صدر في هذا الأسبوع، من دار النشر “أخوين السليكي” بطنجة، كتاب جديد للأستاذ محمد الغلبزوري، قدم من خلاله دراسة شاملة ومعمقة لحراك الريف، وذلك تحت عنوان: “الدولة وتدبير حراك الريف: تدبير أزمة أم أزمة تدبير”.
ويضم هذا الكتاب -الذي أخذ من الباحث حوالي أربع سنوات من العمل الأكاديمي المستمر نظرياً وميدانياً- 437 صفحة (من الحجم الكبير)، حيث حاول الإجابة فيه عن مجموعة من الإشكاليات التي طبعت حراك الريف، الذي انطلق سنة 2016 على خلفية مقتل الشاب محسن فكري، من قبيل: علاقته بالتراكم التاريخي للفعل الاحتجاجي بالريف بصفة خاصة وبزخم الحركة الاحتجاجية بالمغرب بصفة عامة، وكيف استطاع أن يستمرّ، لمدة طويلة، بالزخم نفسه الذي ظهر به منذ اليوم الأول؟ وكيف استطاع تنظيم أكبر وأرقى احتجاج شعبي في تاريخ المغرب المعاصر؟ وما هي العناصر التي أعطت لهذا الحراك قوّته وصيته التي تجاوزت حدود المغرب؟ وما هي الأبعاد السياسية لحراك الريف؟ ولماذا تم رفض الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية والنخب السياسية والثقافية والفكرية؟ وهل كان قراراً صائباً؟ وكيف تغيّرت هويّة الاحتجاجات بالريف وشعاراتها؟.
كما حاول الباحث كذلك أن يلامس أثَّر الحراك على مجموعة من الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب منذ سنة 2016، في عدة مناطق؟ وكيف أسهم في تنامي موجة من هجرة الشباب إلى الضّفة الأوروبية؟ وكيف أدّى إلى ما يُسمّى بـ”الزلزال السياسي” الذي شهده المغرب سنة 2017؟ وكيف فرض على الدولة إعادة النظر في سياستها الاقتصادية والاجتماعية في إطار ما يُسمَّى بإعادة النظر في النموذج التنموي بالمغرب؟.
ويبقى الهدف الأساسي من هذا البحث هو “أَرْشَفَة” الأحداث والوقائع التي شهدها الريف ابتداء من 2016، والكشف عن جزء من حقيقة ما جرى، وكذلك تصحيح مجموعة من المغالطات، التي روَجتها بعض الجهات، ووسائل الإعلام البعيدة كلّ البعد عن الحياد والنبل الصحفي. خاصة وأن الباحث فاعل حقوقي أشتغل في الميدان، حيث اعتمد على العمل الميداني المباشر، وقام بالملاحظة والرصد الميدانيين لأغلب المسيرات والوقفات الاحتجاجية التي نظمها الحراك وتعامل الدولة معها، واستمع إلى روايات وشهادات عدد من نشطاء الحراك، وعائلات المعتقلين، وهيئة دفاعهم، بالإضافة إلى جهات رسمية، وفاعلين جمعويين وإعلاميين وسياسيين، إذ حصل من خلالها على الكثير من الحقائق الموضوعية.
الكتاب يقع في فصلين؛ الفصل الأول يتناول أسباب الحراك المباشرة وغير المباشرة، وكذلك خطابه وهويته ورموزه و”مرجعيته السياسية”، وموقع مجموعة من التيارات السياسية والإيديولوجية (اليسار، الحركة الأمازيغية، الحركة الإسلامية..) من داخله، هذا بالإضافة إلى مبادئه وملفه المطلبي ومعجمه المفاهيمي المستعمل ودلالته السياسية والاجتماعية، وكذا تطوراته الميدانية على مستوى الريف بصفة خاصة والمغرب بصفة عامة وفي أوروبا، وتداعياته المحلية والوطنية.
أما الفصل الثاني فيتناول التعاطي الرسمي للدولة للحراك الذي لامسه الكتاب من خلال التطرق إلى خطوتين أساسيتين لـهـذا الـتـعـاطـي: الـخـطـوة الأولــى، وهي استعجالية وقريبة الأمد، وهي محاولة تفهم مطالب السكان والاستجابة لجزء منها عبر التسريع في وتيرة إنجاز مشروع “منارة المتوسط”، مع الـتـعـاطـي الأمـنـي مـعه، كحل سريع وعلى المدى القريب، من أجـل تبريد سخونة هـذا الـحـراك الشعبي، مخافة من بـروز تبعات أمنية جـديـدة تـحـاول الدولة تـفـاديـهـا. تبعها بعد ذلـك مسار قضائي، أُدين من خلاله عـدد من المعتقلين بتهم تباينت بين المشاركة في مظاهرة غير مصرح بها والمس بالأمن الداخلي للدولة، والانفصال، وتلقي تمويل خارجي.
أما الخطوة الثانية، يمكن الحديث هنا عن تـعـاطي سياسي متوسط وبعيد الـمـدى؛ حيث سعت الدولة إلـى الـوقـوف عند مسببات هذا الحراك، وحاولت التعاطي معها سياسياً؛ حيث كان من مقدمات هذه الخطوة السياسية، هو ما عُرف إعلامياً بـ “الزلزال السياسي”، الذي جاء عقب قـرار ملكي بعد الاطـلاع على تقرير المجلس الأعلى للحسابات حـول مشاريع “منارة المتوسط” أطاح بعدد من المسؤولين. بعد هـذه الخطوة المتوسطة الـمـدى، تسعى الدولة إلـى التعاطي مـع حراك الريف وباقي الحراكات الأخرى، التي شهدها المغرب منذ 2016، بشكل أكثر شـمـولاً، وذلــك فـي إطــار حـل بعيد المدى، أي عبر مقاربة اندماجية وتنموية في إطار ما يعرف “بإعادة النظر في النموذج التنموي المغربي”، الذي تسعى الدولة من خلاله إلى العدالة الاجتماعية والمجالية.
Je veux acheter un livre. Où je peux le trouver. Et merci