بعد لقاء رئيس الحكومة مع مجموعة من ممثلي النقابات يومه الاثنين 27 نونبر 2023، تم التوافق فيما بينهم على مجموعة مقتضيات من أبرزها ما جاء على لسان رئيس الحكومة: تجميد العمل بالنظام لأساسي، والمراجعة لمقتضياته في أجل لا يتعدى منتصف يناير 2024، ومراجعة الاقتطاع من الأجور الناتج عن الإضرابات الممتدة للأطر التربوية.
من المؤكد ان هذه المخرجات تعاني مأزقا حقيقيا على اعتبار أن:
1- رئيس الحكومة اعتبرها مدخلا لوقف الإضرابات، وعودة الأطر التربوية إلى الأقسام، وهو ما يثير التساؤل حول مدى استجابتها لمطالب هذه الأطر.
2- التوافق حصل مع النقابات التي حضرت الاجتماع، والجميع يعلم أن الأشكال النضالية تقودها التنسيقيات بأسماء متعددة، والتي وإن اختلفت مسمياتها فقد تمكنت من توحيد فعلها النضالي وآلياته، لذلك تعتبر الحاضر الأكبر في الاجتماع الحكومي-النقابي رغم غيابها المادي، وموقفها هو من سيحدد مسار هذا الملف المرهق للمدرسة العمومية.
إذا عدنا إلى مسألة “تجميد النظام الأساسي” كما جاء على لسان رئيس الحكومة، باعتباره بادرة حسن نية في مراجعته، و”تجويده”، فإنه من المؤكد أن التجميد، أو التعليق، أو… تعد مقبولة في الحقل النقابي الاحتجاجي ولكنها ليست بلغة قانونية. وإذا افترضنا أن “مصطلح التجميد” يعني السحب أو النسخ -ها نحن دخلنا مجال التأويل!!ـ فإنه لا يعد ساري المفعول إلا بضرورة اتباع مسار قانوني محدد لا اجتهاد فيه.
إن ذلك يعني أن بلاغا صادرا عن الحكومة لا ينسخ مرسوما حكوميا صدر في الجريدة الرسمية، وذلك امتثالا لقاعدة الموازاة في الشكل والاختصاص.
بمعنى أن القرار الذي يصدر يكون من صاحب الاختصاص -وهي الحكومة في هذا الباب-، أما من حيث الشكل فإنه لا يَنسخ أو لا يَسحب مرسوما إلا مرسوم يماثله، ويصدر في الجريدة الرسمية بدوره.
إن ذلك يستدعي وفق هذه النقطة أن يصدر رئيس الحكومة مرسوما، يتضمن ولو مادة واحدة، تنص على أنه: “بموجب هذا المرسوم … فإنه يتم سحب مرسوم رقم 2.23.819 في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية”، ولا يصبح المرسوم المحدث ساري المفعول حتى يتم نشره في الجريدة الرسمية.
وإن حصل كل ذلك فإنما يعيدنا إلى نقطة البداية التي تتعلق بمرحلة ما قبل صدور هذا النظام الأساسي، ولكن ما بين تلك الفترة واليوم فإن الشغيلة التعليمية خاضت معارك غير مسبوقة في تاريخها، سواء من حيث تشكيل تنسيقيات تمثل مطالبها، متجاوزة في ذلك مجموعة نقابات تجولت وظيفتها إلى الضبط الاجتماعي، أو عبر معارك كان لها الامتداد الوطني، وحيث استوعب الجميع أن الأشكال النضالية ليست مطلوبة لذاتها، ولكن مطلوبة للأهداف التي كانت الباعث في تبنيها.
ويمكن إجمال أهداف الشغيلة التعليمية من حراكهم الاجتاعي في رباعية لا تقدم إحداها على الأخرى:
-1- الرفع من الأجور وليس قبول الفتات وهو ما يستدعي إنصاف أصحاب الوزرة البيضاء بما يجعل أجورهم على الأقل مساوية لغيرهم في الوظائف العمومية الاخرى،
-2- حفظ كرامة الأستاذ (ة) مما يعني إسقاط المحاكمات التي طالت رجال التعليم ونساءه، والاعتذار عن كل أشكال التعنيف الذي طالت الأطر التربوية على امتداد ربوع هذا الوطن أثناء ممارسة حق الاحتجاج بشكل سلمي وراق.
-3- الدفاع عن المدرسة العمومية، وتحصين مكتسباتها، ومحاربة ظواهر: الاكتظاظ، وقلة الأطر التربوية والإدارية، وغياب التجهيزات الرئيسية، وضعف المناهج التربوية، وتسليع وظيفة التربية والتعليم…
-4- إسقاط النظام الأساسي، وإنصاف كل الفئات العاملة في المدرسة العمومية بكل تصنيفاتها، وإجراء حوار وطني حوله من قبل المهتمين، وبشكل شفاف تواكبه الأطر التربوية، عكس الفعل الكواليسي الذي رافق إنجاز السابق منه طيلة سنتين فكانت ولادته المشوهة والممسوخة.
وكل هذه الرباعية لم يقدم فيها العرض الحكومي إلا نيات يشكك الكثيرون في مصداقيتها.
تعليقات الزوار ( 0 )