“وحدها الأفلام الجيدة التى تنسيك أنك جالس في دار السينما”، عبارة وصف بها الممثل والمخرج البولندي/الفرنسي، الشهير، رومان بولانسكي، الأعمال السينمائية المميزة، أي أنها قادرة على نقل المشاهد من زمانه ومكانه، بحيث لا يعود يحس بما حوله، ويبقى غارقا في أحداث الفيلم، وتفاصيله، لغاية نهايته.
الميزة التي ذكرها بولانسكي، قد تكون من بين الأمور التي جعلت العديد من المغاربة يختارون قضاء فترة الحجر الصحي الماضي، في مشاهدة الأعمال السينمائية، من أفلام ومسلسلات، لأن أفضلهاً، حسب رومان، له القدرة على خلق عالم جديد من حول الشخص الذي يجلس في بيته، لينقله لمكان وزمان آخرين، ما من شأنه أن يساعده على نسيان مآسي الواقع في ظل الجائحة.
وتناقل المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، طيلة فترة الحجر الصحي، وبعدها، صورا لأغلفة الأفلام والمسلسلات التي شاهدوها، والتي كانت عبارة عن علاج نفسيّ جنبهم الدخول في نفق الاكتئاب أو القلق، في ظل تفشي الفيروس التاجي، وعدد الإصابات وحالات الوفيات التي تسجل، وهي أمور كلها من شأنها أن تتسبب في أزمات نفسية عديدة، وفق ما أكده خبراء عالميون.
بالإضافة إلى سلسلة La casa de papel، التي تابعها العديد من المغاربة خلال فترة الحجر الصحي، والتي تركز على جانب المتعة والإثارة والأكشن، بالإضافة إلى الغموض، فإن العديد من الأفلام، جذبت إليها المشاهد من منطلقات أخرى، متعلقة بالعلم والمعرفة والفكر، وأيضا، الخيال، وكل هذه المناحي المتعددة، منحت المواطنين خلال فترة تفشي الوباء، ملاذا للهروب من آلام الواقع مؤقتاً.
ويرى النقاد السنمائيون بأن الأفلام ليست مجرد وسيلة لقضاء الوقت والترفيه، بل إن وظيفتها تتعدى ذلك، لتصير في كثير من الأحيان نوعا من العلاج النفسي، بالإضافة إلى كونها حافزا للتعلم والمعرفة، وكثير منها ينمي الحصيلة المعرفية للأشخاص، وهو ما ذهب إليه أرسطو قديما، حين نصح بمشاهدة العروض المسرحية التراجيدية، لأنه من شأنها التسبب في هزات للفرد تمكه من الوصول للمعرفة.
وكل هذه الأمور، بدت واضحة من خلال نتائجها الملموسة التي ظرهت على مجموعة من مغاربة الـ”فيسبوك”، من خلال معاينتهم لمجموعة من الأفلام، بعد مشاهدتهم لفيلم Interstellar، للمخرج الشهير كريستوفر نولان، على سبيل المثال، والذي قال عنه شباب ممن تابعوه، إنه نقلهم لعالم موازٍ، إلى جانب أنه عصف بذهنهم وجعله يفكر في الزمان والمكان ومفهومهما والعلاقة بينهما.
فيلم The Man From Earth، هو الآخر، ترك بصمته في من شاهده، بالرغم من أن كل أحداثه تدور في مكان صغير، وجلها في غرفة، غير أن النقاش الذي جمع بين الممثلين “يسافر بالمشاهد إلى العصور الغابرة، بدءاً بما قبل التاريخ، ومرورا بالحضارة المشرقية فالرومانية ثم التي تلتها، مع تركه سؤال الخلود في ذهن المتابع في النهاية”، على حد قول أحد المعلقين عليه.
“أفلامي لا تقدم إجابات .. أفلامي تطرح الأسئلة”.. عبارة للمخرج الإسباني الشهير أليخاندرو آمانابار، معرفا أعماله باختصار، وهو الذي كان لإنتاجاته حيز أيضا في الحجر الصحي للمغاربة، عبر The Others، وكما عرفه صاحبه، فإن الفيلم لا يمنح إجابات، بل جعل مشاهده يطرح العديد من الأسئلة في النهاية، تتعلق بالجن والأشباح، و”لما لا نكون نحن الأشباح بالنسبة لمن نعتقد أنهم أشباح؟”، وهو السؤال الذي كتبه أحد مشاهدي الفيلم، ويلخص مجريات العمل الفني.
وفي سياق دي صلة، يشرح الباحث سكيب داين يونج، في كتابه “السينما وعلم النفس: علاقة لا تنتهي”، سبل استعمال الأول في التأثير الإيجابي على الثاني، بالرغم من أنه قد يبدو للوهلة الأولى أنه لا وجود لأي علاقة بين المجالين، حيث يوضح الكاتب بأن الطبيب النفسي، يمكنه اللجوء إلى مساعدة مرضاه عن طريق الأفلام.
الطريقة التي تحدث عنها داين يونج، يستخدمها العديد من الأخصائيين النفسيين، سواء عبر استعمالها لتسهيل مهمة المرضى في فهم بعض أنماك التفكير المزعجة، أو مساعدتهم في فهم قيمهم وأهدافهم، أو صراعاتهم الداخلية، كما ينبه سكيب إلى أنه سبق لأحد الأطباء النفسيين، أن لجأ إلى معالجة أحد مرضاه بفيلم “كابوس في شارع إلم”.
ويواصل داين يونج، بأن هذا المريض، الذي أطلق عليه لقب “سي”، كان قد دخل مستشفى الأمراض النفسية بسبب إدمانه على المخدرات، فضلا عن تخريبه لممتلكات شخص مسؤول عن رعايته، عانى في صغره من الحرمان عقب هجران أمه له، قبل أن يعيله عمه الذي كانت علاقته به متوترة، ليسعى طبيبه، إلى التقرب إليه عن طريق الأفلام.
وبعد مجموعة من حصص العلاج، والتي كان جلها مبنيا على ردود فعل المريض من فيلم “كابوس في شارع إلم”، وتحت مراقبة الطبيب المكلف بحالته، تمكن “سي”، من التخلص من معاناته والعودة للاندماج في الحياة الطبيعية من جديد.
ويؤكد خبراء، على أن الأفلام الجيدة، من شأنها أن تساعد على تحسن نفسية المشاهد، وتخليصه من القلق والاكتئاب والحزن، بالإضافة إلى أن العديد من الأعمال الفنية التي تتحدث عن قصص نجاح، من شأنها أن تمنح المتابع شحنة تحفيز كبيرة، كما أن أفلاما أخرى، تقدم معارف جديدة، وتساعد على “العصف الذهني”، لينمي الفرد معارفه الخاصة بمواصلة البحث عن أجوبة للأسئلة التي طُرحت في عقله بعد نهاية أي فيلم.
تعليقات الزوار ( 0 )