شارك المقال
  • تم النسخ

الباحث السوسيولوجي نورالدين لشكر يحلل دراسات الخبرة وطبيعة التدخلات التنموية التي تنجزها المؤسسات الدولية بالمغرب

فمنذ سنة 2014 كان لصاحب كتاب البنك الدولي: التنمية بين الخبرة والسيادة، أول احتكاك مباشر بالدراسات الميدانية التي تجريها مؤسسة البنك الدولي بالمغرب.. ومنذ تلك اللحظة توالت بالنسبة للباحث المشاركة في الدراسات وتوالى الاهتمام بهذه المؤسسة وبدراسات الخبرة بشكل عام، وبقدر ما انطلقت عملية تجميع الوثائق حول هذه المؤسسة بقدر ما كان يسجل شبه فراغ في المكتبات العربية التي تهتم بها وفق مقاربة سوسيولوجية، فالغالب على جل التحليلات هو الجانب الاقتصادي أو السياسي.

وخلال عشر سنوات ولايزال البحث مستمرا، وبعد أن كان موضوع البحث كرة ثلج صغيرة وفكرة ساذجة… أضحى اليوم في صورة لم تكن حاضرة في الذهن.. رغم أنها قد تكون حاضرة في ذهن عدد من المهتمين .. غير أن الجديد هو الابتعاد عن أحكام القيمة والحس، والانطلاق في بناء وتشكيل هذه الصورة وفق مقاربة تنتمي للعلوم الاجتماعية غير الاقتصادية … مقاربة سوسيولوجية تحديدا وإن كانت منفتحة على حقول أخرى، اقتصادية، قانونية، سياسية.

يحاول عمل الدكتور نورالدين لشكر في هذا الكتاب أن يسلط الضوء على المشاريع التنموية للمؤسسات المالية العالمية بشكل عام، التي تبدو على أنها مجرد تدخلات تقنية، تترجم العلم إلى تطبيقات عملية. غير أن كتابه هذا يحاول إبراز خلفيات أخرى لهذه التدخلات، بعد أن سلط كتابه السابق الضوء على أبرز الإشكالات التي يثيرها مفهومي الخبرة والخبراء، بينما يثير هذا الكتاب القضايا التي تعود إلى مؤسسة كبرى، هي البنك الدولي، وعلى الأخص في علاقة تدخلاتها بالبلدان النامية والتي من ضمنها المغرب. وإذا كانت هناك وفرة في الدراسات المتعلقة بالتنمية عموما، وبالبرامج والخطط التي تنجزها هذه المؤسسة في مناطق إقليمية كبرى من العالم، أو في بلد بعينه، فإنه بالمقابل هناك شح في الدراسات التي تعنى بالخلفيات المعرفية الكاشفة عن الأرضية الصلبة التي تقوم عليها برامج تدخل هذه المؤسسة؛ ذلك أن أغلب هذه الدراسات ترى أن ما يغلب على تقاريرها هو المقاربة الاقتصادية، وهي قراءة ليست دقيقة؛ ذلك أن متفحص هذه التقارير، لابد وأن يلمس حضور العلوم الإنسانية والاجتماعية، وخاصة منها السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا، التي أضحت تستمد تلك التقارير منها قوتها، والتي هي بدورها تحتاج إلى قراءة طبيعة حضورها وتوظيفها.

من جهة أخرى، ما فتئ البنك الدولي يعبر عن كون المسائل السياسية تخرج عن نطاق اهتماماته، إلا أن عددا من الباحثين في العلوم السياسية والقانونية، يرصدون عمق التدخل السياسي والقانوني للبنك الدولي في سيادة الدول؛ هذا دون الحديث عن التدخلات الاقتصادية التي يصعب فصلها عن الجوانب السياسية في العلاقات الدولية. غير أن انطلاق الباحث نورالدين لشكر في تحليل تدخلات البنك الدولي من حقل علم الاجتماع، فرض عليه النظر إلى المسألة المثارة حاليا (التنمية والسيادة الوطنية)، وفق مقاربة تتيح رصد علاقتها بدراسات الخبرة وبرامج التدخل، كإجراءات وتوجهات تدفع إلى إعادة النظر في مفهوم السيادة؛ ذلك أن هذا المفهوم، ضمن هذا الكتاب لم يعد يحمل دلالة ترابية ضيقة أو سياسية وقانونية، بل صار يدمج السيادة المعرفية كأحد أركان السيادة الوطنية. فلا يمكن أن تصبح المؤسسات قاطرة للمجتمع نحو التنمية إلا بالسيادة على دراسات الخبرة وبرامج التدخل، وهي سيادة لا تنحصر في الجانب التنظيمي والإداري على مراكز الدراسات والمؤسسات الراعية لها، بل سيادة تمتد إلى صناعة المفاهيم والرؤى والتحليلات… وهو ما يدعونا إلى إنتاج خبرة مواطنة ومبدعة ومواكبة لمستجدات العلوم والتقنيات، وليست مقلدة فقط أو مستوردة للنماذج الجاهزة. فمن يبيع النموذج لن يربح من ورائه المال فقط، بل سيحقق من خلاله النفوذ والتسرب في مختلف السياسات والبرامج والتدخلات، بما في ذلك النفوذ داخل السيادة الوطنية.

*سوسيولوجي مغربي

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي