Share
  • Link copied

الأمن التربوي لملايين التلاميذ من مسؤولية الدولة!

يبدو أن حكومة عزيز أخنوش وجدت نفسها في ورطة كبيرة بسبب القوة التنظيمية لتنسيقيات رجال التعليم وقدرتها على التعبئة والحشد لمعاركها النضالية في الساحات والشوارع، وبسبب تقليص هامش المناورة السياسية في الحوار مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، التي وجدت نفسها في مأزق كبير، وغير قادرة على التماهي مع رغبات الحكومة، مثلما يحدث في قضايا أخرى تهم قطاعات أخرى، حرصا على ماتبقى لها من مصداقية داخل قطاع التعليم.

تنسيقيات رجال ونساء التعليم في المغرب لم تعد تمثل تحديا للحكومة فقط، بل أصبحت تشكل عامل توجس للدولة بكل مؤسساتها، خوفا من انتقال عدوى الاحتجاج عبر آلية التنسيقيات إلى قطاعات اجتماعية أخرى، وهذا ما يفسر التعبئة الكبيرة التي قامت بها وزارة الداخلية في عدد من الجهات والأقاليم، بعد إعلان الحكومة عن ما سمي بقرار (تجميد) النظام الأساسي دون احترام قاعدة توازي الأشكال.

من خلال استقراء تجربة التنسيقيات في قطاع التعليم، يمكن القول بأن هناك وعي جديد بدأ يتشكل لدى جزء كبير من الموظفين يسير في اتجاه القطع مع الاطارات النقابية التقليدية، لأن الثقة فيها أصبحت شبه منعدمة، بالنظر لعدد من الممارسات والتراكمات، التي أفقدت العمل النقابي مصداقيته وقيمه النبيلة.

وجدير بالذكر في هذا السياق أن مثل هذا التحول في الوعي، ليس وليد التجربة المغربية فحسب، بل هو موجة عابرة للقارات، والجميع يتذكر ما حدث في فرنسا عندما تبلورت في الشارع حركة القمصان الصفراء، وما ترتب عن ذلك من مواجهات واحتكاكات دموية مع الموظفين المكلفين بانفاذ القانون، وما يحدث الآن في أمريكا وبريطانيا وإسبانيا من تظاهرات عارمة يقودها شباب الجامعات والمعاهد والكليات بعيدا عن التعبيرات التقليدية لوقف العدوان الاسرائيلي في قطاع غزة.

نحن اليوم أمام جيل جديد من رجال التعليم فقد الثقة في النقابات، وفي الاحزاب السياسية، جيل يقول للدولة بصوت عال: نحن هنا، وشرعيتنا تستمد من وجودنا في الشارع ومن عدالة مطالبنا، وإذا لم تعترف الحكومة لنا بهذه الشرعية، فنحن صامدون إلى أن تتحقق المطالب التي خرجنا من أجلها.

من هذا المنطلق فإن الدولة التي قبلت الاستماع لشباب عشرين فبراير إبان تشكيل اللجنة الملكية لوضع الدستور، ولعدد من الفعاليات المدنية والشبابية، ولعينة من المؤثرين في شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت اليوم مطالبة بأمرين:

أولا: تقديم عرضها الحكومي للمركزيات النقابية في أسرع وقت ممكن أخدا بعين الاعتبار وضعية ملايين التلاميذ الذين تم هدر زمنهم المدرسي وحرمانهم من حقهم الدستوري في التعليم على غرار زملائهم في التعليم الخاص الذين يقرؤون في ظروف جيدة.

ثانيا: توسيع قاعدة المشاركة لتشمل تنسيقيات رجال التعليم لأن الدولة بطبيعتها تستوعب ولا تستوعب كما قال ذات مرة الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري.

سياسة المماطلة لا تجدي نفعا، ومنطق شد الحبل لا يجدي نفعا، وتوريط وزارة الداخلية في مواجهة الالاف من رجال ونساء التعليم في كل جهات واقاليم المملكة، أمر لا يستقيم ولن تكون له أي قيمة مضافة، بل سيزيد الطين بلة وسيعقد الوضع الأكثر في وقت يحتاج فيه ملايين التلاميذ إلى العودة لفصول الدراسة.

نحن مع مأسسة الحوار الاجتماعي، ولسنا ضد تمثيلية المركزيات النقابية، ولكن تنسيقيات رجال التعليم لم تنزل من السماء، بل هي نتاج لواقع مرير على كل المستويات، وهي مؤشر على أن هناك تحول بنيوي في الدينامية الاحتجاجية، ينبغي التعامل معه بطريقة عقلانية، دون اللجوء إلى المقاربات الزجرية التي تفاقم الأزمات ولا تساعد في حلها.

أخطاء الحكومات المتعاقبة، وبيروقراطية المركزيات النقابية، لا يمكن القائها في ملعب وزارة الداخلية،كلما داق الأفق بالفاعل السياسي الذي يتولى تدبير الشأن العام، لأن وزارة الداخلية لها رهاناتها المتعددة، وينبغي لها أن تكون جزءا من الحل، مادام أن رهانها الأول هو عودة ملايين التلاميذ إلى أقسامهم، ضمانا لأمنهم التربوي.

مطالب رجال ونساء التعليم تبقى واحدة مهما تعددت التنظيمات والتعبيرات الاحتجاجية ( التنسيقيات، النقابات).كما أنها تظل من حيث جوهرها مطالب عادلة ومشروعة، يمكن معالجتها بحس وطني مسؤول، خارج منطق شد الحبل، ودون اللجوء الى إيجاد مبررات لممارسة العنف الشرعي ضد فئة عريضة داخل المجتمع، عرضتها الحكومة إلى التجويع من خلال الاقتطاعات المتكررة من رواتبها.

ومادام أن البعض خرج يشكك في نوايا الحكومة بعد تمرير الحكومة للقانون المالي لسنة 2024 في البرلمان بغرفتيه دون إحداث أي تغييرات جوهرية فيه من شأنها استيعاب الزيادات الممكنة في الأجور فالثابت أن الحكومة أمامها الكثير من الخيارات والحلول لإيجاد مخرج لهذه الازمة التي ينبغي الا تستمر لأسبوع اضافي حرصا على الأمن التعليمي لملايين التلاميذ الذين عبروا بمعية أسرهم عن حس وطني عال رغم انهم الطرف الاكثر تضررا.

اتمنى ألا تتجه الحكومة إلى تحسين دخل رجال ونساء التعليم من خلال تقليص الضريبة عن الدخل أو إلغائها كليا، دون الاخد بعين الاعتبار مبادئ العدل والانصاف وتكافؤ الفرص في العلاقة مع الاف الموظفين في قطاعات أخرى، لأن هذا الخيار سيكون بدون أدنى شك خيارا متسرعا، وفيه مساس بموازنة الدولة أيضا.

المطلوب حاليا هو رصد اعتمادات مالية إضافية، ولو اقتضى الأمر تعديل القانون المالي، الذي سارعت الحكومة إلى المصادقة عليه بشكل يطرح اكثر من علامات استفهام حول خلفية ذلك، لاسيما، وأن الجزء الأكبر من البرلمانيين الذين يفترض فيهم تمثيل الأمة كانوا غائبين.

Share
  • Link copied
المقال التالي