لجأت مجموعة من الدول بتحريك جيوشها وقواتها العسكرية لمحاربة انتشار فيروس كرونا، سواء في اطار استخدامها في اعمال من صميم القطاع المدني، او من أجل تأمين المباني والمؤسسات الحساسة والمرافق الادارية، او من أجل تأمين النقل والامدادات، وتنفيذ خطط الطوارئ والانذار.
وقد تناسلت عن هذا الوضع الجديد، وغير المألوف مجموعة من التساؤلات لدى الجمهور والنخبة معا، واختلفت نظرتهم باختلاف زوايا البحث والتفسير والتأويل؛ فهناك من أوَّل الوضع في علاقته بالمورفولوحية العامة في العمل والاشتغال بما يفند الطوارئ وتحويلها الى حصار، غير أن هذا الاتجاه لا يصمد أمام استمرار باقي المؤسسات الدستورية في العمل الاشتغال.
وهناك، من يطبع مع حالة عسكرة كرونا، ويفسره انطلاقا من وظيفة وعمل الجيوش في توفير الحماية لكل مكونات الدولة؛ اقليما، ومواطنين، وسلطة في مواجهة اي تهديد اجنبي ينال احدى المكونات. وفيروس كوفيد 19 يعتبر عدوا خارجيا واجنبيا. وان مجموعة من قادة الدول العظمى امريكا كما في فرنسا، نعتوه انه الخطر مجهول الهوية.
وفي مقابل الفريقين، ظهر فريق من الباحثين لا يبحث في ظهور القوات العسكرية خارج الوظيفة والاطار القانوني، بل يبحث في شرعية ذلك بناء على الأسباب التي دعت الدول واجبرتها على استدعاء جيوشها وقواتها العسكرية للمشاركة في عمليات وقف خطر زحف فيروس كوفيد 19 على حياة وصحة المواطنين، كالتزام اولي واساسي على عاتق الدولة، يوجب عليها حمايته بأي وسيلة. ووقف هذا الفريق عند عاملين اثنين؛
الأول مرتبط بالوباء نفسه، والذي ينتقل بين الأفراد بسرعة استثنائية، فهو “فيروس ساخن”، اضافة الى عدم وجود دواء له لكونه جديد، علاوة على خطورته، اذ يفتك بضحاياه بنفس سرعة الانتقال والاصابة، وهو ما حتم على الدول الاستنفار بكل قواها من أجل منع انتشاره، وتوفير واجب والتزام حماية حياة، وصحة المواطنين.
أما السبب الثاني، فانه ناتج عن جهل واستهتار المواطنين في غالبية الدول، في المغرب كما في ايطاليا بهذه المخاطر الثلاثة، وعدم تقديرهم لنتائجه الوخيمة، التي تتجاوز الفرد واسرته ، وتمتد الى كل المواطنين. ولوحظ تعاملهم مع المرض والخطر على انه عادي كباقي الأمراض والفيروسات، دون ان يكترثوا بالتوجيهات والنصائح. التي تحولت بسرعة الى قوانين واجراءات وتدابير جبرية، واقتضى الأمر الاستعانة بالقوات لاحترامها، ومنع خرقها بالقوة، لان في مجرد خرقها خطرا على حياة وصحة الجميع .
ورغم هذا وذاك، فانه يجب الاعتراف ان الجيوش تطورت مهامها في السنوات الأخيرة وتماهت مع مهام عناصر الأمن والحماية المدنية، مثلما الأخيرة اكتسبت معارف ومهارات العساكر والجيوش، واصبح التمييز بينها شبه منعدم، ويقتصر فقط على قطاعات الانتماء واسلاك الترتيب في الوظيفة. وعادة ما يتم اللجوء الى خدمات العساكر لمواجهة الكوارث من حرائق وفيضانات وزلازل وحوادث فجائية غير متوقعة تتجاوز في جسامتها جهود القطاع المدني، دون ان يحمل ذلك على انه حصار.
وهكذا، فان الحكومة الاسبانية ومن أجل احكام اجراءات الحجر الصحي وخضوع السكان دون استثناء له، فان رئيسها في خطابه الاحد الماضي، صرح ان القوات المسلحة هي التي ستتولى عمليات النقل اللوجستيكي للأدوية والمعدات الصحية من المطارات وستتولى عمليات توزيعها على المستشفيات والمصالح الصحية، وتولت نقل المرضى وتوزيعهم عبر الاقليم الاسباني، اضافة الى تكليفها بحراسة بعض المؤسسات الاستراتيجية والحساسة، ومراقبة المؤسسات الصحية، واجلاء الاسبان من الخارج واقامة مستشفيات ميدانية.
ولا يفسر ذلك أنه حصار، بل يتم في اطار حالة الإنذار المعلنة، وفقا للدستور الإسباني المادة 116 والقانون العضوي 4/1982 وبمرسوم، وتم تمديدها بموافقة برلمانية، اي ان المؤسسات الدستورية في اشتغال تام وان تقييد حريات التنقل والعمل والتجارة استدعته الحالة والوضع الاستثنائي.
أما في المغرب فقد تم اللجوء الى الطب العسكري لدعم وتعزيز زملائهم في القطاع المدني لمواجهة الضغط الذي يوفره ارتفاع عدد الضحايا على الموارد البشرية ومحدودية المعدات الطبية في القطاع المدني على غرار التجربة الأسيوية لدى منطقة آسيا والباسفيك عموما، وعند اليابان وكوريا الجنوبية تحديدا.
وقد اتخذ هذا القرار صاحب الجلالة الذي انخرط مباشرة، من موقعه كقائد اعلى للقوات المسلحة ورئيسا لاركان الحرب العامة في اطار الاختصاصات الدستورية المنوطة في مضمار احترام الأمن العمومي للشعب لاشراك الخبرة العلمية العسكرية في تطويق الوباء، بما يفيد أن الدولة في حرب مضمرة ضد عدو وهمي رئيسا للاركان، فالأمر محدد ومعين، اي في اطار أداء خدمة تتقاطع مع خدمات مدنية وتتطلبها المرحلة والظرفية لمواجهة الوباء وفي اطار وضع عادي يطبعه استمرار المؤسسات الدستورية في الاشتغال.
وفي دول اخرى، اتخذت قرارات مغايرة ومختلفة، اذ عمدت الى تشديد ورفع العقوبات من أجل ردع المخالفين لتدابير الحجر الصحي، مثل ايطاليا وروسيا، وحصرت تدخل جيوشها وقواتها العسكرية في عمليات النقل واللوجستيك. وهو اجراء غير قمين بتحقيق الغاية في توفير الحماية للمجموعة التي لا تتاذى بفعل المخالفة للتدبير معنويا بل في صحتها وحياتها.
ويبدو لي ختاما، إن العقوبات الجنائية، مهما عظم سقفها، لا تصمد مخاطرها أمام قدسية الحق في الحياة المنصوص عليها دستوريا والمؤكد عبر مختلف فروع الشرعية الحقوقية والقانونية. وإن اعتماد العنف و القوة المشروعين ملزم للدولة تحقيقا للسلامة النفسية و الجسدية لعموم الشعب ، لأن ذلك من صميم مهمام الدولة الفاضلة . ولا ينفع امام هول اللحظة وخطورتها، لا الجدال الحقوقي ولا السياسي، فاللحظة تسائل مجهودات الجميع، ووحدة المجموعة.
*محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي، ومحلل سياسي
تعليقات الزوار ( 0 )