Share
  • Link copied

إيران والجزائر وتونس: تقارب دبلوماسي ثلاثي مثير للقلق في ظل تحولات إقليمية متسارعة في المنطقة المغاربية


كشفت زيارة استمرت أسبوعًا قام بها وفد إيراني برئاسة إبراهيم عزيزي، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إلى الجزائر وتونس (24-29 نوفمبر)، عن خطوة مهمة في جهود طهران لإعادة الانخراط مع هذين البلدين المتوسطيين.

وتزامنت هذه الزيارة مع اجتماعات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع نظيريه الجزائري أحمد عطاف والتونسي نبيل عمّار، على هامش المنتدى العالمي العاشر لتحالف الأمم المتحدة للحضارات في لشبونة (25-27 نوفمبر).

وتأتي هذه التحركات الدبلوماسية في نهاية عام شهد انفتاحًا غير مسبوق بين إيران ودول شمال إفريقيا، مما قد يشير إلى تحول ملحوظ في الديناميكيات الإقليمية.

وتُبرز هذه الجهود محاولات طهران المتجددة لتوسيع نفوذها في إفريقيا ومنطقة البحر المتوسط، في وقت تواجه فيه الجمهورية الإسلامية ضغوطًا متزايدة بسبب الهجمات الإسرائيلية، وضعف موقع حزب الله في لبنان، وانهيار نظام الأسد في سوريا.

وفي هذا السياق، يمثل المغرب العربي، الواقع في موقع استراتيجي بين الساحل والصحراء والبحر المتوسط، فرصة رئيسية لإيران لتعزيز علاقاتها مع دول تتمتع بسياسات خارجية مستقلة وعملية، مما يعزز من وصولها الجيوسياسي.

زيارات رفيعة المستوى وخلفية تاريخية

وفي فبراير 2024، قام الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي بزيارة إلى الجزائر، وهي الأولى من نوعها منذ 14 عامًا، في وقت كانت العلاقات بين البلدين تشهد تعزيزًا تدريجيًا على مدى عقدين.

وكانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد قُطعت خلال “العقد الأسود” في الجزائر في التسعينيات، عندما اتُهمت طهران بدعم المتمردين الإسلاميين المعارضين للحكومة الجزائرية.

وأعيد إقامة العلاقات في عام 2000، ومنذ ذلك الحين، وجد البلدان أرضية مشتركة في العديد من اتفاقيات التعاون والشراكة، بالإضافة إلى القضايا الدولية، بما في ذلك العداء المشترك تجاه إسرائيل والعلاقات الودية مع روسيا.

ومنذ عام 2023، أشارت سلسلة من الزيارات رفيعة المستوى إلى تعميق العلاقات بين الجزائر وإيران. ففي يوليو وغشت 2023، زار وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف ورئيس مجلس النواب إبراهيم بوغالي إيران على التوالي.

وأعلن عطاف آنذاك، إلى جانب نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أن البلدين سيُلغيان قريبًا متطلبات التأشيرة للمسافرين، على الرغم من أن هذا التغيير لم يتم تنفيذه بعد، كما سيتم توسيع التعاون الثنائي في مجالات الصناعة والعلوم والتكنولوجيا والسياحة والزراعة.

أما بالنسبة لتونس، فقد كانت علاقتها مع إيران مضطربة تاريخيًا. زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى طهران في مايو 2024 لحضور جنازة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، كانت الأولى من نوعها منذ زيارة الرئيس الحبيب بورقيبة في عام 1965.

وقد تحسنت العلاقات منذ انتخاب سعيد، حيث شهدت زيادة في التفاعلات والاجتماعات بين الشخصيات السياسية التونسية والإيرانية.

المغرب العربي في إطار الطموحات الإيرانية في إفريقيا

وبحسب تقرير حديث للمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، فإن جهود إيران في المغرب العربي تتناسب مع استراتيجيتها الأوسع لتعزيز وجودها في إفريقيا. تحت إدارة إبراهيم رئيسي، استعادت القارة مكانتها البارزة في السياسة الخارجية الإيرانية.

وكانت جولة رئيسي في كينيا وأوغندا وزيمبابوي في يوليو 2023 أول زيارة لرئيس إيراني إلى القارة منذ عقد. ويبدو أن خليفته، مسعود بيزكيان، ملتزم بالمحافظة على هذا الزخم.

وعلى الرغم من أن البصمة الاقتصادية الإيرانية في إفريقيا لا تزال متواضعة، حيث بلغ إجمالي التجارة الثنائية 1.3 مليار دولار في عام 2023، إلا أن المسؤولين الإيرانيين واصلوا الدفع نحو توسيع الشراكات، مستخدمين منصات مثل قمة إيران-إفريقيا للتجارة للإشارة إلى نواياهم.

كما سعت إيران إلى تقديم نفسها كمورد للأسلحة للدول الإفريقية، حيث قدمت بدائل فعالة من حيث التكلفة للدول التي تواجه حظرًا غربيًا.

المصالح الاستراتيجية والتداعيات

ويعكس التقارب الإيراني مع الجزائر وتونس جهود طهران لمواجهة العزلة الدولية وتوسيع نفوذها غربًا خارج الشرق الأوسط. بعد أحداث 7 أكتوبر، تراجعت مكانة إيران الإقليمية بسبب النكسات في غزة ولبنان وسوريا.

وفي هذا السياق، قد يمثل المغرب العربي فرصة لإعادة التوازن الدبلوماسي، مما يسمح للجمهورية الإسلامية بتنويع تحالفاتها وإعادة بناء وضعها الاستراتيجي في مشهد جيوسياسي متغير.

واقتصاديًا، تسعى إيران لتجاوز العقوبات والوصول إلى أسواق جديدة. الجزائر، بمواردها الطاقة الهائلة، تقدم فرصًا للتعاون الاقتصادي.

كما أن تونس أبدت التزامًا بإحياء علاقاتها الاقتصادية مع إيران، حيث استكشف البلدان مؤخرًا فرصًا لتوسيع العلاقات التجارية والمبادرات المشتركة.

حدود التقارب

وعلى الرغم من المصالح المشتركة، لا تزال الشكوك قائمة حول المدى البعيد لتقارب إيران مع دول المغرب العربي. الفجوات التاريخية والاختلافات الأيديولوجية والقدرات الاقتصادية المحدودة لطهران تظل عوائق كبيرة أمام تعميق العلاقات.

فاقتصاديًا، تظل العلاقة بين إيران والجزائر رمزية إلى حد كبير، حيث أن قدرة طهران المحدودة على تقديم استثمارات كبيرة أو أحجام تجارية تقيد قدرتها على تحويل هذه الشراكة إلى تعاون اقتصادي ملموس.

أما تونس، فتبقى حذرة، وتعكس نهجًا عمليًا في سياستها الخارجية. تدرك تونس جيدًا أن إيران لن تكون قادرة على معالجة همها الرئيسي: الاقتصاد. وبالتالي، قد يكون انفتاحها نحو طهران خطوة محسوبة لتعزيز موقفها التفاوضي مع الشركاء الغربيين والخليجيين.

وأشار المعهد الإيطالي، إلى أن التقارب الإيراني مع دول المغرب العربي يبقى محفوفًا بالتحديات، ولكنه يعكس أيضًا سعيًا من جميع الأطراف لتنويع التحالفات في عالم متعدد الأقطاب، مما قد يعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة في السنوات القادمة.

Share
  • Link copied
المقال التالي