تنتشر بين فجاج وقمم جبال صاغرو جنوب شرق المغرب وعلى جوانب أوديتها مقابر جماعية، هي خير شاهد على ما ارتكبه الجيش الفرنسي وأعوانه من جرائم بشعة وقتل جماعي يرقى إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية بمختلف أنواع الأسلحة في حق قبائل أيت عطا، بعد معركة ضارية وغير متكافئة دارت رحاها في فبراير ومارس من عام 1933 بين مقاتلين بأسلحة بسيطة وغزاة فرنسيين مدججين بشتى الأسلحة الفتاكة من رشاشات وطائرات حربية وقنابل ومدفعية ومئات العلوج والمرتزقة والجواسيس
إلى جانب مخلفات معركة بوڭافر الشهيرة التي تحل هذه الأيام ذكراها التسعين، من بقايا قنابل منفجرة وأخرى لم تنفجر بعد والتي تم جمع الكثير منها من طرف السلطات في وقت لاحق، وأنت تتجول بين شعاب جبل بوڭافر الذي تنسب إليه تلك المعركة، تجد جماجم وعظاما بشرية لم يحالف الحظ أصحابها لينالوا نصيبهم مما يكرم به الميت.
أما”المحظوظون” من شهداء بوڭافر، فقد تم على الأقل طمرهم بالحجارة فيما يشبه مقابر جماعية تسمى محليا “أڭرن” وتجمع على “إڭرنان”، حيث لا يفصل بين مقبرة وأخرى مجاورة لها غير مقبرة ثالثة تضم على ما يبدو عشرات القتلى، مما يدل على بشاعة ووحشية الهجوم الفرنسي على شيوخ وأطفال ونساء ذنبهم الوحيد أنهم آثروا الاحتماء بجبل بوڭافر وكهوفه على الخضوع لفرنسا وجنودها البواطش.
في حالة الحروب والمعارك لا يكون للمقاتلين وقت لدفن القتلى بالطريقة المعمول بها في حالة السلم من تكفين وتحنيط وحفر القبر ثم تسقيفه بألواح صخرية قبل تغطيته بالتراب، لذلك يتم الاكتفاء بجمع الجثت وردمها بالحجارة حتى لا تنهشها الكلاب والحيوانات المفترسة أو تنقرها الطيور الكاسرة، ولأن معركة بوڭافر لا تخرج عن هذا السياق، أي سياق القتال الذي لا وقت فيه حتى “لحك الرأس”، فما بالك بالقيام بجميع مراحل الدفن، فإن العطاويين لم يكن لهم من متسع لمواراة موتاهم كما ينبغي، فاكتفوا بإهالة الأحجار عليهم في مقابر جماعية وحده الله يعلم هوية المدفونين فيها وعددهم الذي لاشك أنه يصل إلى العشرات وربما المئات، إذ يقدر بعض الباحثين عدد قتلى مقاومي بوڭافر بما بين ألف وألفي قتيل ومئات المعطوبين.
في الوقت الذي تكرم فيه فرنسا ضباطها الغزاة بإطلاق أسمائهم على الشوارع والساحات والمدارس والمؤسسات العمومية، نجد جماجم المقاومين في جبالنا تجرفها المياه كما تجرف رفات الأغنام النافقة، لذلك وجريا على عادة الأجداد الذين كانوا يصرون على دفن قتلاهم ولو في المعامع وبأي طريقة كما كان عليه الحال في ملحمة بوڭافر، فإن بعض الشباب أخذوا على عاتقهم منذ مدة مبادرة جمع الجماجم التي كانت متناثرة هنا وهناك تجرفها المياه وتتقاذفها الرياح وطمرها بالأحجار وهو أقل ما يمكنهم فعله بحق أولئك المقاومين المجهولين الذين لا يذكرهم أحد ولا يعرفهم أحد، والذين دفعوا أرواحهم ثمنا لتحرير الوطن من عدو غاشم يصر في كل مناسبة على إعطاء الدروس في التحضر والأنوار وحقوق الإنسان ويداه ملطختان بدماء الأبرياء دون أن يكلف خلفه نفسه عناء الاعتذار-على الأقل- لتبرئة نفسه مما ارتكبه أسلافه وليظهر ولو تقية بأنه ضد ما اقترفه أجداده من جرائم لمثلها يذوب القلب من كمد.
تعليقات الزوار ( 0 )