شارك المقال
  • تم النسخ

الإعلامي محمد أمزيان يكتب: متى يتحمل المسؤول السياسي مسؤوليته؟

شيء محزن جدا ما رافق مباريات ولوج مهنة المحاماة مؤخرا. الناجحون فيها سيكونون حماة الحقوق في المستقبل!! هذا هو المفترض. غير أن ما جرى يعيد البلاد إلى نقطة ما تحت الصفر. من يمرغ هنا سمعة المغرب في وحل التراب؟ المسؤول الرئيسي هو منظومة الفساد التي ما تركت مفصلا من مفاصل الدولة إلا ونخرته كما تنخر الأرضة صفحات مستقبلنا.

حزنتُ لما جرى، لأن الملحمة التي خاضها جنود الرياضة في فعاليات كأس العالم في قطر، لم يستفد منها المسؤول السياسي. كنا سنفتخر وسنرفع رؤوسنا عاليا في وجه العواصف لنقول: نحن على الدرب الصحيح، نحن قادرون على أن نحجز بطاقة التأهل للمربع الذهبي في محاربة الفساد والمحسوبية والزبونية. لكن الطموحات، كما الأحلام، تتبخر عند أول اختبار جدي. متى يعي المسؤول السياسي أن المسؤولية لا تعني السلطة، وأن السلطة لا تعني التسلط، وأن التسلط مَهلكة للجميع؟

ما جرى تحت إشراف وزارة العدل، يستدعي وقفة تأمل كبيرة لكونها ليست مؤسسة عادية في بلد يسعى لأن يرتقي بالعدل بين الناس، بالحفاظ على حقوقهم، بالمساواة بينهم في الفرص والإمكانيات، بالحفاظ على توازن ميزان العدل كي لا يختل، فتختل معه منظومة البلد ككل. أليس العدل أساس الملك؟

أنا لا أحلم بمدينة فاضلة. كل أملي أن يتحمل المسؤول السياسي مسؤوليته وكفى. وتحمل المسؤولية تعني توفير الظروف أمام كل أبناء الشعب ليتباروا بشرف على مهنة شريفة، وهي مهنة المحاماة. تعني المسؤولية أيضا، أن على المسؤول أن يشرح الملابسات ويزيح اللبس عن المتشابهات، لا أن يبرر التجاوزات ويفسرها بطريقة مستفزة وذات نبرة استعلائية. أن يقول المسؤول الأول في الوزارة إن ابنه قد درس في الخارج، ولذلك فهو يستحق النجاح، فهذا أولا ضرب في منظومة البلاد التعليمية ككل. بمعنى أن تعليمنا ينتج الفاشلين وتعليم الآخر ينتج المتفوقين. هذا ما فهمته من رد السيد الوزير في تبرير نجاح ابنه. لا أجادل أبدا في ذكاء ابن الوزير وشطارته ورغبته في اقتفاء خطى والده الوزير، والذي كان محاميا ناجحا أيضا. ما يقلقني حقا، ويحزنني لدرجة الإحباط هو مثل هذه التبريرات التي لها وقع السياط على رؤوس المواطنين.

ما يقلق أكثر في هذه الصورة المقززة التي يقدمها المسؤول السياسي في بلادنا، هو أثرها المعدي حتى كاد يصيب كل الوزارات. وقد قرأنا في الصحافة الوطنية ما يكفي من أخبار نخجل أن نخبر بها أبناءنا في قطاع التعليم على سبيل المثال، وفي قطاع الصحة وفي غيرها من القطاعات التي تهم المواطن مباشرة وتصيبه في كبريائه وانتمائه وهويته. كيف نشرح لأبنائنا معادلة الجنس مقابل النجاح؟ كيف نشرح لأبنائنا أن فلانا أو علانا نجح في وظيفتين مختلفتين نُظمتا في توقيت واحد ومكانين متباعدين؟ كيف نرضى كمجتمع أن يتسيّد الفساد حتى ضمائرنا وشرفنا؟

إذا أردنا أن ننتمي لعالم يحترم قيمة العلم والمعرفة، فما علينا إلا القطع مع كل أنواع الريع؛ والريع لا يُترجم فقط في الرشوة (الراشي والمرتشي) التي كانت، وما زالت، تلطخ كل عملية انتخابية (مع استثناءات طبعا لكنها غير مؤثرة)، وإنما في كل مناحي الشأن العام. هذا هو التحدي الحقيقي الذي ينبغي أن ننخرط فيه جميعا. أن يتحمل المواطن مسؤوليته في عدم الخضوع لإغراءات التسلق السريع وغير المستحق. وقبل ذلك أن يتحمل المسؤول السياسي مسؤوليته لكونه، أولا وأخيرا، راعيا لمصالح الجميع وليس لمصالح أسرته أو أتباعه وأتباع أتباعه. مثل هذه السلوكيات تنتج مجتمعا منافقا، انتهازيا، ضعيفا ومهزوزا. باختصار شديد، تنتج مجتمعا لا شخصية له ولا هوية. وأكثر من ذلك، تعمق الهوة بين ما تبقي من المواطَنة في قلوب المواطنين وبين الدولة.

وحينما تتعمق الهوة، تنعدم الثقة ويتحول الانتماء إلى قيد.. وهذا لعمري مَهلكة للجميع.

*إعلامي مغربي مقيم في هولندا

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي