Share
  • Link copied

الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة في ميزان القانون الدولي

في خطوة تصعيدية أخرى ليست هي الأولى من نوعها، بل مجرد حلقة صغيرة في مسلسل الجرائم والانتهاكات الجسيمة والممنهجة التي يقوم بها الكيان الصهيوني منذ قيامه على الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل والمقدسات الإسلامية، تقوم قوات الاحتلال الصهيوني من جديد باقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك وترويع المصلين أثناء ممارستهم للشعائر الدينية، هذا علاوة على العمل الممنهج لكيان الاحتلال على التهجير القسري لسكان حي الشيخ جراح بالقدس الشريف، ما أدى إلى اشتباكات ومصادمات وصلت حصيلة الإصابات جرائها إلى أكثر من 300 مائة بحسب الهلال الأحمر الفلسطيني.

في هذا السياق تشكل هذه الأفعال المقيتة التي يقوم بها كيان الاحتلال الصهيوني، جرائم وانتهاكات جسيمة وفاضحة لاتفاقيات حقوق الإنسان وللقواعد التي يقوم عليها النظام الدولي الحالي.

فمن الناحية الحقوقية تؤكد المادة الثامنة عشر من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وهو من أهم معاهدات حقوق الإنسان الأساسية، على أنه لكل إنسان الحرية في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو وحده، هذا إضافة إلى مقتضيات كل من المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومقتضيات المادة الخامسة من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965.

وإضافة إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، أكدت مختلف المواثيق الإقليمية على ضرورة احترام حرية الممارسة الدينية، فنصت مثلا الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية لعام 1950 في المادة التاسعة، على أنه لكل شخص الحق في حرية إظهار الدين والمعتقد فرديا أو جماعيا، في العلن أو في السر، بالتعبد والتعليم والممارسات وإحياء الشعائر، كما نجد أن الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 وتحت عنوان حرية الضمير والدين قد نصت في المادة الثانية عشر على أنه لكل إنسان الحق في حرية الضمير والدين، وهذا الحق يشمل حرية المرء في المحافظة على دينه أو معتقداته أو تغييرهما، وكذلك حرية المرء في المجاهرة بدينه أو معتقداته ونشرهما سواء بمفرده أو مع الآخرين سراً وعلانية، وكذلك نجد الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981 يؤكد في المادة الثامنة منه على أنه لا يجوز تعريض أحد لإجراءات تقيد حريته في العقيدة وممارسة الشعائر الدينية.

ويضاف إلى مجمل المواثيق الحقوقية الدولية والإقليمية العشرات من الصكوك الأخرى الصادرة عن آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان ومختلف المنظمات الدولية غير الحكومية، والتي تؤكد كلها على ضرورة احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية وحرمة الأماكن المقدسة ودور العبادة، كقرار لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشأن مكافحة قذف أو ازدراء الأديان الصادر بتاريخ 12 أبريل 2005، والذي عبرت من خلاله عن استهجانها الشديد للهجوم والاعتداء على مراكز الأعمال والمراكز الثقافية وأماكن العبادة لجميع الديانات، وكذلك استهداف الرموز الدينية.

وفي هذا الصدد فإن ما تقوم به قوات الاحتلال الصهيوني من ترويع وهجوم على المصلين واقتحام لباحات المسجد الأقصى المبارك في الأيام المباركة من شهر رمضان المعظم، يشكل انتهاكا واضحا وفاضحا وجسيما لحقوق الإنسان، والتي تعتبر من أهم ركائز النظام الدولي القائم.

هذا، وفيما يتعلق بعملية التهجير القسري الممنهجة لسكان حي الشيخ جراح بالقدس الشريف، فإن هذا العمل الذي يقوم به كيان الاحتلال الصهيوني يشكل هو أيضا انتهاكا صارخا وجسيما للقانون الدولي الإنساني، حيث تحضر المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أيا كانت دواعيه، كما اعتبرت المادة 85 من البرتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف لسنة 1977 أن قيام قوات الاحتلال بترحيل أو نقل كل أو بعض سكان الأراضي المحتلة سواء داخل نطاق تلك الأراضي أو خارجها بمثابة انتهاكات جسيمة وجريمة حرب.

إن مجمل الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات حقوق الانسان وجرائم الحرب التي يقوم بها كيان الاحتلال الصهيوني في فلسطين وخاصة في الأقصى المبارك، فضلا عن كونها تشكل انتهاكات سافرة للقانون الدولي تستلزم ترتيب المسؤولية والمتابعة الجنائية الدولية، فإنها تكشف وتعري حقيقة النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والقائم على ازدواجية المعايير، حيث لا تحضر المساءلة الفعلية وترتيب الجزاء عن انتهاكات حقوق الإنسان والعقوبات والإجراءات التي قد تصل إلى حد القيام بعمل عسكري ضد بعض الدول، إلا حين تكون تخدم مصلحة أساسية لإحدى القوى الكبرى المسيطرة على النظام، أما حين تُرتكب الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان والقانون الدولي من قبل القوى الكبرى أو حلفائها، كتلك التي يرتكبها كيان الاحتلال الصهيوني فلا تسمع لهم ركزا، اللهم من بعض التعبير عن القلق أو التصريحات والبيانات اليتيمة أو القرارات الموقوفة التنفيذ.

  • باحث في مختبر الدراسات السياسية والقانون العام. كلية الحقوق بفاس
Share
  • Link copied
المقال التالي