حصل هذا في دكار السنيغالية بين 4-8 دجنبر الحالي، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لنشأة مجلس تنمية البحوث الاجتماعية في افريقيا (1973-2023) الكوديسريا، بمناسبة انعقاد جمعيتها العامة السادسة عشرة، التي حضرها مئات الباحثين والمثقفين الافارقة، من الجنسين والأجيال.
لقاء خصص هذه السنة لمناقشة موضوع الأوبئة في علاقاتها بالعلوم الاجتماعية في افريقيا، بكل أبعادها وتداعياتها على الأفراد والمجتمعات. الجمعية العامة التي تنظم بشكل دوري كل ثلاث سنوات، لتكون فرصة للنقاش العلمي بين النخب الافريقية المتخصصة في العلوم الاجتماعية والإنسانية بمفهومها العام. جمعية عامة تستغل من جهة أخرى، لتجديد جزئي لهياكل هذه المؤسسة العلمية، كما حصل في هذه الدورة، التي تميزت بحضور بارز للباحثات الافريقيات، كانعكاس للحالة الوطنية في عموم افريقيا، التي شهدت توسعا كبيرا لحضور المرأة الباحثة في ميدان العلوم الاجتماعية، التي عرفت كتخصصات علمية تطورا واضحا داخل المنظومة التعليمية الجامعية الافريقية، ما انعكس إيجابا منذ سنوات على حضور المرأة داخل هياكل قيادة الكوديسريا، التي استغلت هذه الجمعية العامة، لمناقشة برنامج عملها المستقبلي، والوقوف على مسار التطور الذي عاشته منذ نشأتها، في بداية السبعينيات من القرن الماضي، على يد أسماء معروفة في مجال البحث والفكر، من كل عموم افريقيا، كما تم التذكير به في هذه الدورة التي تميزت بالاحتفال بذكرى عالم الاقتصاد السياسي الملاوي الأستاذ تنديكا مكندوير(1940-2020) الذي ترأس لمدة عقد كامل مقاليد رئاسة الهيئة التنفيذية في هذه المؤسسة العلمية الافريقية الرفيعة بين 1985 و96 قبل التوجه نحو مواقع علمية أخرى، على غرار التدريس في مدرسة لندن للعلوم الاقتصادية وغيرها من المؤسسات العلمية والبحثية.
زيادة على النقاش العلمي الثري الذي ساهمت فيه أجيال متعددة من الباحثين والباحثات الافريقيات، من مختلف البلدان حول جائحة كورونا، تبين من خلال النقاش تشابهاها الكبير بين الكثير من الحالات بكل الآثار التي تركتها على الإنسان والمجتمعات على أكثر من صعيد، كما كان الأمر على عالم الشغل والأسرة، في قارة عرفت انتشار الكثير من الأوبئة في فترات سابقة، كما حصل مع وباء إيبولا- وغيرها من الأمراض، التي عرفت كيف تقاومها هذه القارة الشابة، اعتمادا على حيوية مجتمعاتها وشبابها، لتشهد خلال الفترة نفسها، نموا ديموغرافيا هائلا زيادة على النهضة الاقتصادية المتفاوتة من بلد إلى آخر، رغم موجات الاضطراب السياسي والانقلابات التي شهدتها بعض الدول.
ما ميز هذه الدورة أنها شهدت اتخاذ موقف نوعي مؤيد لقضية الشعب الفلسطيني وتنديد بالعدوان العسكري، الذي يتعرض له منذ أكثر من شهرين بشكل وحشي غير مسبوق، من قبل الجيش الإسرائيلي. موقف عبرت عنه النخب العلمية الحاضرة في هذه الدورة بدكار السنيغالية، بشكل واضح لا لبس فيه. موقف النخب الافريقية، لا يمكن قراءته إلا كاستمرار للمواقف المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني الحاضر تاريخيا بين أبناء القارة السمراء، التي عانت طويلا من القهر الاستعماري في أبشع صوره، بشكله الاستيطاني، بكم العنف متعدد الأشكال الذي ارتبط به، وأشكال الاستغلال الأخرى المعروفة للثروات الطبيعية للقارة، رغم الاختراقات التي تمكنت الدبلوماسية الإسرائيلية في بعض الفترات من إنجازها، بتواطؤ مع جزء متنفذ من النخب الافريقية المتنكرة لطموحات شعوب القارة، التي عانت لقرون من ويلات التفرقة العنصرية الغربية الذي تريد إسرائيل تكريسها في الحالة الفلسطينية. بعد تأييدها الطويل في افريقيا نفسها لنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، الذي امدته بالسلاح والمال وكل مصادر القوة الأخرى، بما فيها تجنيد المرتزقة من كل بقاع العالم.
لم يكتف الأكاديميون الافارقة بالموافقة الجماعية، دون أدنى تحفظ على نص المساندة والتنديد بالعدوان الإسرائيلي الذي اقترحته مجموعة من الباحثين من أبناء المنطقة المغاربية الحاضرين في الندوة – بل زادوا عليه بمطالبة القيادة الجديدة لمجلس تنمية البحوث الاجتماعية في افريقيا – كوديسريا – بتبني هذا النداء والترويج له على المستوى العالم والقارة، بين الأكاديميين والباحثين المتخصصين في العلوم الاجتماعية، بنخبها العلمية الفاعلة وذات التأثير. رغم ما قد ينجر على هذا الموقف الشجاع من تضييق وحصار مالي، يمكن أن تلجأ له الدول الغربية المانحة ضد مؤسستهم البحثية القارية، في وقت سيطر فيه يمين متطرف على مقاليد السلطة السياسية في أكثر من بلد غربي.
نص التأييد للشعب الفلسطيني والتنديد بالعدوان العسكري الإسرائيلي، الذي ركز في بدايته على المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد النساء والأطفال ومؤسسات الشعب الفلسطيني الأخرى- بما فيها الجامعات – كتمهيد لمشروع نكبة ثانية، يريد فرضها على الشعب الفلسطيني، من خلال حربه التي ذكر البيان أنها تحصل في تواطؤ مفضوح مع الكثير من الدول الغربية في مواجهة الرأي العام الوطني لهذه الدول السياسية نفسها، التي انطلقت بقوة في تأييد الشعب الفلسطيني واستنكار ما يحصل له من قتل وتهجير. كما تبرزه المسيرات وأشكال التأييد الأخرى الحاضرة بقوة في الشارع الغربي. استنكارا لما يقوم به الجيش الإسرائيلي من عدوان. موقف يقول الباحثون والأكاديميون الأفارقة في النص الذي تبنوه بالإجماع، أن التضامن مع قضية الشعب الفلسطيني، زيادة على بعدها الإنساني، هو من صميم معاركهم من أجل الحرية والتقدم، وتنديدا بازدواجية المعايير التي يتبناها جزء من الإعلام الغربي، لن تزيد إلا في إطالة عمر العدوان بالنسبة للشعب الفلسطيني بكل ما يحمله معه من ويلات، مترتبة عن نظام العدوان والفصل العنصري الذي يراد له أن يستمر في الحالة الفلسطينية بشكل علني أمام مرأى ومسمع العالم.
ليختتم الأكاديميون الأفارقة بيانهم بمطالبة الأمم المتحدة ومختلف المؤسسات الدولية الأخرى التي يفترض فيها التحدث باسم الضمير الإنساني العمل على الدعوة إلى وقف فوري ونهائي لإطلاق النار والدعوة إلى تمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره وبناء دولته الوطنية المستقلة، لإخراج هذه المنطقة من العالم من حالة العنف المستعصية التي تعيشها منذ عقود طويلة.
تعليقات الزوار ( 0 )