Share
  • Link copied

إدريس لشكر يحل ضيفا على “حوارات جامعة فاس”

استضاف مختبر الدراسات السياسية والقانون العام، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، السيد إدريس لشكر، يوم 5 ماي 2021 على الساعة الثانية زوالا، بمركز التكوين والندوات التابع لجامعة سيدي محمد بن عبد الله/ فاس، وذلك في سياق سلسلة حوارات الجامعة التي ينظمها المختبر مع الفاعلين السياسيين، لغاية فتح جسور الحوار والتواصل بين الجامعة ومحيطها، وبغية الانفتاح على مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، حيث تركز النقاش في هذا الحوار الخامس حول قضايا محورية كالانتخابات، وضعية الحزب بالمشهد السياسي، رؤية الحزب لمنظومة الانتخابات، الشأن الداخلي للحزب، الحقوق والحريات، المسألة التعليمية.

وافتتح هذا اللقاء، الذي حضره الدكتور رضوان المرابط رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس؛ بكلمة لكل من، الدكتور محمد بوزلافة، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، والدكتور سعيد الصديقي، مدير مختبر الدراسات السياسية والقانون العام، كما أشرف على إدارة النقاش ومحاورة الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كل من، الدكتور أمين السعيد، أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، والدكتورة مريم لخضر، أستاذة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس.

من هذا المنطلق، أكد الكاتب الأول لحزب الوردة بأن التحولات التي حصلت مع انهيار جدار برلين أدت إلى تراجع اليسار في جميع بلاد المعمور، وبأن تلك المتغيرات أثرت بشكل سلبي على جميع التنظيمات اليسارية، فقد اندثرت بعض الأحزاب اليسارية التي تأسست في نفس تاريخ تأسيس الاتحاد الاشتراكي (1959)، كما أن أحزاب اليسار الأوربي انهارت (نموذج الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يبيع مقره التاريخي)، إلا أن الاتحاد الاشتراكي ظل صامدا رغم جل هذه المتغيرات التي عرفها العالم، بل أنه صمد حتى ضد محاولات تشتيته وتقسيمه، مبرزا بأن أزمة اليسار ارتبطت بسياق عالمي اتسم بزحف قيم الرأسمالية المتوحشة على كل شيء.

تبعا لذلك، وضح الكاتب الأول لاتحاد الاشتراكي بأن الأحزاب الاشتراكية كانت مهددة بالاندثار، فالذي أنقذها وأعاد لها الأمل هو بعض التجارب الناجحة في العالم التي حاولت إعادة النظر والتجديد في مرجعية اليسار بغية إعطاء للفكر الاشتراكي نفسا جديدا، نموذج تجارب بعض دول أمريكا اللاتينية خلال بداية الألفية، والنموذج البريطاني المعروف بالطريق الثالث الذي جسده حزب العمال في عهد توني بلير، ثم تجربة البلدان الآسيوية الناجحة، باعتبارها من الدول الاقتصادية الصاعدة اليوم، نموذج فيتنام وبعض الاقتصاديات الناشئة.

واعتبر بأن الاتحاد الاشتراكي تأسس لمناهضة الظلم والاستبداد، حيث نشأ في سياق تاريخي دقيق اتسم بالعديد من التحديات، كما ساهم في تأسيسه كل من الطبقة العاملة (الاتحاد المغربي للشغل)، والمقاومة وجيش التحرير، ثم المثقفين بصفتهم الفئة التي أعطت للحزب بعده اليساري، وتماشيا مع ذلك، أكد زعيم حزب الوردة بأن الاتحاد الاشتراكي يعتبر الحزب المغربي الوحيد الموجود بالأممية الاشتراكية، وهي نفس الأممية التي طرحت التحديات الجديدة التي تواجه اليسار بعد تراجع مده، ثم أنه حزب يساري مبني على المساواة المطلقة بين الجنسين، وعلى قيم العدالة والحرية والمساواة التي تعد أساس تقدم الشعوب.

فضلا عن ذلك، أحال الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي على هيئة الإنصاف والمصالحة التي أنصفت حزب الاتحاد الاشتراكي – على حد قوله – من خلال إقرارها بالتضحيات التي قدمها جزء كبير من أبناء الشعب الذين كانوا ينتمون للمدرسة الاتحادية من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورغم تراجع اليسار بشكل عام والاتحاد على وجه الأخص على مكانته التاريخية، فإن فكره لا زال حاضرا بقوة، حيث أشار إلى جائحة كورونا التي أثبتت -حسب رأيه – على صحة القيم التي ناضل عليها الاتحاد الاشتراكي، خصوصا في ما يخص الاهتمام بالصحة والتعليم والدولة الاجتماعية.. إذ في الوقت الذي كان الفكر الاشتراكي منبوذ، فإن الأفكار اليوم التي تتبوأ الساحة السياسية في مرحلة الجائحة هي في الأصل منبعها الفكر الاشتراكي كالدولة الراعية التي تبحث على رفاهية مواطنيها والدولة الإستراتيجية والقطاع العام.

علاوة على ذلك، فقد اعتبر الورش الذي أطلقه عاهل البلاد حول تعميم الحماية الاجتماعية بأنه انتصار للقيم الاجتماعية، مؤكدا قوله بأن الاتحاد الاشتراكي وجد ذاته في هذا المشروع، حيث يتضمن أفكار وقيم اجتماعية لم تتبناها الأحزاب السياسية بما في ذلك الاتحاد الاشتراكي، منهيا كلامه في هذا الصدد بالقول، بأن فكر اليسار في هذه الظرفية الوبائية نراه يسير على الأرض ويجد طريقه نحو التفعيل والأجرأة، وهذا ما يجعل من القيم والأفكار اليسارية ذات أهمية بالغة في الوقت الراهن..

من جانب آخر، قال الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بأن حزبه هو من الأحزاب التي قامت بالإصلاحات الكبرى عبر التاريخ، معتبرا بأن إصلاح نظام الانتخابات هو ليس شأن أغلبية أو معارضة، بل هو أمر يهم الجميع، لأنه لا يمكن تقسيم الأحزاب إلى ملائكة وشياطين بشأن تعديل القاسم الانتخابي أو العكس، حيث أقر بأن النظام المعتمد لا يكرس البلقنة، بل سيضمن الإنصاف والعدالة، موضحا بأنه يتوقع بأن تفرز الانتخابات المقبلة خمسة أحزاب بفرق برلمانية مكتملة، حيث سيؤدي ذلك إلى شأن سياسي وحزبي أكثر وضوحا، وهذا تطور طبيعي بعيدا عن العمليات القيصرية للإصلاح، فمثلا في التسعينات كان هناك حوالي 11 أو 12 فريق برلماني، ومع تطور المشهد السياسي تقلص العدد إلى ما بين ستة و سبعة فرق برلمانية.

أما في سياق حديثه عن التحالفات، فقد أكد بأن الاتحاد الاشتراكي لم يبتعد عن الأحزاب التاريخية المشكلة للكتلة، بقدر ما أن هناك موقعين مختلفين، فمثلا، حزب التقدم والاشتراكية لم يخرج من الحكومة منذ حكومة التناوب إلى أن خرج منها سنة 2019، ثم أنه في سنة 2012 قرر التقدم والاشتراكية والاستقلال الدخول للحكومة، بينما كان موقف الاتحاد عكس ذلك، في حين قرر الاتحاد الاشتراكي في سنة 2016 المشاركة في الحكومة ليس طمعا في المقاعد، بل لقناعة ذاتية داخل الحزب، مفادها ضرورة الانخراط في عملية الإصلاح (النموذج التنموي؛ المشروع التحديثي..)، أما موقف حزب الاستقلال فقد كان مختلفا، لهذا فإن هناك مواقف ومواقع مختلفة بين المكونات التاريخية لأحزاب الكتلة، وهو ما أدى للوضع الذي هو عليه الآن بين مكوناتها، إلا أنه أقر بأن ما تضمنته المذكرة الانتخابية لحزب الاتحاد الاشتراكي يصل إلى حوالي 90 في المائة من المقترحات الموجودة عند أحزاب المعارضة (الاستقلال؛ الأصالة والمعاصرة، التقدم والاشتراكية).

وإلى ذلك، اعتبر زعيم حزب الوردة بأن أحداث “البلوكاج” التي حدثت في سنة 2016 لمدة ستة أشهر كانت تقتضي إعادة النظر في مجموعة من القضايا، لأن وضعية مؤسساتنا لا تسمح “بالاستقواء”، مبرزا بأن رجل الدولة يفترض منه تجاوز انتمائه السياسي مقابل مصلحة البلاد، حيث أشار إلى تجربة الاتحاد الاشتراكي بالحكم التي تخلى فيها عن مواقفه وقناعته مقابل المصلحة العليا البلاد (نموذج التخلي عن الاقتراع الفردي مقابل الاقتراع باللائحة)، ومحيلا في نفس السياق إلى تجارب ديمقراطية دولية، إذ يكون فيها بإمكان أحزاب لا تتصدر المرتبة الأولى تشكيل الحكومة من دون أن تثير الكثير من الجدل وفق ما يحصل بالمشهد السياسي الوطني، إذ لو لم يكن الفصل 47 لكان الأمر عاديا من الناحية السياسية، ليثير الانتباه بأن حزب الاتحاد اختار التوافق في قضية القاسم الانتخابي، وبأن الحزب لا يتعامل بمنطق الأغلبية العددية، بل بمنطق حفظ حقوق الآخرين والاختلاف والحرية والتوافق.

على غرار ذلك، اعتبر الكاتب الأول لحزب الوردة بأن تاريخ الاتحاد متسم بالاختلاف والتدافع، وبأن الاختلاف داخل الحزب هو أمر ملازم لتأسيسه، إذ منذ التأسيس كانت هناك قيادة جماعية لأنه لم يتم الاتفاق على قائد، فاستمر هذا الاختلاف في المؤثر الثاني، حيث وقع الاختلاف على تصورين، مبرزا بأن مسيرة الحزب اتسمت دائما بالاختلافات بين الرؤى والتيارات والأوراق المرجعية المقدمة للمؤتمرات، بل أن الأمر كان يتطلب وقتا كثيرا فقط لعقد مؤتمر وطني حتى في عهد الزعماء التاريخيين للحزب (عبد الرحمن اليوسفي وعبد الرحيم بوعبيد)، وقد أدت الاختلافات في – سياق معين – إلى خروج العديد من التيارات التي أسست أحزابا لها، فالبعض خرج من منطلق أن الاتحاد انتهى، لكن في غالب الأحيان، انتهى المشروع الذي أسس بعد الانسحاب، وعاد المنسحبون إلى الحزب الأم، بينما ظل الاتحاد صامدا ومستمرا رغم كل التحديات التي واجهته.

من جهة أخرى، أكد الكاتب الأول بأنه أعاد الاعتبار لحزب المؤسسة بدل حزب الأشخاص في عهده، فالعديد من الممتلكات (المقرات؛ الجرائد، المطابع..) كانت مسجلة في أسماء أشخاص وليس في اسم الحزب، وقد تم إرجاع كل شيء في اسم الاتحاد الاشتراكي، كما أبرز بأن هناك بعض الإشكالات التي تبرز من حين لأخر على المستوى الداخلي، وهي في الغالب لها صلة بالذاتية (غضب أشخاص بسبب أنهم لم ينالوا حقائب وزارية؛ غضب البعض بسبب أن أسماءهم لم تأتي في اللوائح الوطنية..)، إلا أنه أقر بأن المصالحة الداخلية التي أطلقها الحزب حققت مكاسب كبرى من خلال عودة الكثير من مناضلين، وهو أمر ينبغي الوقوف عليه مليا، فبينما هناك حالات استثنائية قليلة من المنسحبين في الوقت الراهن، فإن هناك أعداد كبيرة من الملتحقين بالحزب.

في سياق آخر، أشار الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إلى أن طموح كل حزب سياسي هو أن ينال المرتبة الأولى في الانتخابات، فالذي ليس له هذا الطموح عليه أن لا يمارس السياسة، ووضح في نفس الوقت، بأن طموح حزبه هو أن يتبوأ المراتب الثلاث الأولى في انتخابات 2021، حيث هناك عمل في هذا الاتجاه وسيؤدي إلى نتائج في مستوى التطلعات.

وفي سياق حديثه عن الحقوق والحريات، اعتبر الكاتب الأول بأن المغرب حقق خطوات مهمة في هذا المجال، ففي سياق تاريخي كان شراء جريدة الاتحاد الاشتراكي قد يكلف السجن، أما اليوم فهناك تطور ملحوظ بالمقارنة مع دول قريبة، بينما وضح بأنه لا يدعي بأن المغرب هو بلد الحريات بل مازال المسار طويل، فبقدر حجم التطورات التي حققتها البلاد، فإن هناك بعض الممارسات الغير مقبولة، نموذج تعرض أساتذة التعاقد للعنف، والتي انتهت بإحالة الملف على القضاء.

فضلا عن ذلك، قال الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي بأنه لم يحدث أن طالب بالمساواة في الإرث، وبأنه يتحدى أي كان أن يدلي بما يؤكد قوله لهذا الأمر، كما ألح بأن سياق حديثه كان حول المساواة بين المرأة والرجل وفق ما جاء في مقتضيات الفصل 19 من الدستور بمؤتمر القطاع النسائي للحزب، كما عبر عن موقفه من الإرث بالدعوة إلى فتح نقاش جدي وحقيقي حول هذا الموضوع، مذكرا بأن هناك إشكالات تقتضي معالجتها والبحث عن حلول لها من خلال اجتهادات العلماء، نموذج حق ولاية المرأة على الأبناء، كما أكد بأنه هو مع الإسلام الوسطي المعتدل في هذه القضية وليس مع الإسلام المحافظ والمتشدد والمتطرف.

أما بخصوص القضية التعليمية، فقد عبر الكاتب الأول عن اعتزازه بكون أبناء المدرسة الاتحادية أغلبهم من أبناء المدرسة العمومية، إلا أنه انتقد المفارقة القائمة عند بعض النخبة، فهم يدرسون أبناءهم بالبعثات والمدارس الخصوصية، لكن في نقاشهم للقضية التعليمية يكون خطابهم محافظ ومناقض، خصوصا في المسألة اللغوية، موضحا بأن هذا الإشكال تاريخي، إذ حتى في بداية الاستقلال كان البعض يدافع على موقف بخصوص أبناء الشعب، بينما كانوا يرسلون أبنائهم إلى المدارس الأجنبية، كما طالب بأن يكون هناك نوع من العدالة اللغوية والمجالية في قضايا التعليم للحسم مع جدلية المغرب النافع والمغرب غير النافع، وأن يحظى الذين يدرسون بالمدرسة العمومية بنفس الحظوظ والامتيازات الموجودة بالقطاع الخاص، لا أن يكون التعليم الخصوصي متميزا على التعليم العمومي.

وأكد بأن التعليم العمومي هو القاطرة الأساسية للتنمية، فالعديد من الأدباء والعلماء والفلاسفة هم أبناء المدرسة العمومية، بل حتى أحد المساهمين في إنتاج اللقاح اليوم بالولايات المتحدة هو خريج المدرسة العمومية، لهذا ألح على أنه ينبغي أن ننظر إلى نصف الكأس المملوء في ما يخص القضية التعليمية وأن نتعاون لإصلاح نصف الكأس الفارغ، بما في ذلك، أن ننظر بتفاؤل للمدرسة العمومية رغم كل ما يقال عنها، وذلك من خلال إعادة الثقة والاعتبار إليها، كما اعتبر بأن مجانية التعليم هي مطلب أساسي للحزب، حيث أشار إلى أنه حتى في الدول المتقدمة فإن التعليم العمومي ما زال هو الأساس، فمثلا حوالي 94 في المائة من المتعلمين ينتمون للمدرسة العمومية بالولايات المتحدة رغم أنها تمثل النموذج النيوليبرالي، ونفس الشيء يقال على فرنسا، ليختم مداخلته بالتأكيد على ضرورة الرفع من ميزانية التعليم، وذلك بغية تشجيع ودعم البحث العلمي.

باحث في سلك الدكتوراه، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس.

Share
  • Link copied
المقال التالي