Share
  • Link copied

الإنكسارات الدبلوماسية الجزائرية في قضية الصحراء المغربية.. مؤتمر تيكاد 2024 كنموذج

في ظل التوترات المستمرة بين المغرب والجزائر، برز مؤتمر تيكاد كمنصة جديدة لتسليط الضوء على الهزائم الدبلوماسية الجزائرية في قضية الصحراء المغربية. مؤتمر طوكيو الدولي حول التنمية في إفريقيا (TICAD) هو مبادرة أطلقتها اليابان في عام 1993 لتعزيز الحوار السياسي والتعاون بين القادة الأفارقة وشركائهم الدوليين، وخاصة اليابان، حول قضايا التنمية في إفريقيا. يهدف المؤتمر إلى تعزيز التنمية المستدامة في القارة الأفريقية من خلال الشراكات المتعددة الأطراف.

في سياق قمة تيكاد الأخيرة التي عُقدت في طوكيو، برز مصطلح “دبلوماسية العنف” للإشارة إلى استخدام العنف أو التهديد به كوسيلة لتحقيق أهداف دبلوماسية أو سياسية. خلال القمة، وقعت حادثة أثارت جدلاً واسعًا، حيث تدخل دبلوماسي جزائري بعنف لمنع دبلوماسي مغربي من إزالة لافتة وضعها ممثل البوليساريو، الذي لم تتم دعوته للحضور بل تسلل بطرق غير مشروعة. يعكس هذا التصرف محاولات الجزائر المستمرة لدعم جبهة البوليساريو بشكل غير قانوني، ساعية إلى عرقلة جهود المغرب في إيجاد حل سلمي للنزاع في الصحراء المغربية. في المقابل، يؤكد المغرب على أهمية احترام القوانين الدولية والاتفاقيات الدبلوماسية، ويدعو إلى الحوار والتعاون لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.

وفقًا للتقارير، خلال قمة تيكاد في طوكيو، حاول ممثل البوليساريو وضع لافتة غير معترف بها رسميًا، مما دفع دبلوماسي مغربي للتدخل وفضح هذا التصرف. عندها تدخل دبلوماسي جزائري، والذي تبين لاحقًا أنه حارس أمن في السفارة الجزائرية، بشكل عنيف ضد الدبلوماسي المغربي. هذا التصرف أثار جدلاً واسعًا وانتقادات من قبل الصحافة اليابانية والعربية، حيث تم وصفه بأنه غير أخلاقي وهمجي.

تناولت الصحف اليابانية والعربية هذا الموضوع من زوايا مختلفة. على سبيل المثال، صحيفة “أساهي شيمبون” اليابانية ركزت على التوترات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، مشيرة إلى أن الدبلوماسي الجزائري استخدم العنف بشكل غير أخلاقي ضد الدبلوماسي المغربي، مما أدى إلى تدخل الأمن لضبط الأمور. من جهة أخرى، تناولت صحيفة “الشرق الأوسط” الحادثة من زاوية تأثيرها على العلاقات الثنائية بين البلدين، مؤكدة أن هذا التصرف يعكس حالة من التخبط داخل النظام الجزائري نتيجة للهزائم الدبلوماسية المتتالية التي منيت بها في قضية الصحراء المغربية.

أكدت اليابان موقفها بعدم الاعتراف بالبوليساريو، وأوضحت أن تسلل ممثل البوليساريو لا يغير شيئًا من موقفها الرسمي. أثارت الحادثة ردود فعل غاضبة من الجانب المغربي، حيث اعتبرتها خرقًا سافرًا للأعراف الدبلوماسية. من جهة أخرى، حاول الجانب الجزائري تبرير هذا التصرف، وادعى رواية لا أساس لها من الصحة، ولا يوجد أي تأكيد رسمي من الجانب الياباني عليها؛ تشير إلى أن اليابان اقترحت إدراج وفد البوليساريو ضمن وفد اللجنة الأفريقية. من جانبه أكد المغرب على التزامه بالأعراف الدبلوماسية واحترامه للقوانين الدولية، مما يعزز موقفه في المجتمع الدولي.

تُعد الحادثة التي شهدتها قمة تيكاد الأخيرة في طوكيو خرقًا صارخًا للأعراف الدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول. الاعتداء الجسدي على دبلوماسي يُعتبر تصرفًا غير مقبول ويعكس حالة من الفوضى وعدم الاحترام للقوانين الدولية. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الحادثة إلى زيادة عزلة النظام الجزائري. في المقابل، يواصل المغرب تعزيز موقفه الدولي من خلال دبلوماسية هادئة وبناءة، مما يعزز من مكانته كدولة مستقرة وموثوقة في المنطقة. تمكن المغرب من تحقيق تقدم كبير في تعزيز موقفه الدولي بشأن ملف الصحراء المغربية، مما يعكس نجاح الدبلوماسية المغربية في كسب دعم العديد من الدول والمنظمات الدولية.

في المقابل، تعكس الحادثة حالة من التخبط والارتباك داخل النظام الجزائري، حيث يواجه تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي. على الصعيد الداخلي، يعاني النظام من ضغوط اقتصادية واجتماعية متزايدة، بالإضافة إلى مطالب شعبية بالإصلاح والتغيير. أما على الصعيد الخارجي، فيواجه تحديات دبلوماسية وإقليمية تزيد من تعقيد الوضع. هذا التخبط قد يؤدي إلى مزيد من التصرفات غير المدروسة التي تزيد من تعقيد الوضع، مما يضع النظام في موقف حرج أمام المجتمع الدولي.

عادة ما تتبنى الجزائر داخل الاتحاد الإفريقي موقفًا معاديًا يسعى إلى تقويض مصالح المغرب وإضعافه عبر دعم جبهة البوليساريو الانفصالية. هذا النزاع المفتعل والمستمر منذ ما يقارب نصف قرن يهدف إلى تقسيم المغرب لضمان الوصول الاستراتيجي إلى المحيط الأطلسي. منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في عام 2017، قامت المملكة بجهود دبلوماسية استراتيجية مع الدول الأفريقية، مما أثار استياء الجزائر التي استثمرت مبالغ طائلة في محاولات لتضليل الرأي العام وتعبئة مسمومة ضد المغرب.

تسعى الجزائر إلى الحفاظ على جمهورية الوهم، وهو كيان غير معترف به دوليًا، كوسيلة لضمان نفوذها في المنطقة. وقد استثمرت الجزائر بشكل كبير في دعم هذا الكيان داخل الاتحاد الإفريقي، مما يعكس رغبتها في تحقيق أهدافها الجيوسياسية على حساب الوحدة الترابية للمغرب. تستثمر الجزائر مبالغ طائلة في دعم جبهة البوليساريو، سواء من خلال التمويل المباشر أو الدعم السياسي والدبلوماسي. هذا الدعم يعكس التزام الجزائر بموقفها المعادي للمغرب، ويظهر في المحافل الدولية والإقليمية. تهدف الجزائر إلى التأثير على العلاقات الإقليمية من خلال دعمها للبوليساريو، مما يؤدي إلى تعقيد العلاقات بين دول المنطقة. هذا الدعم يساهم في خلق حالة من عدم الاستقرار ويؤثر على التعاون الإقليمي والتنمية الاقتصادية.

في سياق متصل، يواصل المغرب تكثيف جهوده لتعزيز علاقاته مع الدول الأفريقية عبر سلسلة من المشاريع التنموية والتجارية والاقتصادية الطموحة. تهدف هذه المبادرات إلى تحسين مستوى معيشة الشعوب الأفريقية وتعزيز التعاون جنوب-جنوب، مما يعكس رؤية المغرب الاستراتيجية لتعزيز التكامل الإقليمي. وقد لاقت هذه الجهود المغربية ترحيبًا واسعًا ودعمًا متزايدًا من الدول الأفريقية، مما أضعف موقف الجزائر وعزز الوحدة الترابية للمغرب بشكل ملحوظ.

شهدت الآونة الأخيرة تطورات ملحوظة بشأن مسألة طرد جبهة البوليساريو من الاتحاد الإفريقي. فقد تصاعدت الدعوات في عدة دول إفريقية لطرد البوليساريو من الاتحاد. على سبيل المثال، خلال المنتدى الدولي “مدايز”، انضم دبلوماسيون من خمس دول إفريقية إلى “نداء طنجة” الذي يطالب بطرد البوليساريو من الاتحاد.

علاوة على ذلك، اتخذ الاتحاد الإفريقي قرارًا بعدم السماح للبوليساريو بالمشاركة في المحافل الدولية الكبرى التي تجمع المنظمة القارية مع دول مثل الصين، الولايات المتحدة، روسيا، واليابان. يعكس هذا القرار تحولًا في السياسة الإفريقية تجاه البوليساريو، مما يعزز موقف المغرب في هذا النزاع. رغم أن ميثاق الاتحاد الإفريقي لا يحتوي على نصوص واضحة بشأن طرد كيان عضو، إلا أن الضغط المتزايد من الدول الأعضاء يمكن أن يؤدي إلى تطوير تفسير موسع للمادة 23 من القانون التأسيسي، أو حتى تعديل الميثاق ليشمل نصوصًا واضحة بشأن الطرد.

مع تزايد الدعم الدولي لسيادة المغرب على الصحراء، يبدو أن النزاع الذي استمر لعقود يقترب من نهايته. كان اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء في يوليو2024 خطوة حاسمة نحو إنهاء هذا النزاع الطويل، مما عزز موقف المغرب على الساحة الدولية. وقد أشار تقرير معهد الولايات المتحدة للسلام (USIP) الأخير إلى أن النزاع حول الصحراء المغربية قد وصل إلى نهايته، مع تزايد الدعم الدولي لسيادة المغرب على المنطقة. وأبرز التقرير أن اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء في يوليو 2024 كان خطوة حاسمة نحو إنهاء النزاع، مما عزز موقف المغرب على الساحة الدولية. وأوضح التقرير أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية والعربية، يدعمون خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب كحل دائم وعادل للنزاع. كما أشار إلى أن الجزائر، التي تدعم جبهة البوليساريو، يجب أن تتفاوض من أجل السلام، مما يعزز فرص التوصل إلى حل نهائي ومستدام.

في ظل الظروف المتأزمة، يواجه النظام الجزائري تحديات جسيمة للحفاظ على استقراره الداخلي. يبقى السؤال مطروحًا حول تأثير هذه الحادثة، التي تعكس الانحدار الذي وصلت إليه الدبلوماسية الجزائرية، على مستقبل النظام، خاصة فيما يتعلق ببقائه واستمراريته. يعتمد النظام الجزائري بشكل كبير على قضية الصحراء المغربية لكسب تأييد الشارع الجزائري واستمالته.

ومع ذلك، فإن حل هذه القضية قد يؤدي حتماً إلى اندلاع حراك شعبي جديد، نظرًا لفقدانها قدرتها على توحيد الشعب الجزائري. يشعر المواطنون بالإحباط والتذمر جراء مليارات الدولارات التي أهدرها النظام على قضية فاشلة، أصبحت عبئًا عليه وعلى حساب معيشته اليومية. بالإضافة إلى شعورهم بالخزي والعار من هذا النظام الفاسد الذي يحكمهم بقبضة من حديد. بعيدًا عن الشعارات والدعاية العسكرية الزائفة، يرى المواطنون واقعًا لا يوحي بدولة غنية بالموارد والثروات، بل بدولة منكوبة تحتاج إلى مساعدات.

قد يعيد هذا الوضع البلاد إلى فترة التسعينات من القرن الماضي وعشرية سوداء جديدة، مثل تلك التي تسبب فيها الجنرالات وأجهزة الأمن بهدف حماية مصالحهم والتحكم في ثروات البلاد، كما جاء في كتاب “الحرب القدرة” للضابط السابق في الجيش الجزائري الحبيب سويدية، الذي يكشف عن تورط أجهزة الأمن والمخابرات في المجازر التي راح ضحيتها ربع مليون جزائري لتحقيق مكاسب سياسية. في ظل هذه التحديات، يبقى مستقبل النظام الجزائري غامضًا، خاصة مع تزايد الوعي الشعبي بضرورة التغيير والإصلاح.

في الختام، جددت اليابان تأكيد موقفها الثابت بعدم الاعتراف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، مشددة على أن تسلل ممثل البوليساريو إلى الاجتماع التحضيري لقمة تيكاد لن يغير شيئًا من هذا الموقف. وأكد نائب وزير الخارجية الياباني، يويتشي فوكازاوا، أن اليابان لا تعترف بهذا الكيان كدولة، وأن وجوده في المؤتمر لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على موقف اليابان الراسخ. بعد تأكيد اليابان لموقفها الثابت أمام العالم، تذكرت جملة خالدة لمبدع المسيرة الخضراء، الملك الحسن الثاني، الذي قال: “لا نريد للعالم أن يعترف بمغربية الصحراء، فنحن في صحرائنا، بل نريد من العالم أن يعرف من هم الجيران الذين حشرنا الله إلى جانبهم.” رحم الله الملك الحسن الثاني، فقد أصبح العالم يدرك حقًا من هم جيراننا.

Share
  • Link copied
المقال التالي