من المسلم به أن الاحتباس الحراري يؤدي إلى ذوبان الجليد القطبي والجليد المتراكم على قمم الجبال، مما يزيد من ارتفاع مياه المحيطات، وقد لاحظ العلماء أن متوسط مستوى سطح البحر قد ارتفع عالميا بسرعة أكبر منذ عام 1900 مقارنة بأي قرن سابق منذ 3 آلاف عام على الأقل، فهل هذا الارتفاع سريع إلى درجة أن يبتلع البحر أممًا بأكملها في أقل من 30 عامًا؟
لإلقاء الضوء على الموضوع، استعرضت صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية تقريرالهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الذي نُشر في أغسطس/آب الماضي، وقد أظهر أن مستوى المحيطات آخذ في الازدياد، وأنه زاد في المتوسط بمقدار 20 سنتيمترا بين عامي 1901 و2018، مع تسارع قوي في العقود الأخيرة، بحيث ارتفع من 1.3 ملم سنويا في المتوسط بين عامي 1901 و1971، إلى 3.7 ملم سنويا بين عامي 2006 و2018.
وقد نبه التقرير -حسب مقال آن لوري فريمون للصحيفة- إلى أن الزيادات التي حصلت منذ عام 1971 ربما يكون السبب الرئيسي فيها تأثير البشر، مشيرا إلى أنها ستستمر بمعدل أكثر استدامة لتصل إلى 28 سم أو أكثر من متر بحلول عام 2100، وذلك حسب السيناريوهات المختلفة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، انطلاقا من أكثرها تفاؤلا إلى أكثرها تشاؤما.
احترار كارثي
وحتى لو التزم العالم بمقتضيات الهدف الذي حددته اتفاقية باريس عام 2015 بالحفاظ على ارتفاع في درجات الحرارة العالمية لا يتجاوز درجتين أو 1.5 درجة مئوية إن أمكن، فإن مستوى المحيطات يمكن أن يرتفع بنحو 43 سم بحلول نهاية القرن، وحتى لو أبقي الارتفاع عند 1.5 درجة مئوية فلن يكسب العالم من ذلك سوى 10 سنتيمترات، وهي على كل حال نسبة غير ضئيلة، ما دام أكثر من مليار شخص سيعيشون في مناطق ساحلية مهددة في عام 2050.
غير أن الحقيقة -كما تقول الكاتبة- هي أننا بعيدون جدا من هذا المستوى، حيث توقع برنامج الأمم المتحدة للبيئة -قبل قمة المناخ “كوب 26” (COP26) في غلاسكو- احترارا “كارثيا” قدره 2.7 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، أو 2.2 درجة مئوية مع مراعاة وعود الحياد الكربوني لمنتصف القرن.
وقد أشار العلماء في أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن “مستوى سطح البحر سيرتفع على المدى الطويل بسبب الاحترار المستمر في أعماق المحيطات وذوبان الغطاء الجليدي، وعلى مدى الألفي سنة القادمة، سيرتفع المستوى المتوسط العالمي من نحو مترين إلى 3 أمتار إذا كان الاحترار يقتصر على 1.5 درجة مئوية، ومن مترين إلى 6 أمتار إذا كان يقتصر على درجتين مئويتين، ومن 19 إلى 22 مترا إذا بلغ الاحترار 5 درجات”.
ولمعرفة المزيد عن السيناريوهات قصيرة المدى -كما تقول الكاتبة- طور الباحثون في “كلايمت سنترال” (منظمة علمية أميركية) خريطة تفاعلية تلون باللون الأحمر مناطق العالم التي يحتمل أن تكون مغمورة في العقود القادمة.
دول مهددة بشكل خاص
ومع ذلك، يبدو للكاتبة أنه من المبالغة إلى حد كبير القول إن دولا قارية بأكملها ستختفي بحلول عام 2050، في حين أن الجزر الصغيرة الواقعة بالقرب من المناطق الاستوائية -حيث يرتفع مستوى المحيط بشكل أسرع- تظهر كلها تقريبا باللون الأحمر على الخريطة التفاعلية، وإن كان ذلك لا يعني أنها ستكون تحت الماء بالكامل في عام 2050، ولكنها معرضة لخطر متزايد بالغمر.
على سبيل المثال، من المتوقع أن يكون هذا هو الحال في جزيرة فنوا تابو، وهي جزيرة صغيرة في ولاية توفالو في المحيط الهادي، وكذلك في جزر المالديف في المحيط الهندي والعديد من المناطق المنخفضة، إلا أن الجزر البركانية مثل ريونيون قد لا تتأثر كثيرا بهذه الظاهرة.
وفي هذا السياق، اضطرت جزر فيجي إلى نقل جزء من سكانها بسبب تآكل السواحل، كما أن 5 جزر من أرخبيل سليمان في المحيط الهادي قد اختفت في الماضي منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين، إضافة إلى أن الفيضانات المتكررة بشكل متزايد تهدد موارد المياه العذبة، مما يجعل هذه المناطق غير صالحة للسكن في نهاية المطاف.
وختمت الكاتبة بأن أي خفض -مهما كان طفيفا- سيكون مفيدا لهذه البلدان الصغيرة، وإن “أي احترار يتجاوز 1.5 درجة مئوية سيكون حكما بالإعدام على بلدنا”، كما أوضح الرئيس السابق لجزر المالديف محمد نشيد، الذي أصبح الآن سفيرًا لمنتدى “هشاشة المناخ” الذي يتألف من مجموعة من البلدان المعرضة لتغير المناخ بشكل خاص.
تعليقات الزوار ( 0 )