أمام واقع غريب يتسم بتناقضاته الصارخة، وانفصام لا مثيل له بين الأقوال والأفعال، في عوالم السياسة والمال والأعمال، يأسف الضمير الحي على مجاراة الطريق المنحرف، الذي يريد أن يؤسس لعبارة أطلق عليها ظلما وعدوانا متطلبات المرحلة!
فكيف يعقل للعاقل، أن يتقبل الخطابات المنادية بالصدق، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والشفافية ودولة الحق والقانون والعهد الجديد، وغيرها من المفاهيم الثقيلة، والجميلة التي يسعد من يسمع لها، لما لها من وهج احساسي مفعم بعدالة والحق، والاخلاص لثوابت الأمة الراسخة في وجدان الشعب، والموروثة بتراث عريق لا ينكره إلا جاحد.
إذ، أن أنصار التقليد الأعمى، يقلدون كل شيء، بدءا بالثقافة اللغوية، مرورا بالبرتوكولات المظهرية، ويتغاضون عن المهم، خلاصته نكران الذات، وتحمل المسؤولية، والسبق للاستقالة من المسؤولية في حالة الوقوع الأخطاء الفادحة، أو الهفوات الكارثية، عوض انتظار الإقالة. فلا يعقل لمن يدعي الثقافة ويسهر على حماية الحقوق، والدعوة إلى حرية الرأي والتعبير، أن يجنح للاختباء من رأي عام ينادي بالترفع عن الذاتية، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي، والحياة الحزبية الاقصائية في أغلب الأحيان، والتي تحولت لضيعة محاطة بسياج شائك يمنع الترقي، أو الولوج إليها دون ضمانات متعلقة أساسا بالولاءات والصفقات وهندسة الانزالات، وكثرة الولائم والحفلات، في المقابل يتم تهميش المواهب والمهارات، والزج المبالغ فيه، بأصحاب أوراق الشهادات الأكاديمية، كمعيار وحيد لتحمل مسؤولة ما، عوض السماع للأفكار الجديدة، والتي قد تكون معبرة، ولو كان مصدرها من شخص لم يلج المدارس الرسمية في حياته قط.
ولعل بلادنا التي تقع في محيط مليء بمختلف التحديات، حتما ستكون مستهدفة من الأصدقاء قبل الأعداء، بيد أن هذا الاستهداف قد يولد نتائج أقل حدة! لو قام الضمير بصحوة من تلقاء نفسه، وابتعد عن تقديس الكراسي، و تمعن في النظر إلى الديمقراطيات العريقة، ومدى تأثير الرأي العام على مسار الحياة السياسية للكثير من صناع القرار، دون التورط كما يقع لنا هنا، في الفضائح وخرق القوانين، واعطاء صورة سيئة عن المشهد السياسي الوطني، رغم المجهودات الكبيرة التي بدلتها الدولة المغربية في مأسسة العمل السياسي وفق ضوابط، تراعي الاحترام، والإخلاص للواجب أولا وأخيرا، لا الإخلاص للكراسي أو الحزب أو القبيلة، أو المال أو الشهرة الفانية. فالمغاربة يحتاجون للصحوة والمنطق في عالم السياسية من خلال الاعتياد على الاستقالات في عوارض موضوعية، لا انتظار الإقالات وما يتبعها من حرج للجميع.
كما أن الجانب المرتبط بالحقوق، خصوصا المرتبطة بحقوق الإنسان يبدو أنه قد بدأ ينحرف عن مساره الطبيعي، وتحول لوسيلة للضغط ليس إلا! بهدف الحصول على مناصب نفعية معينة، أو مناصب قيادية بارزة، بل وصل الأمر عند البعض لدرجة الخيانة، والإساءة لمؤسسات الدولة الدستورية، في الكثير من الاحتجاجات، حيث يتم اللجوء إلى منظمات أجنبية تكن للبلاد العداء منذ أزل بعيد، وبل وصل الأمر بهم إلى درجة الافتراء، وخلق الأكاذيب، واتقان الألاعيب، لهدف واحد، هو الإساءة للبلاد، والاستهزاء بتاريخ العباد. فهاهي المنظمات التي تدعي الحقوق تدافع عن القتلة والمغتصبين، والمناوئين للوحدة الترابية، بل تشوه سمعة البلاد من خلال حرق بعض الرموز كما وقع للعلم الوطني، ناهيك عن العداء العرقي أو الاديولوجي أو الديني، الذي توظفه أو يوظفه البعض، ويتم تكيبفه مع حقوق الإنسان الكونية، بهدف الوصول لمبتغى الاقصاء، وتهديد وحدة البلاد، وتلاحم شعب متنوع، أجمعت كل المصادر التاريخية، على سلمية تعايشه مع مختلق الثقافات والروافد، بعيدا عن مفاهيم التنافر، والصراع الذي يساهم فيه من يصطاد في الماء العكر، بانحرافه وتشتيت جهود الجميع بهدف أكل الغلة وسب الدمة. كما أن السياسي الذي لا يخجل حين يدافع عن أشياء جوهرية، في المنظومات السياسية الاقتصادية وحتي الإنسانية، في حين يتم التحايل عليها و بدون خجل، ولا يبالي أصحابها بأننا في بلد المغرب، نطمح جميعا إلى الالتحاق بمصاف البلدان الصاعدة، هذا الطموح للأسف تعرقله أفكار لا تؤمن بالتناوب ومقدسة للمناصب ومتعجرفة لأنانية الأنا! ولا أحد سوى أنا، مع التمادي في الاستهتار عند تحمل المسؤولية، والتحايل عند الاعتراف بالأخطاء. ولعل اعتبار منهج الاستقالات من المناهج التربوية و السياسية لأمر محمود في عالم اسمه نكران الذات. فالبلاد مليئة بالكفاءات، ومفعمة بشعب يسعى لكي يرفع رايته عاليا، بعيدا عن التفاهة و”جدبة” الانتخابات، جدبة ربما تسعى إلى بناء تحالفات واضحة وضوح الشمس في فصل الصيف عنوانها جوهره نفسي ثم نفسي، ولا تهمني إلا نفسي وأبنائي وأسرتي وعشيرتي المطيعة! وكأننا خرقنا ازمنة، ودخلنا مباشرة في زمن يشبه يوم القيامة، رغم أن قيامة البشر حتمية في دنيا تافهة، قصيرة غير عادلة بشهادة التاريخ والشرائع السماوية والديانات الوضعية!
فالمجد لشعب مسؤول، في وطن يحتضن الجميع، والهداية لمن ينظر ويتمعن في حجمه الحقيقي، حجمه المكشوف أمام مرآة، مرآة أظن أنها تعكس حقيقة الجميع.
تعليقات الزوار ( 0 )