Share
  • Link copied

الإسلام الإخواني في الجزائر والتعديل الدستوري

لم يتفق إخوان الجزائر، على موقف موحد من التعديل الدستوري المقترح على الجزائريين، من قبل السلطة، كما ساد عندهم منذ فترة طويلة في محطات سياسية مشابهة. فقد دعت حركة مجتمع السلم إلى التصويت بـ(لا) على الدستور، مع دعوة صريحة للمشاركة الشعبية القوية في الاستفتاء؟ في غياب سند شعبي واسع، يمكن أن يؤدي إلى إفشال الاستفتاء على مشروع الدستور. الموقف نفسه الذي اتخذته حركة النهضة، أعلنت عنه بحماس أقل وهي ترفض الدستور بالحجج نفسها تقريبا.

حركة «العدالة والتنمية» التي يرأسها الشيخ عبد الله جاب الله، أعلنت عن موقف أكثر تميزا، رفضت من خلاله المشاركة في الاستفتاء كموقف نوعي، تميز به هذا التنظيم السياسي، الذي ما زال يحافظ على قيادته الشيخ المشاكس، بعد انشقاقات كثيرة تعرض لها، وهو على رأس حركتي «الإصلاح» و»النهضة». «الإصلاح» التي أعلنت عن موقفها المؤيد للتعديل الدستوري كجزء من مواقف قربتّها من السلطة منذ سنوات. وهو الموقف نفسه المنتظر من حركة «البناء» المنشقة عن حركة «حمس» التي يقودها المرشح لرئاسيات ديسمبر/كانون الأول 2019 الوزير السابق عبد القادر بن قرينة. حزب «تاج» هو الآخر كان من المبادرين الأوائل إلى الموافقة على التعديل الدستوري، إذا اقتنعنا أن هذا الحزب الذي انشق باسمه الوزير السابق، عن حركة مجتمع السلم ـ عمار غول المسجون حاليا بتهم فساد ثقيلة – ما زالت تربطه علاقات جدية على المستوى الفكري، بحركة الإخوان الأم.

معركة الدستور التي تؤكد مرة أخرى التشرذم الذي يعيشه التيار الإخواني في الجزائر، في غياب شخصيات كاريزمية تتميز بالشرعية على رأس تنظيماته السياسية، التي تعيد إنتاج صراعاتها القديمة في كل محطة سياسية، بما فيها ذات الطابع الشخصي. تيار ركز في نقده للتعديل الدستوري على قضية إدراج اللغة الأمازيغية في الدستور، على شكل مادة صماء غير قابلة للتعديل في المستقبل. ليست غريبة على أبناء هذا التيار ضعيف الحضور بين أبناء المناطق الأمازيغية في الجزائر. الطابع التغريبي للتعديلات، كانت من الحجج التي قدمها الإخوان لتبرير موقفهم، وهم يتهمون لجنة تحريره بالتحيز للمشروع العلماني في الجزائر، وبتشكيلتها المقتصرة على أبناء هذا التيار، الذي يريد إبعاد المدرسة والمسجد عن هوية الشعب الجزائري، كما جاء في تصريحات حركة مجتمع السلم.

معركة الدستور لم تتوقف عند هذه المواقف المعلنة، فقد بادر الرئيس تبون بتعيين الهاشمي جعبوب القيادي الحمسي، وعضو مجلس شوراها وزيرا للعمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، وهو الذي سبقت له عضوية الحكومة وزيرا للتجارة أكثر من مرة، خلال فترة حكم بوتفليقة، بهدف إرباك الحركة، كما جاء على لسان رئيسها عبد الرزاق مقري، الذي لم يتوان في تعليق نشاط الوزير المنشق وطلب مثوله أمام لجنة التأديب، في وقت ظهرت فيه بوادر تململ داخل مجلس شورى الحركة نفسه، عبّر عنها رئيسه الوزير السابق عبد القادر سماري، في صفحته على الفيسبوك. وهو يبحث عن الأعذار للوزير المنشق، كما فهمت ذلك أكثر من وسيلة إعلامية وطنية، مما قد يعني أن هذا الإرباك قد تسلل إلى أهم مؤسسة -مجلس الشورى، عول عليها رئيس الحركة في معركته ضد السلطة، التي قادها بنجاح حتى الآن، في مواجهة قيادات حمسية كثيرة عبّرت عن رفضها للسياسة المستقلة التي دافع عنها رئيس الحركة عبد الرزاق مقري. من أمثال رئيس مجلس الشورى الأسبق عبد الرحمن سعيدي، ورئيس حركتها السابق أبوجرة سلطاني الوزير أكثر من مرة، والكثير من وزراء الحركة السابقين، الذين ابتعدوا بدرجات متفاوتة عن خط الحركة، الذي يقوده رئيسها الحالي.

يقود أبناء هذا التيار السياسي الديني معركة الدستور وعيونهم على ما سيأتي بعدها من استحقاقات سياسية مهمة، كالانتخابات التشريعية والمحلية المقبلة، وتشكيل حكومة، بما ستفرزه من توازنات سياسية داخل نظام مازالت السمة البارزة فيه هو الاضطراب الذي يُعول عليه أبناء التيار – مثل غيرهم من القوى السياسية – للقيام بالاختراقات السياسية التي قد توصلهم إلى مراكز القرار. كما حصل مع القيادي الاخواني المنشق سليمان شنين، وهو يصل إلى رئاسة المجلس الوطني بكتلة نيابية لا يتجاوز عدد نوابها 15 نائبا من مجموع 462 في عز أزمة النظام، في صيف 2019. وكما حصل في بداية التسعينيات عندما وصل أبناء هذا التيار إلى الحكومة والمجالس التشريعية المعينة، بعد المواجهة العنيفة مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، كأفراد وشلل صغيرة، من دون أحزابهم التي بقيت خارج الحكم، مثل قواعدهم الشعبية التي بقيت تتفرج من بعيد. أبناء تيار ينتمون في غالبتهم إلى الفئات الوسطى الريفية، والمدن الصغرى والمتوسطة، من الذين تمكنوا من الحصول على شهادات علمية، يعتقدون أن وقت المطالبة بمقايضتها بمناصب سياسية في مواجهة النخب السياسية المنافسة قد حان، بعد تجربة نضال سياسي قصيرة ومتقطعة – بعضها تم في السرية. في وقت تعيش فيه أغلبية مكونات هذه الفئات الوسطى حراكا اجتماعيا سريعا، سمح للبعض من فئاتها، بالصعود إلى أعلى المواقع الاجتماعية، في وقت تدهورت فيه الأغلبية المكونة لهذه الفئات الوسطى المرتبطة بشكل مباشر بالدولة الوطنية ومشاريعها الاقتصادية والاجتماعية. أفراد وشلل صغيرة، تريد أن تكون من الفئات الصاعدة، بمناسبة الحراك الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع الجزائري وفئاته الوسطى غير المتجانسة، عن طريق الالتصاق أكثر فأكثر بمؤسسات النظام السياسي، حتى إن احتلت المواقع الثانوية، وكلها أمل في أن النظام قد يفكر في الاستنجاد بها، وهو يعيش حالة اضطراب، ليس على مستوى الأداء المؤسساتي فقط، بل في المجال الفكري والسياسي كذلك، كما يفعل مع العائلات السياسية المنافسة مثل، اليسار بكل مدارسه، والوطنية، التي عوّل عليهما تاريخيا النظام كفكر سياسي يغترف منه. نظام ما زال رغم ذلك يظهر تفضيلا واضحا للنخب العصرية، الأكثر تأهيلا، من وجهة نظره، عكس ما فشلت نخب الإسلام السياسي الإخواني في إنتاجه حتى الآن، من نخب فكرية وعلمية معترف بها اجتماعيا، كما حصل بمناسبة تنصيب لجنة تحرير التعديلات الدستورية، التي تشتكي القوى الإسلامية من إبعادها عنها.

صراع سياسي بين نخب معزولة أكثر فأكثر، اقتنعت أن الحل يكمن في الالتحاق بمؤسسات النظام كأفراد ومجموعات صغيرة، مرعوبة من فكرة التخلي عنها من قبل النظام، الذي استحوذت عليه نخب منافسة، في غياب شبه تام لأي سند اجتماعي، كان يمكن التعويل عليها لحسم هذه الصراعات. كما ظهر في أكثر من محطة سياسية، وكما سيتأكد بمناسبة الاستفتاء على الدستور.

Share
  • Link copied
المقال التالي