يتميز المغرب بظاهرة الاحتجاجات إزاء ضعف الاهتمام بالتنظير لهذه الظاهرة، وللظواهر الاجتماعية عموما، حيث يعاني علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية، في الوقت الحالي، من غياب الاهتمام بالنظرية مقارنة مع التقدم الذي حققته المناهج في القرن العشرين(ريتشارد سويدبيرغ Richard Swedberg). وعموما، لا توجد نظريات مغربية عامة تفسر الظاهرة الاجتماعية في المغرب، فباستثناء نظرية عالم الاجتماع المغربي، بول باسكون Paul Paskon، مجتمع مركب، لا توجد نظريات مغربية مفسرة لمجمل الظواهر الاجتماعية في المغرب. إزاء هذا الفراغ، يعد الاحتجاج من الظواهر الأكثر انتشارا في المجتمع المغربي، والتي تحتاج إلى نظرية عامة. فبالموازاة مع الزخم الاحتجاجي، لا يوجد تفسير عام يتخذ طابع النظرية العامة. وهو ما قد يُعزى إلى الاهتمام أكثر، في البحث، بمناهج البحث، مقارنة مع قلة الاهتمام بمناهج صياغة النظرية، أضف إلى ذلك، قلة الدراسات الإثنوغرافية المطولة، والتي تعتمد طرق صياغة النظرية، وأهمها الملاحظة المشاركة. ولعل قلة الباحثين الأنثروبولوجيين، أو قلة المهتمين بإعداد الأبحاث الأنثروبولوجية قد تعد سببا في عدم الإقبال على إنتاج النظريات.
وعلى الخلاف من ذلك، نلاحظ تراكم عدد من الأعمال التي قاربت ظاهرة الاحتجاج في المغرب. تقدم نصوصا تعتبر أنه يوجد محرك رئيسي لهذه الاحتجاجات، يتمثل في الإحساس بغياب العدالة الاجتماعية(الحكرة). من بين هذه النصوص التي قاربت المفهوم، نذكر دراسة عبد الرحمان رشيق بعنوان(الحركات الاحتجاجية في المغرب: من التمرد إلى التظاهر، 2014)، ثم مقال لسعيد بنيس(المجتمع المدني والفعل الاحتجاجي في المغرب: أشكال مفاهيمية جديدة)، في مجلة أبحاث، عدد 61- 62، صفحات 6- 11)، والذي عالج فيه مفهوم الحكرة، كيف ظهر، ثم أين يتجلى.
إلى جانب هذه الأعمال، توجد نظرية مصطفى بوعزيز، والتي تفسر الحركات الاجتماعية في المغرب. عبر هذه النظرية، يمكن قراءة الحيف الذي يؤطر حركات مغرب اليوم، بحسب مصطفى بوعزيز، في الزمن الطويل للحركات الاجتماعية، حيث يرتبط بعقلية الاحتجاج لدى المغاربة، إذ يعتبر، بوعزيز، أن الحركات الاجتماعية المغربية إلى حدود 20 فبراير، خاضعة لما يمكن أن نسميه نموذجا مغربيا للحركات الاجتماعية، والذي يشمل الإحساس بالدونية. هذا المفهوم المرتبط بالحيف يلتقي، بحسب مصطفى بوعزيز، مع المعنى الذي يقدمه التاريخيون للحركة الاجتماعية، حيث يعتبرونها “تحركا جماعيا وسط المجتمع، يتأسس على قاعدة حيف، وشعور بالدونية une mise au minorité، وينطلق بهدف رفع الغبن، وجبر الضرر”. بحسب مصطفى بوعزيز، رُكز رد الفعل ضد الحيف، أي الإحساس بالدونية، في المغرب، ليس فقط في الثقافة، وإنما في كافة المجالات، وبالتالي، فالمغاربة موجودون في مرحلة الدونية على مستوى الحركات الاجتماعية.
وتعود جذور هذا الحيف إلى نشأة الحركة الوطنية، حيث يرى مصطفى بوعزيز أن الحركة الوطنية المغربية هي حركة اجتماعية كبيرة قبل أن تكون حركة سياسية، تشكلت كرد فعل ضد الحيف، فهم أغلبية في البلاد، ولكن في المجتمع هم دون الآخرين mise au minorité. وهذا، بحسب مصطفى بوعزيز، رُكز في المغرب في شتى الميادين، ليس فقط في الثقافة، رُكز في الفلاحة العصرية مقابل الفلاحة التقليدية، و المدينة القديمة إزاء المدينة العصرية، كما رُكز، في مجال الشغل، الذي كان يعرف فوارق أجرية، ولو أنهم يقومون بنفس العمل. بمعنى أن المغاربة موجودين في مرحلة الدونية. وهو نفس المفهوم الذي سيكون عند الحركات التي تفرعت لاحقا من الحركة الوطنية بحسب مصطفى بوعزيز.
ويضيف أن المغاربة عندما بدؤوا في القيام بالعمل المدني، كانت مطالباتهم أن يكونوا مثل الأوروبيين بالمغربة، أن تكون لهم نفس الحقوق، الحق في التعليم، في الصحة، الحق في نفس الأجر، الحق في الفضاءات، إذ كانت هناك فضاءات غير مسموح بأن يلجها الأهالي. كان هذا الحيف موجودا، وتراكم مدة، وسيؤدي بالحركة الوطنية إلى أن تصبح حركة اجتماعية لرفع الحيف. وهذا هو الذي يشرح، بحسب مصطفى بوعزيز، لماذا فيها العامل، وفيها المديني والبدوي، والبورجوازي. حتى البورجوازيين كلهم كانوا في الحركة الوطنية، ومستوياتهم الاجتماعية مختلفة عن الآخرين، ولكن ما كان يجمعهم أنهم في مرتبة اجتماعية دونية أمام الآخرين. ومن هنا، بحسب بوعزيز، كان رد فعل واجتمعوا. وهذه الحملة الكبيرة للحركة الوطنية، كحركة اجتماعية، بحسب بوعزيز، تفرعت منها الحركة النسائية في الأربعينات، الحركات الكشفية، الحركات الرياضية، الحركة المسرحية، حركة الشباب الذين سيعطون فيما بعد الاتحادات الطلابية.
يستدعي هذا النموذج النظري طرح السؤال التالي: إلى أي حد يصلح إطار اللاعدالة كنموذج تفسيري للحركات الاجتماعية بمغرب اليوم؟ بمعنى هل هو عامل حاسم في تفسير الظاهرة الاحتجاجية في المغرب؟ أو بالأحرى متغير تابع؟ وكيف ظهرت الحكرة المستمدة من بنية اجتماعية، وثقافية في ميدان الحركات الاجتماعية في المغرب؟ فهل لديها علاقة بتحييد الحركات الاجتماعية المغربية عن دائرة الصراع السياسي؟
نقارب الجواب على هذا السؤال عبر توضيح الزخم الاحتجاجي في المغرب منذ حصوله على الاستقلال، في المحور الأول، في حين نطرح في المحور الثاني، فرضية رئيسية، تتكون من مقترحين نظريين، كمدخل نظري لمقترح صياغة نظرية عامة للحركات الاجتماعية المغربية.
أولا: المغرب بلد الاحتجاجات
يمكن توصيف المغرب بلد الاحتجاجات، باعتبار أنه كان، ولا زال يعرف الظاهرة الاحتجاجية، وما فتئت تتنامى، وتتطور مع التحولات المجتمعية. لقد عرف المغرب مبكرا الظاهرة الاحتجاجية، خلال مرحلة ما قبل الاستعمار، حيث تمحور الاحتجاج حول النضال من أجل السلطة، ورفض أداء الضريبة، والتي ذكرها إدموند بورك Edmund Borg، في كتابه الاحتجاج والمقاومة في مغرب ما قبل الاستعمار. وبعد استقلال المغرب، توسعت ظاهرة الاحتجاج وارتفعت بشكل كبير، حيث عرفت سنوات الستينات، والسبعينات، صراعات عنيفة بين المعارضة والنظام، سميت بسنوات الرصاص، كما شكل الطلب على الدولة الراعية أحد البراديغمات البارزة للاحتجاج، عبر المطالبة بدور الدولة في توفير التعليم، والعمل القار. فسنة 1965، عرف المغرب انتفاضة كبرى بسبب إصلاح جزئي في التعليم الثانوي، وسنة 1981، عرف المغرب، انتفاضة أخرى بسبب الزيادة في أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، وفي دجنبر 1983، تظاهر التلاميذ للتعبير عن رفضهم لمشروع قرار حكومي يقضي بزيادة رسوم التسجيل بالباكالوريا، وبالكلية، وبالرغم من إصدار تكذيب وزاري في هذا الشأن، فقد نتج عن هذا الإجراء/ الإشاعة عدد من الحركات الاحتجاجية التي قام بها التلاميذ. وسنة 1984، تم الإعلان عن تدابير تمس بمجانية التعليم، مما أدى إلى تعبئة كبيرة في مختلف مناطق المغرب.
وفي سنوات التسعينات، شهدت مدينة الرباط احتجاجات الشباب العاطل من حاملي الشهادات، من أجل المطالبة بالعمل القار. ومنذ سنة 2005، عرف المغرب موجة احتجاجية تطالب بدور الدولة في رفع التهميش، ومسيرات سنة 2010، لفك العزلة عن المناطق الجبلية النائية في الأطلس المتوسط. ومع بداية سنة 2011، ظهرت دورة من الاحتجاج للمطالبة بالتغيير، سميت بحركة 20 فبراير.
وفي خريف سنة 2016، شهدت مدينة الحسيمة حركة احتجاجية بعد حادثة طحن بائع السمك محسن فكري، مما قاد إلى تجمع، وقام قادة الحركة(لجنة الحراك) من أبناء منطقة الريف بتعبئة الساكنة، مع تحضير ملف بطريقة تشاركية بسبب الإحساس المتراكم باللامساواة، والتهميش لدى الساكنة الريفية لعدة سنوات. وبعد تلبية مطالب الحركة، عبر التدخل من أجل تسريع وتيرة التنمية، توسعت دورة التعبئة إلى جزء كبير من المدن المغربية التي تعاني التهميش. كما عرفت نفس السنة، موجة احتجاجية للأساتذة لمتدربين، وسنة 2017، برزت احتجاجات زاكورة، وجرادة بعد وفاة شقيقين في منجم لاستخراج الفحم الحجري، حيث تحولت المظاهرة إلى المطالبة بتنمية المدينة.
بحسب تصريح لوزير الداخلية المغربي، في سنة 2016، تم تنظيم حوالي 14.400 مظاهرة في الشارع، بمعدل 39 مظاهرة في اليوم، وتجاوبت السلطات إيجابا مع تنظيم 9581 مظاهرة في الطريق الرئيسي خلال الفصل الأول من سنة 2017. وشهدت سنة 2018، ظهور تنسيقية الأساتذة المتعاقدين، وحركة مقاطعة بعض المواد الغذائية على شبكات التواصل الاجتماعي، كما احتج جزء من ساكنة أحياء الصفيح في مدينة الدار البيضاء، إلى جانب احتجاجات التلاميذ حول مرسوم الساعة الإضافية. وسنة 2019، ظهرت حركة تزنيت للاحتجاج ضد ما سمته التهميش الاقتصادي وتحسين الظروف الاجتماعية. وفي الوقت الذي اشتد فيه الصراع بين السلطة والأساتذة المتعاقدين، ظهرت احتجاجات الطلبة الأطباء. ومنذ سنة 2019، يتعبئ الشباب العاطل من حاملي الشهادات على الموقع الاجتماعي الفيس البوك للمطالبة بعمل قار.
وفي زمن كوفيد، لم تمنع الطوارئ الصحية، من الاحتجاج في الفضاء العمومي، حيث أبرز الوباء إلى السطح مختلف الهشاشات الاجتماعية.
ثانيا: نحو صياغة نظرية عامة: الفرضية الرئيسية
في صياغة النظرية العامة، وبالاستناد إلى نظرية بوعزيز، والنصوص التي قاربت الظاهرة الاحتجاجية، إلى جانب أحدث نظريات سوسيولوجيا النضال، تُطرح بشكل رئيسي، فرضية رئيسية عبر اقتراحين نظريين: تعد اللاعدالة عاملا أساسيا لتفسير الحركات الاجتماعية في مغرب ما بعد الاستقلال، لكنه ليس بعامل حاسم. إذ يرتبط العامل المحدد بقدرة الفاعلين على التعبئة. لذلك، نقترح مدخلين رئيسيين لتفسير الحركات الاجتماعية المغربية في مغرب ما بعد الاستقلال، يتمثلان في مشاعر اللاعدالة، والقدرة على التعبئة. وتفسر اللاعدالة(على الأقل خلال السنوات الأخيرة قبل فترة الطوارئ الصحية)، بتراجع دور الدولة الراعية، بسبب سياسة الإصلاح عبر تعديل السياسات العمومية، مما أثر على المجموعات المعنية وجعلها تشعر بهذا الإحساس. وتفسر الفعالية أيضا بتحييد الحركات الاجتماعية، والتحولات المجتمعية المهمة التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة.
1: مشاعر اللاعدالة
يندرج الإحساس باللاعدالة (خلال السنوات الأخيرة قبل فترة الطوارئ الصحية)، في إطار دورة الاقتصاد وفي إطار تعديل السياسات العمومية. حيث تعد سياسة الإصلاح السياق الذي أحدث موجة الاحتجاج. إذ كان للسياسات المتبناة خلال السنوات الأخيرة أثر على الدور الاجتماعي للدولة، تبلور في تراجع الدولة الراعية في القطاعات الاجتماعية (خلال السنوات الأخيرة قبل فترة الطوارئ الصحية)، عبر ما يسميه كل من بياتريس هيبو، مريام كاتوس، كوين بوغاريت، Béatrice Hibou, Myriam Catusse et Koen Bogaert، خوصصة السياسات الاجتماعية، عبر إحداث شراكات بين القطاع العام والخاص. مما أدى إلى موجة من الاحتجاج الاجتماعي، ترفض ضمنيا تراجع الدولة عن أدوارها، وجعلها تتشبث بالمزايا الاجتماعية التي لطالما وفرتها الدولة عبر القطاع العام، منذ حصول المغرب على الاستقلال. أيضا، بحسب مونيا بناني الشرايبي، أدت سياسة التقشف إلى تزايد الاحتجاج، واعتبر ألبيرت هيرشمان، أنه عندما يتحرك عدد كبير من المواطنين ويشاركون في فعل جمعي، فيكون السبب المباشر في اعتداء خارجي، الظلم، أو البدء في سياسة الإصلاح.
2- تعبئة الموارد
لا تُفسر الحركات الاجتماعية في المغرب فقط باللاعدالة، ولكن أيضا بقدرة الفاعلين على التعبئة. حيث خلص عبد الرحمان رشيق في دراسته (الحركات الاحتجاجية في المغرب، من التمرد إلى التظاهر)، إلى أن “الأفعال الاحتجاجیة الجماعیة لا تتحدد بوضعیات التھمیش الاجتماعي أو المجالي وحدھا، كما لا یمكن كذلك إرجاعھا إلى مجرد الشعور بالحرمان النسبي. إنھا أیضا نتاج لقدرة الفاعلین على تعبئة الاحتجاجات الاجتماعیة وتنظیمھا، حول مصالح اقتصادیة، وترابیة، وإثنیة، أو رمزیة، وذلك عند ما تسمح الشروط السياسية بذلك” .
وقد ساعد تحييد الحركات الاجتماعية المغربية منذ حصول المغرب على الاستقلال، على تقوية فعالية الأفراد في تنظيم وتعبئة الحركات الاجتماعية، دون أية وساطة سياسية. فعبر التحييد وتحول مطالب الحركات الاجتماعية، ظهرت أشكال جديدة من الاحتجاج، يمكن توصيفها كحركات لا سياسية. وأغلب الاحتجاجات التي تجري حاليا في المغرب يمكن تسميتها “حركات لا سياسية”، تناضل من خارج التنظيمات السياسية. من أهمها التنسيقيات التي ظهرت بقوة، وتفسر بتحييد الحركات الاجتماعية، عبر جعلها حركات لا سياسية. تظهر الفعالية أيضا في هذا الجانب، عبر قدرة المجتمع على هيكلة نفسه بنفسه، عندما تحتج المجموعات الاجتماعية دون أن تكون بجاجة إلى وساطة سياسية تساعدها على نقل مطالبها إلى السلطات، ما دامت تحتج وتتفاوض مباشرة مع السلطات كفاعلين.
كذلك، تلعب التحولات المجتمعية دورا في فعالية الحركات الاجتماعية. فبحسب كتاب Le Maroc au Présent،لا تعد الدولة هي البنية التي تفسر كل شيء في مغرب اليوم، ولكن أصبح المجتمع أيضا فاعلا. كما أن أحدث نظريات سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية(التأطير) توضح دور الأفراد كفاعلين في بروز حركة اجتماعية، انطلاقا من دورهم في صياغة معنى، يشرعنون به حركتهم، ويحددون سبب الاحتجاج، باعتبار أن البنيات السياسية رغم أنها مفتوحة، فلن يكون لها دور لدفع الأفراد للاحتجاج، إلا عندما يعرفون أنه توجد فرصة سياسية ينبغي التقاطها. في حركة الريف، ظهر الزفزافي كقائد في احتجاجات الحسيمة بعد حادث محسن فكري ليؤطر الحركة الاجتماعية، عبر مختلف قراءاته وتحليلاته التي قدمها للأحداث عبر الخطاب.
خلاصة:
تعد قدرة الفاعلين على التعبئة بمثابة عامل أساسي، وحاسم في تفسير الظاهرة الاحتجاجية في المغرب. وهذه القدرة تجد تفسيرها في كون المجتمع أصبح فاعلا، ولم تعد الدولة هي البنية التي تفسر لنا معظم التحولات. ويمكن تفسير مدى قدرة المجتمع في تشكيل الحركات الاجتماعية بعاملين رئيسيين:
ـ عامل تحييد الحركات الاجتماعية، عبر عزلها عن دائرة الصراع السياسي، والرهانات الكبرى. وهو يشكل أحد أهم العوامل في تفسير مدى قدرة الفاعلين على التعبئة عبر هيكلة أنفسهم بأنفسهم، حيث يشرعنون حركتهم عبر قدرتهم على إنتاج خطاب وفهم مشترك لإدانة الظلم الاجتماعي الذي تتسبب فيه تدابير معينة، ورفع مطالبهم مباشرة إلى السلطات خارج أية وساطة سياسية. ويشكل هذا العامل أهم مدخل في التنظير للحركات الاجتماعية في مغرب ما بعد الاستقلال. والتحييد يقوي من قدرة الفاعلين، ليس فقط كونهم لا يحتاجون إلى وساطة سياسية، وإنما أيضا يقويهم، لوجود، ما يسميه ميشيل دوبري Michel Dobry بالظرفية المائعة La conjoncture fluide، وهي ظرفية تؤدي إلى ظهور تحالفات، وتنسيقيات ميدانية لفاعلين لديهم مرجعيات سياسية مختلفة، وهو ما ميز مغرب التسعينات. حيث يلتقي أشخاص لديهم مسارات نضالية سابقة إما في تنظيمات سياسية أو جمعوية مختلفة، وحتى متناقضة، ويجتمعون ليشكلون حركة اجتماعية حول مطلب سوسيواقتصادي، وهو ما يمكن أن نلاحظه عبر التنسيقيات، ولاحظناه سابقا مع حركة الشباب العاطل، وحركة 20 فبراير، مع اختلاف طبيعة المطلب.
ـ عامل طبيعة الفضاء الاحتجاجي في المغرب، كفضاء يتسامح مع احتجاجات التنظيمات غير الممأسسة، خارج قانون المظاهرة. وهو يعد من العوامل الأساسية، والمهمة التي تفسر ليس فقط، تنامي الظاهرة الاحتجاجية في المغرب، بقدر ما تفسر، بشكل أساسي، كيف تتقوى قدرة الفاعلين، سيما في بعض الفضاءات الجغرافية على المستوى المحلي، حيث تنتشر الهويات المحلية، وتعزز الحركات الاجتماعية فيها انتشار نفس المخيال. تساعد هذه الهوية المحلية أيضا على توسع دورة الاحتجاج، وهو ما وقع في حركة الريف، عندما توسعت الاحتجاجات إلى باقي المناطق الجغرافية على المستوى المحلي.
*باحثة في علم الاجتماع السياسي والحركات الاجتماعية
تعليقات الزوار ( 0 )