت العديد من المقاولات، وكان هناك دور للدولة عبر الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا، كان لها شأن في التخفيف من أثر الجائحة على الأسر، وإن كان ذلك، فإن الضحايا الاقتصاديين كثيرون خاصة في الشباب والنساء الذين يعانون أصلا إقصاءا من الاقتصاد غير المهيكل، وبشكل عام يظل التشغيل من القضايا الكبرى التي تشغل بال المغاربة. في هذا السياق، تعد الحكومة الجديدة باعتماد سياسة للتحول الهيكلي للاقتصاد، عبر جعل التشغيل المحور الأساسي لكل السياسات، والتركيز على المنتوجات الوطنية. وتتمثل إجراءات التحول في سن سياسة للمقصيين من سوق الشغل، وتحفيز المبادرة الخاصة، وتحفيز المقاولات المتضررة، وخلق رجة تنافسية والدفاع عن علامة صنع المغرب، إضافة إلى الإصلاح الضريبي للمقاولات بميثاق جديد ومحفز للاستثمار. وبالنسبة لمن عانوا من الأزمة، وهم بدون مؤهلات، تعد الحكومة، ابتداءا من سنة 2022، القيام بعقود دون اشتراط مؤهلات، حيث سيتم خلق 250 ألف شغل في غضون سنتين. كما تعد الحكومة الجديدة أيضا، في نفس السنة، ببرنامج لدعم المبادرات الفردية، وإعطاء نفس جديد لبرنامج انطلاقة ودعم استمراريته.
أيضا، تعد الحكومة الجديدة بالعمل على مواصلة تفعيل استراتيجية الجيل الأخضر من أجل إنشاء طبقة وسطى فلاحية. و خلق فرص الشغل والتنافسية العالمية. إلى جانب خطة إنعاش الصناعة التقليدية، وتحفيز قطاع السكن عبر توفير السكن اللائق، قصد إنعاش الاقتصاد الوطني. إلى جانب تقوية التجارة الخارجية، وجعل الاقتصاد الوطني والمقاولات الوطنية تنافسية في هذا المجال.
وفيما يخص الاستثمار الوطني، يشكل الاستثمار في الصحة والتعليم، بحسب البرنامج الحكومي، خيارا استراتيجيا لتثمين الرأسمال البشري لخلق فرص الشغل. كما تعد الحكومة الجديدة بوضع قواعد واضحة تضمن تكافؤ الفرص أمام الفاعلين الاقتصاديين، وتلتزم بدعم النشاط الاقتصادي للنساء.
في ختام عرضه، شيد رئيس الحكومة بالمنظومة الإدارية للتصدي للجائحة، مشيرا إلى أن الحكومة الجديدة ستعمل على ترسيخ الحكامة والشفافية داخل الإدارة، إلى جانب المساواة في الولوج للخدمات العمومية والرفع من الرقابة في الصحة والتعليم. وبحسب البرنامج الحكومي، يرتكز بناء أواصر الثقة بين الإدارة والمواطنين على أربعة عناصر، تشمل تفعيل الجهوية واللاتمركز، وتقريب الجهاز الإداري، وتقليص الفوارق المجالية بين المجال الحضري والمناطق الجبلية، وهو ورش ذو أهمية بالغة، ثم تسريع وتيرة الانتقال الرقمي. وفيما يخص إصلاح القطاع العام، تعد الحكومة بتضامن وتناسق وتكامل السياسات العمومية وتتبعها. وسيتم في هذا الإطار إطلاق ورش إصلاح المندوبية السامية للتخطيط لمواكبة تنفيذ النموذج التنموي. كما قدم البرنامج الحكومي تصورا للعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، عبر إقرار علاقة بينهما في احترام تام لمبدأ فصل السلط، لتجاوز مختلف العقبات والصعوبات، مع الحرص الدائم على إعلاء مصالح الوطن والمواطنين، والانفتاح على النقد البناء والرأي المخالف والأخذ بالنقد البناء للمعارضة وتيسير ولوجها للمعطيات، مصرحا بإيمان الحكومة بأن الممارسة الديمقراطية تتضمن الأغلبية والمعارضة. وأن سبيل النجاح هو المقاربة التشاركية والجرأة وإنكار الذات.
باحثة في العلوم السياسية بوحدة السوسيولوجيا السياسية جامعة محمد الخامس- أكدال.
تعليقات الزوار ( 0 )