عانت المجتمعات الإنسانية قبل الإسلام من الظلم والطغيان، وإن من مظاهر الظلم المنتشرة آنذاك إجبار الناس على دين معين مع الرضوخ التام له، وهو الأمر الذي رفضه الإسلام الذي جاء ليحرر الناس ويمنح لإرادتهم الأهلية الكاملة للاختيار دون إجبار ولا إكراه، بل اعتبر أن كل شيء مبني على الاستبداد والإكراه فهو باطل، على رأس ذلك مختلف العقود والتصرفات والالتزامات التي تتطلب خلو الإرادة من العيوب بما في ذلك الإكراه الذي رفضه الإسلام جملة وتفصيلا بقوله تعالى: ” لا إكراه في الدين”، لأن الله جاء بهذا الدين ليحفظ للإنسان كرامته وحريته ولم يسلبه حرية الاختيار باعتبارها الأصل، بل إن الإسلام يرفض الاستبداد وإرغام الناس على الدخول في هذا الدين وجعلها مسألة اختيارية فللإنسان حرية اختيار العقيدة التي يراها صحيحة ويطمئن لها ويرتاح لها فؤاده.
*الإسلام دين ترغيب لا إكراه*
لا يقرالإسلام بمبدأ الإكراه في الدين; لأن ذلك لا يخلق إيمانا بل مسوخا مشوهة، ونفاقا وهو ما يعده الإسلام أخطر من الكفر، ولا تبنى عبادة على أساس إكراهي ولا تستقر نفسية وقد كبلت بأصفاد الإكراه، ولن يستقيم شعور إنسان وهو مكره، لذلك أكد الله عزوجل على أن أساس الدين الحرية والعقل، فدعا إلى التدبر والتأمل والبحث للوصول إلى الحقيقة والاقتناع بالدين الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، ولاشك أن الله أكد في كتابه الحكيم أن هناك حكمة من عدم إيمان الخلائق في قوله:”ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”، ويتبين من الآية الكريمة أن الله لايقبل على عباده الإكراه ولو كان ذلك يتعلق بالإيمان به، لأن العلاقة المتينة والصحيحة بين الخالق والمخلوق لاتقوم على الإكراه بل تقوم على المحبة والإيمان والقناعة، وكل علاقة مبنية على الإكراه تكون غير مستقرة ومتزعزعة قد تنهار في أي لحظة لعدم متانتها وصدقيتها ومن هنا ترك الله لعباده حرية الانتقاء:” وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.
*اهتمام الإسلام بالإرادة الحرة*
أولى الإسلام اهتماما كبيرا بالإرادة التي تعبر عن وجودها من خلال التعبير عن خياراتها وأفكارها بشكل واضح وصريح، واعتبر أنه من سلبت إرادته لم يصح معتقده، بمعنى من أرغم على دخول الدين فهو ليس على الدين الذي أرغم على الدخول فيه، ومن أكره على الكفر فما هو بكافر”من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان” فالعبرة إذا بالإرادة الحرة وعقد النية الصادقة، والقرآن الكريم أكد أن الإنسان مخيرعندما قال “إما شاكراً وإما كفورا”، وقوله تعالى: “من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها”مما يؤكد أنه ترك القرار للانسان ليختار ما يريد لنفسه، ولا سلطة حقيقية من الخارج عليه، لذلك لم يقبل الله تعالى إيمان فرعون لأنه كان إيمان خوف وليس إيمان يقين “وجاوَزْنا بِبَنِي إسْرائِيلَ البَحْرَ فَأتْبَعَهم فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْيًا وعَدْوًا حَتّى إذا أدْرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنتُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرائِيلَ وأنا مِنَ المُسْلِمِينَ”.
ومن هنا يتبين لنا أن موقف الإسلام واضح تماما من الإكراه في كل حالاته فهو غير مقبول لأنه يقيد الإرادة ويسلبها حق الاختيار الذي أكد الإسلام على أهميتها، لأن أساس قيام مسؤولية الإنسان وجود إرادة حرة غير مقيدة.
تعليقات الزوار ( 0 )