في إطار تحول استراتيجي كبير، تعمل إيران على تعزيز وجودها في القارة الإفريقية من خلال تقديم الأسلحة، وعقد الشراكات، ودعم الفوضى في بعض المناطق، وذلك في محاولة لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي.
ويأتي هذا التحرك في وقت تسعى فيه طهران إلى تجاوز العقوبات الدولية وبناء تحالفات جديدة تدعم محور “المقاومة” الذي تقوده ضد خصومها الإقليميين والعالميين.
توسع إيراني في إفريقيا
ووفقًا لخبراء، فإن إيران تسعى إلى توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي خارج حدودها الإقليمية، مستفيدة من العقوبات الغربية التي تدفعها للبحث عن فرص تجارية جديدة.
وقال “لوكاس ويبر”، المؤسس المشارك لموقع “ميلتانت واير”، إن “إيران لديها حافز إضافي لتعزيز علاقاتها التجارية مع الدول الإفريقية، خاصة في ظل العقوبات الدولية التي تعيق اقتصادها”.
وقد أشاد مسؤولون إيرانيون بإمكانية الوصول إلى الثروات الزراعية والمعدنية في إفريقيا، فضلاً عن تصدير الأسلحة المتطورة إلى دول القارة.
وفي يوليو 2023، قام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بجولة أفريقية شملت ثلاث دول، وهي أول زيارة من نوعها يقوم بها رئيس إيراني إلى إفريقيا منذ أكثر من عقد.
قمة إيران-إفريقيا التجارية
وفي إطار هذه الجهود، تستضيف طهران هذا الأسبوع القمة الثانية للتجارة بين إيران وإفريقيا، بمشاركة ممثلين من أكثر من 40 دولة إفريقية.
وأكد مسؤول إيراني مسؤول عن تعزيز الأعمال الدولية أن “مستقبل التجارة العالمية سيُحدد في إفريقيا”، مشيرًا إلى أن العلاقات مع الدول الإفريقية تخلو من “الزوايا السياسية” التي قد تعيق التعاون مع القوى الكبرى الأخرى.
أسلحة وفوضى
لكن النشاط الإيراني في إفريقيا لا يقتصر على التجارة والدبلوماسية، بل يشمل أيضًا تصدير الأسلحة ودعم الجماعات المسلحة، مما يتسبب في تفاقم عدم الاستقرار في بعض المناطق.
وقال “ليام كار”، المحلل في مشروع “التهديدات الحرجة” بمعهد “أمريكان إنتربرايز”، إن إيران تسعى إلى تعزيز استراتيجيتها العالمية للمقاومة في إفريقيا، من خلال عقد شراكات تهدف إلى تقويض النفوذ الغربي وعزل إيران.
ومن القرن الإفريقي إلى الساحل، أصبحت إيران لاعبًا مؤثرًا في المنطقة، حيث تدعم جماعات مسلحة وتقدم الأسلحة للحكومات والجماعات غير الحكومية.
وعلى سبيل المثال، قدمت إيران أسلحة للحكومة الإثيوبية لمحاربة الجماعات المسلحة المعارضة، كما عززت وجودها في الصومال، الذي أصبح مركزًا لتوزيع الأسلحة الإيرانية.
علاقات متوترة وتطبيع
وعلى الرغم من العلاقات المتوترة سابقًا مع بعض الدول الإفريقية، نجحت إيران في إعادة بناء جسور التواصل. ففي سبتمبر 2023، أعادت جيبوتي علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بعد قطيعة استمرت سبع سنوات.
كما عملت إيران على تحسين علاقاتها مع إريتريا والسودان، اللتين انضمتا سابقًا إلى التحالف السعودي ضد الحوثيين في اليمن.
وفي السودان، ساعدت الأسلحة الإيرانية القوات المسلحة على استعادة الأراضي التي فقدتها في الحرب الأهلية ضد المتمردين.
كما سعت إيران إلى إنشاء قاعدة بحرية دائمة في ميناء بورتسودان، وهو طلب تم رفضه، لكنه كشف عن طموحات طهران في تعزيز وجودها على طول السواحل الغربية للبحر الأحمر.
نفوذ يمتد إلى الساحل والأطلسي
ومن السودان، امتد النفوذ الإيراني عبر منطقة الساحل إلى المحيط الأطلسي، حيث تخشى الدول الغربية من تحول المنطقة إلى ملاذ للجماعات الإسلامية المسلحة.
وقد نجحت إيران في تعزيز وجودها في نيجيريا من خلال دعم جماعة “الحركة الإسلامية في نيجيريا”، التي تتلقى دعمًا ماليًا وعسكريًا من طهران وحزب الله اللبناني.
كما استغلت إيران الفرصة للتقرب من الأنظمة العسكرية المناهضة للغرب في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، حيث تسعى إلى تعزيز التعاون الأمني وتنفيذ مشاريع البنية التحتية.
وقال ويبر: “مع انسحاب القوات الفرنسية وتدهور النفوذ الغربي في غرب إفريقيا، تسعى إيران لزيادة تأثيرها من خلال التعاون الأمني”.
مواجهة النفوذ الغربي
وفي النيجر، حيث استولى الجيش على السلطة في يوليو 2023، أثارت العلاقات الناشئة مع إيران وروسيا قلقًا لدى الولايات المتحدة.
فقد أرسلت واشنطن وفدًا إلى النيجر للتعبير عن مخاوفها بشأن التعاون مع طهران وموسكو، خاصة بعد تقارير عن مفاوضات سرية لتزويد إيران باليورانيوم النيجيري.
وردًا على ذلك، أنهت النيجر تحالفها مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب، ووصفت الوجود العسكري الأمريكي بأنه “غير قانوني”. وفي خطوة اعتُبرت انتصارًا لإيران وروسيا، أعلنت الولايات المتحدة مؤخرًا عن سحب ألف جندي من النيجر.
وبينما تواصل إيران توسيع نفوذها في إفريقيا، تظهر تحديات كبيرة أمام الجهود الغربية لاحتواء هذا التمدد. من خلال تقديم الأسلحة، وعقد الشراكات الاقتصادية، ودعم الجماعات المسلحة، تنجح طهران في تعزيز وجودها في مناطق حيوية، مما يهدد بتغيير موازين القوى في القارة الإفريقية.
تعليقات الزوار ( 0 )