Share
  • Link copied

إيران الفارسية والعداء العربي

تعتبر إيران أو بلاد فارس سابقا جزئا من الشرق الأوسط والذي يعتبر محورا تاريخيا وثقافيا لعب دورا كبيرا في صقل الحضارة الانسانية ،فهو مهد الديانات السماوية الثلاث ومنبع الحضارة العربية الإسلامية التي وصل تأثيرها الى الصين شرقا وأوروبا غربا ،حيث وصلت أوجها في بلاد الأندلس التي ستفرز فكرا مهد الطريق نحو النهضة الأوروبية أم الحضارة الحديثة.

وتقع منطقة الشرق الأوسط في الجنوب الغربي من القارة الآسيوية ،وتمتد من الحدود الإيرانية مع كازاخستان الى الحدود المصرية الليبية،وتظم عددا كبيرا من الاثنيات وأربع قوميات كبرى،ثلاثة منها منسجمة وقائمة هي القومية الفارسية (إيران)والقومية الطورانبة (تركيا)والدولة العبرية(الكيان الصهيوني) وعدة لغات ولهجات ،منها العربية الى جانب لغات سامية أخرى واللغات الإيرانية والتركية.

(يشار أن الإدارة الامريكية تعتبر الشرق الأوسط الكبير هو مجموع دول شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا) .
أما القومية العربية فهي كامنة وغير قائمة وغير متماسكة وتأرجحت منذ الثورة العربية 1916م ضد الإمبراطورية العثمانية(تركيا)أو ما كان يسمى بالرجل المريض .وحركات التحرر الوطني العربي ،بين التوجه القومي (البعثي )والوحدوي الناصري وحركة القوميين العرب ، ولم تفلح في توحيد البلدان العربية وأكبر ما وصل إليه هذا الهدف المنشود هو تأسيس منظمة (محدودة الفاعلية)هي جامعة الدول العربية التي تظم22 عربية من الخليج الى المحيط .

ويعتبر الشرق الأوسط جوهر الصراع العالمي نظرا للخيرات الهائلة التي يتوفر عليها) 60% من الاحتياطي العالمي (النفط والغاز) والموقع الاستراتيجي الهام الذي يضعه في قلب العالم بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، ونظرا لتضارب المصالح وتقاطعها بين القوميات المذكورة أعلاه،

وامتداد وتقاطع المصالح مع الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوربي أو روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية .

فإذا كانت إسرائيل هي دركي الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا في المنطقة منذ احتلالها لفلسطين ،سنة 1948 فإن إيران وبالرغم من شعاراتها البراقة ،لعبت دورا كبيرا في تقويض المسار القومي العربي منذ 1979 بعد الإطاحة بحكم الشاه والإعلان عن الجمهورية الإسلامية ،وشنها حربا على العراق دامت ثماني سنوات وساعدت بكل ما أوتيت من قوة الولايات المتحدة الامريكية على غزو العراق والإطاحة بنظامه الوطني وتدمير بنياته و مؤهلاته وتقسيمه إلى سنة و شيعة وأكراد وتحويله من بلد العلم والقراء وانعدام الأمية الى ساحة للقتل والإرهاب والدمار.

كما أن تغلغلها في لبنان واليمن والتهديد المستمر لدول الخليج العربية لا يدع مجالا للشك أنها تهدف إلى إضعاف المنطقة العربية و تقزيمها لضمان حقها من الكعكة ، بتحالفها الغير معلن مع أمريكا،للسيطرة على خيرات المنطقة وإزاحة العنصر العربي من المعادلة.

أما اصطفافها في خندق النظام السوري وروسيا فقد أملته وحدة العدو المشترك ،المتمثل في التنظيمات الأصولية والإرهابية ،النصرة وداعش والتنظيمات الإخوانية الأخرى .

إن اعتماد لغة التصعيد الكلامي والتهديد والوعيد ، والذي أصبح فنًا تواصليا سياسيًا بامتياز قادر عل طمأنة العامة من الناس وإيهام الجماهير ب “النصر الحتمي على إسرائيل ” و مقارعة أمريكا وخلط الأوراق ،وهذا الفن التواصلي الجديد الذي نجده عند إيران بالضبط ليس إلا درا للرماد في العيون،تحكمه ثقافة التقية والتكتم.

فمنذ الإعلان عن تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ،سنة 1979 ,بعد أن جيئ بالخميني من الضاحية الباريسية عبر طائرة الخطوط الفرنسية، أضحت إيران تهدد كلاميا بدحر أمريكا وحرق اسرائيل ولكن ما فعلته حقيقة هو مساعدة “عدوتها”امريكا على غزو العراق وتدميره وتقسيمه الى طوائف وزرع فوضى فتاكة في المنطقة .
إن شعارات المقاومة والصمود الإيرانية ضد “الاستكبار العالمي “الذي تقوده أمريكا و الذي رفعته إيران منذ أكثر من أربعين سنة،كان يجري من تحته تصفية الحقوق العربية واحتلال الأراضي العربية في منطقة الأحواز والتضييق على أهاليها العرب وحرمانهم من هويتهم الاصلية العربية.

فما حقيقة مقاومة دامت أربعين سنة ؟ لم ينتج عنها استقواء أمريكا وتعنت اسرائيل و سقوط دول عربية.
لذلك فليطمئن الجميع أنه لن تكون هناك اي مواجهة بين الفرس والأمريكان مادامت إيران تلعب دورا متقنا ،في صالح الأجندة الأمريكية.

و لمن يتسائل :وماذا عن مقتل قاسم سليماني فالجواب يكمن في حسابات إقليمية تكتيكية يبرمجها لاعبي الشطرنج في الخفاء لإعادة رسم خرائط سياسية مغايرة،للتغلب على القادم من الأيام أو لإزاحة عنصر قد يشوش على الأجندة.

ويرجح أن يكون التصعيد الأخير بين إيران وأمريكا مرده الى لفت الأنظار والتعتيم على الحراك الجماهيري العراقي المطالب بالتغيير والحقوق والكرامة ووحدة العراق.
لا شك أن المنطقة العربية تعيش أعقد مراحل تاريخها حيث تعم الفوضى وعدم الاستقرار واستئساد قوى إقليمية طامعة كانت دائما الغريم الطبيعي للعرب ، وهذا ما يدعو الى نهوض عربي جديد مبني على رد الاعتبار لكل مكوناته المجتمعية والثقافية وداركا للمستجدات الآنية وتطلعات المواطنين.

صحيح أن التجارب القومية العربية كانت ناصرية أو بعثية قد أبانت عن محدوديتها وفشلها في بناء دول
منسجمة وديمقراطية قادرة على رفع التحديات ومواكبة التغيرات و صحيح كذلك أن المجتمعات العربية تغلي اليوم بطموحات ونضالات شبابها التواق الى غد أفضل ، وحياة أفضل ومجتمع ينعم به أهله بالعدالة الاجتماعية و الديمقراطية والكرامة،ومن هنا لا مفر من مراجعة شاملة لتصوراتنا ومناهجنا،وفرز الجديد الذي يتلائم وظروفنا الحالية وتحديات المرحلة.

فلا إيران غيورة على القدس الشريف وفلسطين العربية ولا تركيا بقيادتها للتنظيم الاخواني العالمي ،دخلت الصراع لنصرة المنطقة العربية.فهذه الدول لا يمكن أن تخدم مصالح بلدانها إلا على حساب المنطقة العربية ،لاعتبارات جيوسياسية واقتصادية ومصلحية صرفة.

أما النهوض والتحرر العربي فلن يتحقق الا بأهل المنطقة أنفسهم بالاعتماد عن الكفائات المحلية والبحث عن تحالفات جديدة يحكمها تقاطع المصالح والمبنية على منطق التكافئ ومبدأ رابح/رابح.وبناء دول عربية ديمقراطية تفتح المجال أمام كفائاتها الخلاقة والمبدعة وتضمن سيرورة التقارب والتضامن بين الدول العربية على أساس المصالح المشتركة والمصير المشترك.

Share
  • Link copied
المقال التالي