الفضاء العمومي ببعديه الواقعي والافتراضي كان مزدحما بخبرين : فيروس كرونا و استقالة اخنوش
أهم ما ثم تسجيله هو سرعة انتشار الخبر بشكل كثيف و موسع في اقل من عشر ساعات من اذاعة الخبر / الإشاعة , حيت اصبح الموضوع الأول للنقاش العمومي. وهو مؤشر دال يكشف مجموعة مؤشرات للتفكير في اسباب و دواعي سرعة الانتشار.
المهم ليس مضمون الإشاعة, إنما الأهم هو سرعة انتقالها و تداولها بين الناس بشكل ملفت للانظار و مثير للانتباه .
مسؤولو الحزب التزموا الصمت و منحوا فرصة لكي تنمو النمو الاشاعة و تنضج , وهو ما يغذي فرضية التوظيف الحربي للاشاعة من طرف الحزب المستهدف بمفعول الاشاعة , من خلال استعمالها كتكتيك حربي عبر منح انتصار وهمي للخصوم ومصدري الاشاعة بمافيه فرضية جهات من الحزب نفسه كما ذهب الى ذلك المحلل السياسي منار اسليمي .
بعد نضج الاشاعة يتم التدخل من اجل النسف و القضاء النهائي على مفاعيلها و أثارها السريعة الانتشار و من خلال الانتصار لشخصية البطل / اخنوش , وهو امر ربما يستعيد فلسفة الافلام الهندية بخصوص المصير الغامض للبطل , بعده يعود قويا لكي يقتحم الميادين و يهزم الخصوم !
ربما هذه الفرضية هي الأقرب إلى الواقع , من خلال مؤشرات اجماع المكتب السياسي و الذي ترأسه اخنوش , إن الإشاعة مجرد حرب ضد نجاحات الحزب بحسب تصريحات المقربين منه , وهو الامر الذي تاكد من حجم الاشهار لجلسة عادية للمكتب السياسي, و اصبح مجرد الحضور من طرف رئيس الحزب انجازا في حد ذاته .
قيمة الحدث ليس في مضمونه و لكن سرعة انتشاره وهو ما يستدعي الوقوف اسباب سرعة الانتشار داخل الفضاء العمومي .
صحيح ان الاشاعة تتضمن جزءا من الحقيقة , و في الوقت ذاته يعتريها نوع من التلفيق , فهي كل خبر مقدم للتصديق دون أن يكون له معايير الفصل بين الصدق و الزيف , حيت يتم نشرها فهي ظروف معينة ولهدف يريده المصدر دون علم الآخرين .
سرعة انتشار الخبر / الاشاعة يكشف حجم القبول الاجتماعي لمضمونها , فانتشارها يعني وجود الحافزية و تملكها و نشرها , وهو مؤشر مهم لقراءة توجهات الرأي العام حول موضوع سياسي مهم , في ظل تنافس انتخابي غير مسبوق الخاص بمحطة 2021 , و التي يعتبرها الحزب محسومة لصالحه .
الخبر/ الإشاعة كشفت حجم القبول الاجتماعي بخروج اخنوش من الفعل السياسي لعدة اسباب منها :
أولا : قوة خصومه
اخنوش يعتبر الخصم الاول و الأكبر للعدالة و التنمية لاسيما بعد التغييرات الكبيرة التي عرفها حزب الاصالة و المعاصرة و انتخاب وهبي المقرب من بنكيران , وهو مايعني ان الكتائب الالكترونية النشيطة التابعة للحزب قد غيرت مواقع المواجهة من العماري الى اخنوش , فالعقيدة السياسية لحزب العدالة و التنمية تتقاطع مع عقيدة المحافضين الجدد المتظمنة في كتبات ليو ستروس Léo strauss , و التي تنص على ان بناء الوحدة الداخلية مشروط بوجود عدو خارجي .
هنا يفهم قيمة التحول البرغماتي داخل حزب الاصالة و المعاصرة و الانتقال من منطق الصراع مع العدالة و التنمية الى منطق اللا- صراع , مما يقود الى خلخلة البناء التنظيمي للحزب من الداخل لان انتفاء العدو الخارجي يقود الى بروز التناقضات الداخلية للحزب مما يفقده قوته التنظيمية كحزب يتقوى كما زاد الضغط عليه .
فبناء الإجماع و التماسك الداخلي رهين بوجود خطر خارجي مهدد للحزب , و هو الخطأ الذي ارتكب في تجربة الأصالة و المعاصرة لاسيما مرحلة الاتجاه الاستئصالي لالياس ألعماري . فاضعاف حزب العدالة رهين بتخفيض منسوب التوثر معه و جعله حزبا بلا خصوم خارجيين لبناء خصوم الداخل او على خلق مساحات التوثر داخل التنظيم من خلال البحث على مشروعية جديدة للتماسك و الوحدة بعيدا من منطق المظلومية و وجود الخطر الخارجي .
ثانيا : رمزية الهدم بتاغزوت
قرار الهدم الجزئي لمشاريع تجارية مملوكة لاخنوش , بناء على غضبة ملكية , و في ظل عدم فعالية الاجهزة الرقابية المحلية و الاقليمية , منحت للرأي العام الوطني جرعة راحة نفسية من شخص كان يقدم نفسه انه الصديق الاول للملك .
قرار الهدم له دلالات رمزية كبيرة تلقفها الراي العام بارتياح, لاسيما نجاح مؤيدي اخنوش في ترسيخ صورة ان الرجل صديق للملك , يعني امتلاك حق الفيتو لتجاوز القانون قانون التعمير , و امتلاك الضوء لترأس حكومة 2021 .
فقرار الهدم منح للراي العام الوطني جرعة طمأنينة ان اخنوش مجرد مواطن عادي , و مجرد امين عام عادي , و انه تسري عليه مقتضيات المخالفات في مجال التعمير كما تجري على اي موطن .
ثالثا : المغاربة يكرهون الاغنياء .
من الدروس المستفادة من قرار المقاطعة للمنتوجات الثلاث أن الرأي العام الوطني يميل الى كراهية الأغنياء وهو مؤشر سوسيولوجي مهم , يكشف حجم التباعد بين الفقراء و الاغنياء مما يقوى مساحات الحقد و الكراهية , و يقوض جهود السلام الاجتماعي لاسيما في ظل ضعف و تأكل الطبقة الوسطى كطبقة ضامنة للاستقرار و الامن الاجتماعيين .
فالتمثل الاجتماعي حول الاغنياء مشحون بالكثير من الشحنات السلبية الحاقدة , وهو أمر لا ينطبق على اخنوش فقط , و انما على الطبقة المخملية التي راكمت الثروات كبيرة من مقدرات الوطن . العلاقة العدائية بين الفقراء و الاغنياء تمثل بلا شك عنصر ازعاج لاسيما اذا حاول الاغنياء/ اخونش نموذجا , المزواجة بين المال و السلطة و الجمع بينهما, فالامر سيقود الى مضاعفة منسوب الحقد و الكراهية مما يضعف منسوب الثقة في مؤسسات الدولة .
رابعا : الراي العام لا ينسى
تسريع وثيرة انتشار الخبر / الاشاعة يكشف ان خلفيات الانتشار السريع لها مسوغات نفسية ترجع بالاساس الى الصورة اللا- اجتماعية حول شخصية الرجل كتاجر ثري , يبحث فقط عن المال و السلطة . مما يفقده السند الشعبي و الاجتماعي كاساس للقبول الاجتماعي , عكس شخصية بنكيران و الذي كان لا يملك الا الكلام و القدرة على التقاط هموم المغاربة و تحويلها الى خطاب سياسي شعبي و شعبوي .
بين من يملك المال و من يملك القدرة على الحديث باسم الناس , تختلف مشروعية الرجلين , و بالنتيجة يكون الرأي العام الوطني لا يحمل اي مودة خاصة للرجل , و لصورته لاسيما في خطابات حزبه و لدى انصاره و الذين يعتبرونه الرجل الوحيد القادر على مواجهة البؤس , و على بناء الثقة وهو خطاب حماسي نسي نفسه , و نسي ان الفاعل الاول بالمملكة هو الملك . وان الشعب المغربي لا يثق الا في سقوط المطر و في الملك .
الراي العام لم ينس مجموعة من التصريحات حول اعادة التربية للمغاربة , مما يفسر ان تلقي الاشاعة و التمسك بها لم تكن لاسباب موضوعية , فالمواطن لا يبحث عن الحقيقة ولكن عن الراحة النفسية و التي وجدها في خبر او نصف خبر او حتى اشاعة برحيل رجل غير مقبول اجتماعيا . فالانتشار الكثيف للاشاعة يكشف طبيعة الفضاء العمومي المغربي الغير العقلاني , وهو ما ستدعي نضالا مستمرا من اجل رفع منسوب العقلانية و فق تصورات يروغن هابرماس و بالتالي تحريره من كافة أشكال اللاعقلانيات ببناء وعي عقلاني يملك اليات التحليل و المناقشة و النقد , و اتخاذ المسافات المناسبة من كل ما يروج من افكار و تمثلات .
خامسا : نصف استقالة
الخبر / الاستقالة , يحمل في ذاته الصدق و نقيضه , لان المؤشرات المتسارعة تكشف ان الاعداد لمحطة 2021 ينبغي ان يكون استراتيجيا و بدون خطأ , من خلال تدخل دقيق لانتاج حكومة منسجمة قادرة على تنفيذ النموذج التنموي الجديد الجاري إعداده من طرف لجنة ملكية .
فخبر الاستقالة يبقى خبر بدون فعالية على مستوى مضمون الخبر , لان الأهم انه منح فرصة لمن يهمهم الامر لقراءة الرأي العام الوطني حول مشروعية اخنوش كأمين عام حزب يقدم نفسه انه سيكون المتصدر لنتائج الانتخابات في 2021 .
فسرعة انتقال الخبر يكشف حجم و طبيعة مشروعية الرجل السياسية و الاجتماعية و التي تضررت اجتماعيا و رسميا , فالملك دائما يكون بجانب الشعب و ليس ضده , فقرار المقاطعة المقاطعة و تصريحات اعادة التربية و الطقوس الاحتفالية التي يحضى بها الرجل في لقاءاته السياسية كلها عوامل ساهمت في ضعف منسوب الثقة بين الراي العام الوطني و رئيس حزب الاحرار .
القطيعة مع الرجل أكدتها مفاعيل الغضبة الملكية حول مشروع تاغزوت ورمزية قرارات الهدم , مما يقود الى استنتاج نهائي ان اخنوش لم يعد اخنوش , و ان مرحلة جديدة قادمة في الحزب من خلال اعادة الاعتبار للفعل الحزبي كتنظيم مرتبط بالتنظيمات و ليس بشخص ثري .
ربما التحدي الحقيقي امام حزب التجمع الوطني للاحرار ليس هو الدفاع عن اخنوش و حتى تقديسه , لكن التخلي عن فكرة الشخص و شخصنة الحزب , الى بناء حزب بمؤسسات صلبة قادرة وهو مشروع لا يتحقد الا بتدفق منسوب النقد داخل الحزب بدل المدح و التقديس .
.
تعليقات الزوار ( 0 )