شارك المقال
  • تم النسخ

الأسرى: الملف الذي سيحسم الجولة من الصراع

ثمة ملاحظة مطردة سجلها عدد من الخبراء العسكريين المعنيين بتحليل تداعيات ما بعد عملية «طوفان الأقصى» تتعلق بتخبط إسرائيلي، وغياب أي رؤية أمنية أو عسكرية أو استراتيجية تنظم الرد الصهيوني على حركة المقاومة الإسلامية حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية.

العدوان الصهيوني يتجه كما العادة، لكن هذه المرة بشكل أكثر همجية، إلى المساحة المدنية (الأبنية السكنية، المساجد، المراكز الصحية، والمؤسسات التعليمية) والأرقام التي تكشف عنها وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، تبين أن النسبة الغالبة من الشهداء والجرحى هم من النساء والأطفال.

التأطير السياسي للعدوان، حسب ما أعلن عنه وزير الطاقة الصهيوني، يتأسس على فكرة تثوير الجمهور الفلسطيني ضد قيادة حماس والفصائل الفلسطينية، فالكيان الصهيوني، كما هو الطرح الأمريكي التقليدي (حصار غزة) يعتقد أن توقيف الخدمات الحيوية (الكهرباء والماء والغاز) سيدفع لا محالة إلى حالة احتقان داخلي، تنتهي بتحميل حماس وقادة لفصائل الفلسطينية مسؤولية الوضع الإنساني المأساوي في قطاع غزة.

الجواب السياسي الداخلي، التفت إلى أهمية رص الجبهة الداخلية، والتداعي إلى تشكيل حكومة طوارئ تضم إلى جانبها قوى المعارضة الصهيونية، وهو ما تم الاتفاق عليه أول أمس الأربعاء.

الدعم الدولي الذي حشدته إسرائيل، بقي محصورا في الولايات المتحدة الأمريكية والرباعي الأوربي (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا) الذين تداعوا لكتابة بيان مشترك يدين المقاومة الفلسطينية، ويشرعن العدوان الصهيوني على غزة، ويعبر عن دعم موحد لإسرائيل.

في تجارب العدوان السابقة، كان الهجوم الإسرائيلي مؤطرا بسقف واضح هو «الردع» وكانت الاتصالات التي تجري تحت الطاولة مع مصر تحديدا، تكشف المجال الذي يتحرك إليه هذا السقف، بين شروط كل من المقاومة والكيان الصهيوني.
اليوم، كل شيء ضبابي، فلا يقين في حدود جبهة المعركة، وهل يمكن أن تتوسع بشكل جدي إلى جبهة الجولان السورية أو جبهة الحدود مع لبنان (حزب الله) ولا القيادة الإسرائيلية نفسها تعرف ماذا تريد، وهل ستكتفي بإخراج عناصر المقاومة من غلاف غزة ومختلف المستوطنات التي اخترقوها، وستجعل من ضرب المدنيين بوتيرة همجية وبتسجيل أرقام خرافية ما تعادل به الصدمة التي تركها «طوفان الأقصى» أم ستتجه هذه المرة، كما يصرح وزير الدفاع الصهيوني إلى غزة، لرسم خريطة أخرى في الشرق الأوسط، تصير ضمنها لغزة صورة مختلفة عما كانت عليه منذ خمسين عاما؟

المنتظم الأممي، يجد نفسه في حالة حرج شديد، فالتأطير السياسي الذي اتخذه الكيان الصهيوني لعدوانه على غزة، يتعارض مع القانون الدولي، ومع القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومع القيم الإنسانية، بل إن استراتيجية معاقبة المدنيين بمنع الماء والكهرباء والغاز وتعطيل مختلف الخدمات الإنسانية، يندرج ضمن جرائم الحرب التي لا تحتاج إلى أي تأويل، وهي تضع الدول المساندة لإسرائيل في زاوية جد ضيقة.

مصر التي كانت دائما ملجأ يلاذ به للوساطة وتيسير سبل وقف التصعيد، توجد اليوم في وضع مختلف، فالرئيس عبد الفتاح السيسي على أبواب انتخابات رئيسية، وقد كان في وضع يحسد عليه بسبب الموقف الأمريكي والخليجي الذي أدار الظهر عنه، مما جعله يتحرك صوب روسيا والصين وإيران ثم تركيا، وهو اليوم ينظر لهذا العدوان بطريقة مختلفة، ويعرف أن أي دور يمكن أن يطلب منه، لا يمكن أن يتم بعيدا عن تقديم ثمن كبير، تغطي به الولايات المتحدة الأمريكية عن موقفها السابق تجاهه.

ولذلك، ليس غريبا، أن تتغير سياسة مصر في إدارة معبر رفح خلال هذه الفترة، وتبدو أكثر إنسانية، وربما من المثير أن توجه إسرائيل تحذيرا لمصر بأنها ستقوم بضرب أي قوافل إنسانية تعبر رفح إلى غزة!

استراتيجية معاقبة المدنيين بمنع الماء والكهرباء والغاز وتعطيل مختلف الخدمات الإنسانية، يندرج ضمن جرائم الحرب التي لا تحتاج إلى أي تأويل، وهي تضع الدول المساندة لإسرائيل في زاوية جد ضيقة

الأردن نفسها، تعيش الفرصة نفسها، فقد كانت على مدار الخمس سنوات الماضية موضوع استهداف يكشطها تماما من الخريطة، وكانت تجري عددا من الاتصالات لمقاومة الشق المستهدف لأمنها ووجودها في «صفقة القرن» ولذلك فهي تنظر بشكل مختلف لخريطة الصراع، وتعتبر أن التهديد الداخلي الذي تشعر به إسرائيل، من كل المحاور، سوى المحور الأردني، يقوي وضعها، ويؤجل المخططات التي تستهدف وجودها.

المهزومون نفسيا وفكريا، وقصيرو النظرة الاستراتيجية، يعتبرون أن وجود حاملة طائرات أمريكية فورد بمياه المتوسط على مشرفة من الكيان الصهيوني، وإبحار حاملة الطائرات إيزنهاور للالتحاق في بضعة أسابيع بالمكان نفسه، مخططا أكبر، أو فرصة سانحة، لتوسيع حدود إسرائيل، وتنفيذ الجزء الأكبر من حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، لكنهم، ينسون أن أمريكا تواجه تهديد شرقين، شرق (روسي صيني) وشرق تمثله المقاومة في منطقة الشرق الأوسط، وأن قدرتها على إدارة المعركة في كل هذه الواجهات، أمر غير متحمل، فكبير الاستراتيجيين الأمريكيين، وزير الخارجية الأسبق هينري كيسنجر، دائما ما انتقد الإدارة الأمريكية وقدّم نصحه بضرورة عدم فتح جبهتي روسيا والصين في وقت واحد، فما بالك بفتح جبهة الشرق الأوسط هي الأخرى في التوقيت نفسه.

حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي لا يتوقع منها عربيا ولا أوروبيا أي رؤية لتحريك مسار التسوية، والدول العربية (خاصة المغرب) التي اضطرت لاعتبارات خاصة بها إلى الانخراط في مسار التطبيع، ستجد الفرصة لإبطائه إلى أبعد الحدود، وحتى الدول التي كانت جريئة في هذا المسار (الإمارات والبحرين) ستكون بفعل المشترك العربي، مضطرة إلى نوع من الإبطاء، أو التجميد المؤقت.

في الواقع، ليس ثمة أي أفق واضح لمستقبل العدوان الصهيوني على غزة، فالتكافؤ في استراتيجية الردع بين حماس والفصائل الفلسطينية (رشقات الصواريخ التي تستهدف إخلاء المدن وتثير الداخل الإسرائيلي ضد حكومة نتنياهو) وبين الكيان الصهيوني (ضرب المساحة المدنية والخدمات الحيوية فيها لتثوير غزة ضد فصائلها المقاومة) لن ينتهي بإسكات المقاومة، والخوف من اشتعال كل الجبهات سيؤجل خيار الهجوم البري على غزة، وكلما تأخر هذا الخيار، صار استبعاده هو الأنسب، كما أن الحاجة الأمريكية لإدارة متكافئة للصراع على جبهة الشرقين المتعددين، سيدفعها إلى البحث عن خيار للتهدئة، بعد أن تعطي للكيان الصهيوني بعض الوقت للتشفي من قتلى وضحايا «طوفان الأقصى».

ولذلك، وسط هذا الكم الهائل من الضربات الجوية والمدفعية، لن يكون الدوي إلا لصوت واحد، هو مصير الأسرى لدى فصائل المقاومة الإسرائيلية، خاصة وأنها أثبتت قدرتها على إدارة جيدة للمعركة النفسية والإعلامية ضد العدو الإسرائيلي.
في التجارب السابقة، كان وقف التصعيد ينتهي دون أن تلتزم إسرائيل بأي تعهد قطعته على نفسها أمام الوسطاء، وتحديدا مصر، لكن، هذه المرة، وبسبب الاستهدافات الإسرائيلية للمتكررة للقدس، وبسبب الموقف الأمريكي من كل من مصر والأردن، ستكون أمام المقاومة ورقتان هامتان لفرض شروطها، ورقة الأسرى، وورقة الدعم العربي والإسلامي.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي