تعتبر ظاهرة الأحزاب السياسية في المغرب المستقل من أهم الظواهر التي شكلت مسار جدل بين الفاعلين الدولتيين وغيرالدولتيين من جهة، وبين الفاعلين السياسيين والمدنيين والحزبيين أنفسهم من جهة أخرى، حيث إذا كانت مقاربة سلطة / معارضة هي التي طغت على فترة السبعينات عن طريق صيغ مختلفة لعل أهمها ( الكتلة، الوفاق، التناوب، التوافق …) حيث بالرغم من أن حكومة التناوب التوافقي شكلت لحظة تاريخية حاسمة في التاريخ السياسي المغربي بحكم أن المغرب في هاته الفترة دخل في مسارات مختلفة وأصبحنا نتحدث عن مفاهيم متعددة داخل الأحزاب وخارجها ( انتقال ديمقراطي، انفتاح سياسي، مشروع ديمقراطي حداثي…) إلا أن هاته الفترة أصبح الطابع المهيمن للأحزاب السياسية للمغرب هو التشتت والبلقنة، وبعد الخروج عن المنهجية الديمقراطية لسنة 2002 ودخول المغرب مسارات سياسية مختلفة، وبزوع الربيع العربي، وظهور حكومة العدالة والتنمية المكونة من الأغلبية،حيث ظهر إلى السطح مئات البرامج، حيث أنه بالرغم من الرهانات والإرهاصات الدستورية التي جاء بها دستور 2011،باعتبار أن العديد من المطالب أصبحت مكاسب،وبالرغم من النقاش العمومي السياسي الذي خلفه دستور 2011 يبين ذلك انطلاقا من حجم وقيمة المذكرات التي قدمت إلى اللجنة الاستشارية التي أشرفت على صياغة هذا الدستور الذي اعتبره الكثير من الباحثين و الخبراء الدستوريين أمر مهم بالنظر إلى قيمته ودسترته للعديد من الإشكاليات الكبرى التي جائت نبض المجتمع المغربي وحراكه. إلا أننا نجد في المقابل أن انعدام الوضوح الإيديولوجي لدى أحزابنا هو السبب وراء كوارثها.
وهنا يطرح إشكال عريض هل غياب البرنامجية و المشروع المجتمعي الذي يمكن أن يحقق لنا الوعي المجتمعي والذي بواسطته يمكن بناء دولة ديمقراطية حداثية يندمج فيها الجميع بجميع تلاوينه.
إن غياب البرنامجية والمشروع المجتمعي لدى أحزابنا يؤثر بشكل سلبي للإجابة عن الأسئلة الجريحة والحرجة التي يطرحها المجتمع ويجعلنا أمام انعدام الثقة في الأحزاب،وبالتالي ازدياد أزمة الثقة في المؤسسات وارتفاع الهوة الهوة بشكل كبير بين الدولة والمجتمع،وقد أكد تقرير النموذج التنموي الجديد بلغة صريحة على أن المجتمع المغربي لايثق في المنتخبين والفاعلين السياسيين (انظر الإطار رقم 1 ص20 من التقرير العام للنموذج التنموي الجديد ).
إن راهنية المرحلة التي يشهدها العالم بسبب جائحة كورونا ومع قرب موعد الانتخابات، يطرح هذا الإشكال بحدة حيث إذا كان السلبية هي التي طبعت تاريخ الانتخابات بالمغرب، وإذا كان المال هو الذي يطبع الانتخابات بالمغرب بالنظر إلى الزبونية والبلقنة والفساد، فإن سيناريوهات المرحلة تتطلب منا إما أن نتحالف وراء أقطاب قوية لها برنامجية وأجندة تتضمن مشروع مجتمعي ذوقوة اقتراحية حقيقية للخروج من السلبية التي كانت سببا في سحب الثقة، وبالتالي اللامشاركة واللاتسييس التي كانت نتائجها كارثية.
إن طبيعة المرحلة تتطلب من أحزابنا إما أن نكون في زمن معولم لا يرحم أو لا نكون، ولكي يكون من الواجب أن نصحح أخطاء تاريخنا السياسة العميقة وعدم تكرارها، لكي لا ندخل مرة أخرى في خطاب وفعل سياسي تشوبه السلبية والانتظارية.
باحث قي مركز الدكتوراه مختبر بيئة، تراب، تنمية بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
تعليقات الزوار ( 0 )