المدونة مايسة الناجي في يوم العيد ،تخرج بفيديو حول “حكومة المشاورية ” ، حجم التفاعل كان كثيفا ، مما يؤشر على اتجاهات الرأي العام العمومي ، وهو ما يمنحنا فرصة لقراءة مؤشرات صناعة التوندونس في العالم الافتراضي.
ملاحظات كثيرة استوقفتني أثيرها بمثابة وجهة نظر رغبة في إثراء النقاش العمومي بما يرفع من قيمة المعقولية و محاصرة كل أشكال التزييف بما يضمن للفضاءات العمومية معقوليتها وفق تصورات يورغن هابرماس.
اولا : الازدحام المنتج للفوضى
عدد المفاهيم المستعملة في الفيديو يتجاوز 50 مفهوما ،هو ما يكشف حالة الاكتضاض و الازدحام داخل النص المرئي،مما حول النص إلى مجرد حكي يشبه احجيات الجدة التي تروى قبل النوم للحفدة من اجل النوم ، وربما هناك تقاطع بين أحجية مايسة و أحجية الجدة في فعل التنويم، لان الفعل السياسي لا يمكن أن يكون فعلا افترضيا يتحقق عبر فعل كلامي في صالون جميل و أمام شاشة حاسوب ، و إنما السياسة هي فعل مناضل يتحقق بالخروج من الفضاء الافتراضي إلى الواقع ، السياسة ليس مجرد فعل كلامي، بل هي الإقامة في حرارة الواقع . بدل حديث لتجميع الجيمات وليكات حسب تصورات فرنسوا جودار في كتابها ،” j’ existe ، je selfie”.
الفعل السياسي الجيد ليس تغيير الاشخاص ربما هذا تصور تبسيطي ،و انما التغيير يكون بتغيير شروط انتاج الفعل السياسي و سياقاته بما يمنح فرصة للشباب للمتوقع بعد تغيير موازين القوة و ليس فقط بامتلاك رغبة و حلم بالتغيير.
المفاهيم الموظفة في الفيديو صنعت نصا مزركشا بلا لون حيت : الدولة العميقة ، الملك ، محيط الملك ، التكنوقراط ، الحزب الواحد ، شركات الملك ، المخابرات ، شركات المخدرات ، شركات الأدوية ، حكومة إنقاذ وطني – الملكية الديكتاتورية – الملكية الديموقراطية – تمثيلية الشعب – حكومة المشاورية – المخزن – أجندة سياسية – حكومة التكنوقراط – الحزب الوحيد – حزب القصر – معارضة الملك – تمثيلية الشعب – إسقاط الحكومة . اسقاط الدولة – جلباب الملك – مستشاري الملك – دعم الأحزاب – الانتخابات قوية – المحاسبة السياسية – المخزن – الاستبداد – ملكية اجتماعية اشتراكية – برلمان مستقل – شركة مدى الملكية.
المفهوم هو أداة للتفكير لذا فكل ما لا يوجد كمفهوم لا يوجد بالمرة ، من هذا المنطق أجد ان توظيف اكثر من 50 مفهوما معقدا و ملتبسا و البعض منهم إشكاليا ، يجعلنا أمام كومة من الفوضى المنتجة للتضليل و الأحكام الجاهزة.
ان تفكر هو امتلاك رؤية و ليس تجميع اكبر كم من المفاهيم ،و تكديسها في خطاب و احد من اجل تبني قناعات و خلاصات فجة حول واقع سياسي معقد و بينوي و متعدد الأبعاد.
ثانيا: الجهل بطبيعة السلطة السياسية
الحديث عن السلطة السياسية هو حديث عن أشكال تدبير شؤون الدولة و بالتالي الحديث عن نوع الدولة و طبيعتها و أهدافها و رهاناتها.
التصريح يتحدث عن الدولة بشكل مسطح و ربما ساذج من خلال قراءة شعبوبة غير عالمة لان الدولة هي جهاز لتدبير شؤون المجتمع و بالتالي ، لا وجود لنمط واحد من شكل الدولة ، فمناقشة طبيعة الدولة يستدعي العودة الى النظريات السياسية من اجل استحضار اصول بناء الدولة و شرعيتها حيت :
أطروحة هوبز : حالة الدولة هي تحقيق الامن و لو على حساب الحرية.
أطروحة : مشروعية الدولة في بناء الحرية و العقل.
أطروحة هيجل : مشروعية الدولة بناء الروح الجماعية أي تحقيق العقل المطلق.
أطروحة : ماكس فيبر : تحقيق المشروعية العقلانية للدولة و تجاوز المشروعيتين التقليدانية ومشروعية الكاريزما .
اطروحة كارل ماركس : الدولة هي تعبير عن الطبقة المسيطرة اقتصاديا .
اطروحة : مونتسيكو باعتبارها اداة للفصل بين السلط الثلاث لحماية الحرية
اطروحة مكيافيلي : اداة لحماية السلطة السياسية و منع الفوضى .
اطروحة التوسير : الدولة باعتبارها جهاز لتحقيق الهيمنة .
اطروحة كارل شميد : مشروعية الدولة في القدرة على اكتشاف أعدائهاو القضاء عليهم ( الدولة النازية
اطروحة هانز كيلسن : حماية الحق و القانون
الدولة في المنظور الإسلامي : تتأصل حسب أساسي الخلافة و الإمامة في الحكم
عموما ، فان التأصيل لمفهوم الدولة لا يمكن ان يكون أحاديا و اختزاليا و إنما هي مفهوم إشكالي معقد يتعدد بتعدد المرجعيات و التجاوب الايديولوجيات والعقائد ، وهو الامر الغائب و المغيب في الفيديو حتيت المدونة تعاملت مع مفهوم معقد بالكثير من التبسيط لدرجة الابتذال.
فكل اختزال لمفهوم الدولة في دولة ديموقراطية و دولة ديكتاتورية هو إساءة للتفكير و انحراف له ، و يمكن الرجوع إلى تاريخ الفكر السياسي لاستكشاف كيف ان هذا المفهوم هو مفهوم متعدد يستحيل حصره في دلالة وحيدة . لان الدولة ليس اطارا مقدسا خارج سياقها و خارج مقولتي الزمان و المكان انما هي تجربة انسانية خاضعة لتفاعلات الإنسان مع الزمان و المكان مما يجعلها تجربة أكثر منها مفهوما مقدسا.
ثالثا : الجهل بخصوصية الملكية
من يتحدث عن الدولة المغربية دون الحديث عن النظام الملكي و تاريخ الاسر الحاكمة لاشك انه يمارس تزييفا للتاريخ ، فالتجربة المغربية تكشف ان علاقة المغرب بملكيته هي علاقة تلازم شرطي، فالملكية ليس خيارا للمغاربة لكنها تاريخ و تلاحم بين الشعب والملك.
فمشروعية النظام الملكي حسب زكية داوود ومحمد الطوزي مؤسسة على تعايش ثلاث مشروعيات، هي تلك التي حددها ماكس فيبر : المشروعية التقليدية والمشروعية الكاريزما و المشروعية العقلانية.
الملك الراحل الحسن الثاني في حديثه عن الدولة المغربية اعتبر انها مؤسسة على منطق ديني و فقهي حيت الشرع يمنع الفصل بين السلطة الروحية و السلطة الزمنية ، وهو نفس التصور الفقهي للعلامة الماوردي و حدة السلطة في تصوره للاحكام السلطانية ، حيت عبر الحسن الثاني انه لا يمكن الحديث عن تاريخ المغرب خارج النظام الملكي.
فمفهوم الدولة لا يوجد خارج الواقع او خارج المجتمع، وإنما هي تنظيم سوسيو سياسي و سوسيو اقتصادي و سيو سو تقافي مهمته تنظيم الشؤون العام فق تجارب معاشة لها خصوصياتها و خصوصية المرحلة التي تعيشها ، أي لا وجود لدولة مجردة فوق شروط انتاجها.
فالدولة في المنظور الماركسي ليس لها نفس الشرعية ونفس الاهداف للدولة في المنظور الليبرالي و التعاقدي لوك و روسو و سبينوزا و غيرهم و حتما ليست هي نفس الدولة في المنظور الشيعي او المنظور السني و غيرها، فالدولة تجربة حية تفاعل مع واقعها العام و تلبس توب مجتمعها .
و فق ماسبق ، فان المدونة مايسة مارست تنميطا قاتلا شبيه بحكايات بروكست ( حكاية القتل على السرير ) ، حين سطحت مفهوم الدولة و افقدته خصوصيته و سياقاته و تعاملت كمفهوم جامد و مسطح ، فالدولة المغربية ليست مجرد وعاء فارغ يتم ملئه بتصور لمفهوم الدولة يجعل من الدولة أداة لتامين الطريق الموصل الى السلطة . و هو يطرح يخفي اكثر ما يكشف , لان التنظير و الترافع ان تكون الدولة حارسة لصناديق الاقتراع معناه تحويل الدولة إلى وسيلة من اجل الوصول إلى السلطة (الدعاية الانتخابية لحزب معين).
مهمة الدولة ليس هي تامين طريق السلطة و لكن هي حماية السلطة و المجتمع و تنظيم شؤونه و حماية الحدود و ضمان السيادة وتحقيق الخدمات الاجتماعية وضمان السلم الاجتماعي.
مايسة اخطات حين حصرت و ظيفة الدولة في تامين الطريق الموصل الى السلطة ، في حين مهمة الدولة هي حماية النظام و ليس حماية الديموقراطية.
غير ان الخطأ الاكبر حين اختزلت النظام الملكي في جلباب ابيظ محاط بالكثير من المشوارية اصحاب الشاشيات الحمراء بحسب تصريحها، فالملكية هي بيت المغاربة وماضيهم السياسي و صمام الامان في ازمنة الشدة.
تعليقات الزوار ( 0 )