من اجل التصدي للضغوط الاقتصادية والسياسية، وتحقيق تنمية ذاتية عن طريق تكامل اقتصادي بين الدول، برزت دعوات في خمسينيات القرن الماضي تهدف لإنشاء اتحاد بين الأقطار المغاربية، خصوصا وما تتمتع به المنطقة من موارد طبيعية، مواقع إستراتيجية، وتقارب جغرافي ثقافي وديني.
فتم بتاريخ 17 فبراير 1989 بمراكش إنشاء اتحاد المغرب العربي من طرف كل من المغرب، موريتانيا، الجزائر، تونس، وليبيا، واعتبر بمثابة منظمة إقليمية تهدف إلى تمتين روابط الأخوة بين الدول الأعضاء وشعوبها، وكذا تحقيق التقدم والازدهار للتجمعات المغاربية والدفاع عن حقوقها، بالإضافة إلى المساهمة في حفظ السلم القائم على العدالة والمساواة، وإتباع سياسة مشتركة في ميادين مختلفة تهدف إلى تحقيق عدد من المقاصد الدولية، الاقتصادية، والثقافية، مع العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص والخدمات السلع ورؤوس الأموال.
إذن فقد كانت للدول الخمس الرغبة في العمل المشترك من اجل تنمية أقطارها، تكامل اقتصادياتها وتعاون شعوبها، بغية التصدي لكل العقبات التي تواجه دول المنطقة؛ لكن وبسبب نزاع الصحراء المغربية لم يتم تحقيق أي تقدم فعلي بشان تفعيل وتنزيل مقتضيات اتفاقية مراكش، إلى حد وصف به الاتحاد المغاربي “بالمولود الميت“، لكونه ازداد أثناء أزمة ما بين المغرب والجزائر حالت دون تقارب وجهات النظر أو إيجاد حل لها.
يرجع سبب عدم تفعيل مقتضيات الاتفاق التأسيسي للاتحاد المغاربي إلى عدد من العوامل، منها ما يتعلق باختلاف وجهات النظر حول الوحدوية، لاسيما وأن دول المنطقة قد انقسمت دول إلى تيارين، الأول اتبعته ليبيا بمطمحها المتمثل في الوحدة الاندماجية كمنطلق للوصول إلى الوحدة المغاربية، والثاني تبنته باقي دول الاتحاد من خلال رغبتها في بدأ العمل المغاربي المشترك عبر مراحل لتحقيق اتحاد مغاربي.
بالإضافة إلى عدد من العوامل الأخرى من قبيل غياب التوافق بين دول الاتحاد المغاربي نتيجة للرواسب التي خلفتها الفترة الاستعمارية، وكذا كثرة الإكراهات الاقتصادية المتمثلة في ضعف البنية التحتية المشتركة بين البلدان المغاربية، الحواجز الجمركية والتحديات التجارية… لكن مع ذلك يبقى نزاع الصحراء المغربية من اشد المعيقات التي أدت إلى عدم قيام الاتحاد المغاربي بمهامه.
الاتحاد المغاربي ونزاع الصحراء المغربية
لا يخفى على احد الدور الفاعل للجزائر في نزاع الصحراء المغربية، لكونها تدعم ما يعرف “بالبوليساريو” وتروج لأطروحتها الانفصالية، خصوصا وأن الدولة الجزائرية أنفقت لتلك الغاية ما يزيد عن 300 مليار دولار من بداية النزاع إلى الآن، بالإضافة إلى بحث الجزائر عن المشروعية الدولية “للبوليساريو” داخل المنظمات الدولية، عن طريق إقحامها في منظمة الوحدة الإفريقية –سابقا- ومنظمة الاتحاد الإفريقي، ومحاولة إقحامها داخل منظومة الحوار الأوروبي الإفريقي وكذا الحوار العربي مع بلدان أمريكا اللاتينية، دون التعمق في مسالة استمالة عدد من الدول لدعم توجهات البوليساريو والاعتراف بها، عن طريق تقديم المساعدات المادية والإعانات العينية للدول الفقيرة، سواء في إفريقيا أو في أمريكا اللاتينية.
إذن فالجزائر ما فتئت تتدخل في ملف الصحراء المغربية بغية إحباط أي حل نهائي للملف لا يتوافق مع مصالحها في المنطقة، كرغبتها في إيجاد منفذ أطلسي يسمح لها بتسويق حديد مناجم غار الجبيلات المتواجدة على بعد 130 كلم جنوب شرق تندوف، التي تعتبر كأحد اكبر احتياطات الحديد في العالم ، بالإضافة إلى الرغبة الجزائرية في طمس مطالب المغرب المتمثلة في استرجاع صحرائه الشرقية المقتطعة إبان زمن الاستعمار الفرنسي للجزائر.
إن نزاع الصحراء المغربية هو عبارة على ورقة ضغط تستعملها الجزائر من اجل تقويض وحدة المغرب الترابية، فاعتبار استرجاع المغرب لصحرائه هو بمثابة “… تهديد مباشر للوحدة الترابية للجزائر، ووسيلة لتطويقها، ومقدمة لإجهاض ثورتها…”، وذلك حسب ما عبر عنه الرئيس الأسبق للجزائر هواري بومديين خلال خطاب ألقاه بتاريخ 24 فبراير 1976.
فهذا التوجه المعادي لوحدة المغرب انعكس سلبيا على الأوضاع في المنطقة، وشكل حاجزا أمام كل تقارب بين الدول المغاربية، ليصبح في الأخير أهم عقبة يعاني منها الاتحاد المغاربي في تفعيل مقتضياته المنصوص عليها في الاتفاقية التأسيسية.
رغم موافقة وتوقيع الجزائر على الميثاق التأسيسي للاتحاد المغاربي الذي ينص في فصله 15 على “تعهد الدول الأعضاء بعدم السماح بأي نشاط أو تنظيم فوق ترابها يمس أمن أو حرمة أي منها أو تهدد نظامها السياسي…”، إلا أنها اتخذت منحا معاكس للاتفاقية التي صادقت عليها، عن طريق إيواء الجمهورية الجزائرية لجماعة “البوليساريو” الانفصالية، ودعمها والترويج لأطروحتها التي تستهدف تفكيك وحدة المغرب الترابية، وهو الشيء الذي يبين نوعا من الازدواجية في مواقف الدولة الجزائرية، فهي من جهة توافق على اتفاقات تنص على احترام وحدة وسيادة الدول، ومن جهة أخرى تدعم وتطمح لانتهاك وحدة المغرب عن طريق محاولة اقتطاع جزء لا يتجزأ من تراب المملكة الإقليمي.
الاتحاد المغاربي ودعوات الإصلاح
نتيجة لكل ما سبق ظهرت دعوات تهدف إلى تعديل الاتفاق التأسيسي للاتحاد المغاربي بسبب عدد من المعيقات السياسية والاقتصادية التي أثرت على المنطقة المغاربية، وأعاقت حق أقطارها في الوحدة والنماء، فطرح بموجب ذلك عدد من الأفكار ترمي إلى ضرورة تحيين وإعادة صياغة فكرة وحدة المغرب العربي، مثل ما أكده المؤرخ الجزائري “محمد حربي” من خلال دعوته لتجاوز مخلفات الماضي السلبية المرتبطة بالإرث الاستعماري والصراعات الإيديولوجية، وكذا المشاكل التي تولدت في المنطقة خلال عهد الاستقلال؛ الشيء الذي يستدعي ضرورة العمل المشترك وعدم الانسياق وراء مخلفات الحرب الباردة، من أجل تحقيق وحدة إقليمية مغاربية تستفيد منها كل دول من الدول الخمس للاتحاد.
*باحث بسلك الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية
تعليقات الزوار ( 0 )