Share
  • Link copied

إدامين يكتب: اغتصاب حقوق الطفل باسم العهد الإسلامي


عزيز إدامين*

برمج المجلس الحكومي الأسبوع الماضي ( 22غشت 2019) في جدول أعماله المصادقة على اتفاقية “عهد حقوق الانسام في الإسلام)، هذه الاتفاقية المعتمدة من قبل المؤتمر الإسلامي الثاني والثلاثون لوزراء الخارجية المنعقد في صنعاء – اليمن، خلال الفترة من 28 إلى 30 يونيو 2005.


ومما جاء في “العهد” على سبيل المثال لا الحصر:


• هذا العهد يؤكد على حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية وأحكامها مع مراعاة التشريعات الداخلية للدول، وكذا مراعاة حقوق أطفال الأقليات والجاليات غير المسلمة تأكيدا للحقوق الإنسانية التي يشترك فيها الطفل المسلم وغير المسلم؛


• تأمين طفولة سوية وآمنة وضمان تنشئة أجيال من الأطفال المسلمين يؤمنون بربهم، ويتمسكون بعقيدتهم؛
• احترام أحكام الشريعة الإسلامية ومراعاة التشريعات الداخلية للدول الأعضاء؛


• مراعاة ثوابت الأمة الإسلامية الثقافية والحضارية؛


• إنهاء العمل بالأعراف أو التقاليد أو الممارسات التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، والحقوق والواجبات المنصوص عليها في هذا العهد؛


• للطفل الحق في الحياة، منذ كونه جنينا في بطن أمه، أو في حال تعرض أمه للوفاة، ويحظر الإجهاض، إلا في حالات الضرورة التي تقتضيها مصلحة الأم أو الجنين أو كليهما وله حق النسب والتملك والميراث والنفقة؛
• لكل طفل قادر حسب سنه ونضجه تكوين آرائه الخاصة وحق التعبير عنها بحرية في جميع الأمور التي تمسه، سواء بالقول أو الكتابة أو أية وسيلة أخرى مشروعة، وبما لا يتعارض مع الشريعة وقواعد السلوك؛


• لكل طفل الحق في احترام حياته الخاصة، ومع ذلك فللوالدين، ولن يمثلهما شرعا، ممارسة إشراف إسلامي إنساني على سلوك الطفل،


• تنمية شخصيته وقيمه الدينية والأخلاقية وشعوره بالمواطنة وبالتضامن الإسلامي والإنساني؛
• حق الطفل في اللباس الذي يوافق معتقداته مع الالتزام بالشريعة الإسلامية والآداب العامة وما لا يخدش الحياء؛


• تتخذ الدول الأطراف التدابير اللازمة لحماية الطفل من التأثير الثقافي والفكري والإعلامي والإتصالاتي، المخالف للشريعة الإسلامية؛


• على الوالدين أو المسؤول عن الطفل شرعا أو قانونا والدول الأطراف حماية الطفل، من الممارسات والأعراف الضارة صحيا أو اجتماعيا أو ثقافيا، أو المؤثرة سلبا على رفاهيته أو كرامته أو نمائه، أو تلك التي يترتب عليها تمييز بين الأطفال على أساس الجنس أو غير ذلك بمقتضى النظام بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية؛


هذه بعض المقتضيات الواردة في “العهد” والتي تؤسس لنظام تمييزي عنصري بين الطفل المسلم وغير المسلم، وأيضا تنتهك حقوق الطفل في اللباس والتعليم والتعبير، بالإضافة إلى المس بحقوق المرأة المكتسبة. ليطرح سؤال حول موقع هذا “العهد” في التزامات المغرب الدولية أمام الشرعة الدولية والاتفاقيات الأساسية المصادقة عليها.


أولا: مصادقة المغرب على “العهد” خرق للقانون الدولي وانتهاك لالتزاماته الدولية


صادق المغرب على الاتفاقيات الأساسية التسعة للقانون الدولي لحقوق الانسان، وخاصة في موضوعنا هذا على اتفاقية حقوق الطفل والبروتكولات الثلاثة الملحقة بها، واتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
مما يطرح سؤال حول موقع “عهد حقوق الطفل في الإسلامي” في النظام القانوني الدولي في الحالة المغربية؟


لا بد في البداية من توضيح أن الاتفاقيات الأساسية التسعة تسمى الاتفاقيات الشارعة، وهي اتفاقيات دولية، مفتوحة لكل الدول من اجل التصديق أو الانضمام، وتحتضنها وتراعي تنفيذها الأمم المتحدة، أما اتفاقية عهد حقوق الطفل في الإسلام فهي اتفاقية قطرية (جهوية)، أي أنها محصورة على مجموعة من دول معينة ترتبط بقاسم مشترك، وفي هذه الحالة فالقاسم المشترك هو الانتماء لمنظمة التعاون الإسلامي (لمؤتمر الإسلامي سابقا).


وللإشارة هناك تصنيفات متعددة للاتفاقيات، كبعض الاتفاقية الإقليمية لدول تنتمي لجغرافيا معينة، واتفاقيات ثنائية بين دولتين أو أكثر …هذا التعدد والتنوع في أصناف وأشكال وموضوعات الاتفاقيات الدولية، جعلت المنتظم الدولي يحسم في حالة التعارض أو الاختلاف بينها، فجعلت الاتفاقيات الدولية الشارعة تسمو على كافة الاتفاقيات الأخرى، وأوكل لمحكمة العدل الدولية الحسم في نزاع حول تفسير أو تطبيق اتفاقية ثنائية أو إقليمية، بأن تستند المحكمة على الاتفاقيات الدولية والاعراف الدولية وأيضا على الاجتهادات القضائية.


1- اتفاقية فيينا لسنة 1969


تعتبر اتفاقية فيينا لسنة 1969 اتفاقية الاتفاقيات أو دستور الاتفاقيات، والتي على أساسها تتم صناعة المعاهدات إلى غاية تنفيذها، فإنها تنص صراحة في المادة 30 منها المعنونة ب” تنفيذ المعاهدات المتتابعة التي تتعلق بموضوع واحد” أنه: “مع مراعاة ما جاء في المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة، تتحدد حقوق والتزامات الدول الأطراف في معاهدات متتابعة تتعلق بموضوع واحد وفق الفقرات التالية:

• إذا نصت المعاهدة على أنها خاضعة لأحكام معاهدة أخرى سابقة أو لاحقة، أو أنها لا ينبغي أن تعتبر غير منسجمة مع مثل هذه المعاهدة فان أحكام المعاهدة الأخرى المعنية هي التي تسود.
• إذا كان كل الأطراف في المعاهدة السابقة أطرافاً كذلك في المعاهدة اللاحقة دون أن تكون المعاهدة السابقة ملغاة أو معلقة طبقاً للمادة 59، فإن المعاهدة السابقة تنطبق فقط على الحد الذي لا تتعارض فيه نصوصها مع نصوص المعاهدة اللاحقة.”


وبالعودة إلى ديباجة عهد حقوق الطفل في الإسلام، وإن أشر بشكل عرضي على أنه” انطلاقا من الجهود الإسلامية المعنية بقضايا الطفولة والتي ساهمت في بلورة اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي أبرمت في إطار الأمم المتحدة” فإن حقوق الطفل الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة تسمو على الحقوق الطفل لمنظمة التعاون الإسلامي.


كما تنص الاتفاقية في مادتها 53 المعنونة ب “المعاهدات المتعارضة مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي”، على ما يلي: تكون المعاهدة باطلة إذا كانت وقت عقدها تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي.لأغراض هذه الاتفاقية يقصد بالقاعدة الآمرة من القواعد العامة للقانون الدولي القاعدة المقبولة والمعترف بها من قبل المجتمع الدولي ككل على أنها القاعـدة التي لا يجوز الإخلال بها والتي لا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي لها ذات الطابع”.


ينعت فقهاء القانون الدولي هذا المبدأ ب “المحل” أو موضوع الاتفاقية، فأشدوا على أنه لا يمكن ابرام أو الانضمام لاتفاقية تخالف القانون الدولي، وفي هذا الصدد نجد أن قاعدة “عدم التمييز” تم انتهاكها في عهد حقوق الطفل في الإسلام.


وتضيف المادة 64 من نفس الاتفاقية أنه “إذا ظهرت قاعدة آمرة جديدة من القواعد العامة للقانون الدولي فان أية معاهدة نافذة تتعارض معها تصبح باطلة وتنقضي.”.


وفي هذا السياق نحيل على وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة بعنوان “الأحكام الختامية للمعاهدات المتعددة الأطراف” الصادرة سنة 2005، تحت رقم 7-633014-1-92 ISBN، الصفة 62، في عنوان فرعي “التنازع مع اتفاقات دولية أخرى”: “وفي حالـــة المعاهدات المتتالية المتعلقة بالموضوع نفســـه المبرمة بين الأطراف نفســـها، ينطبق مبدأ “القانون اللاحق ينسخ السابق” وبالتالي فإنه عندما يكون الأطراف في معاهدة سابقة أيضاً أطرافاً في معاهدة لاحقة ولكن دون أن تنهي المعاهدة الســـابقة أو يتوقف العمل بها بموجب المادة 59 من اتفاقية المعاهدة 1969، تطبق أحكام المعاهدة السابقة بقدر ما تتوافق أحكامها مع أحكام المعاهدة اللاحقة. وهكذا فإنه، ما لم يكن دليل على نية مخالفة، يفترض أن الأطراف قد قصدوا إنهاء أو تعديل المعاهدة السابقة لدى إبرامهم لمعاهدة لاحقة تتنافى مع المعاهدة السابقة”.


وإلى اليوم لم يعلن ولم يبدي المغرب نيته انهاء التزامه باتفاقية حقوق الطفل ولا اتفاقية التمييز الفضاء على التمييز العنصري.


2- بعض أحكام القانون الدولي


• المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة: “إذا تعارضـــت الالتزامـــات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقاً لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة لالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق.”• المادة 6 من اتفاقية المعونة الغذائية لعام 1999: لا تغـــير هذه الاتفاقية من حقـــوق الدول الأطراف والتزاماتها الناشـــئة عن اتفاقات أخرى تتماشـــى مـــع هذه الاتفاقيـــة ولا تؤثر على تمتع دول أطـــراف أخرى بحقوقها أو علـــى وفائها بالتزاماتها بموجب هذه الاتفاقية.• المادة 90 من اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بعقود البيع الدولي للبضائع لعام 1900: – ّ ليـــس لهـــذه الاتفاقية غلبة على أي اتفاق دولي كان قد أبرم، أو يمكن أن يبرم، ويحكم على وجه الخصوص معاملة من شأهنا، لولا ذلك الاتفاق، أن تخضع لهذه الاتفاقية”.


• المادة 10 من فاقية تامبير المتعلقة بتقديم موارد الاتصالات السلكية واللاسلكية للحد من الكوارث ولعمليات الإغاثة لعام 1998: لا تؤثـــر هذه الاتفاقية في حقوق والتزامات الـــدول الأطراف المنبثقة عن الاتفاقات الدولية الأخرى أو عن القانون الدولي”.


• المادة 3 من اتفاقية حظر أو تقييد اســـتعمال أســـلحة تقليدية معي عشوائية الأثر لعام 1980: ” ليس في هذه الاتفاقية أو في بروتوكولاهتا المرفقة ما يفس القانون الإنساني الدولي المنطبق في النـزاع المسلح على الأطراف السامية المتعاقدة”.


3- الأحكام القضائية والاجتهادات الدولية


نستعرض بعجالة لاهم الاحكام القضائية الدولية المتعلقة بسمو الاتفاقيات الشارعة على الاتفاقيات الإقليمية والاتفاقيات الجهوي والاتفاقيات الثنائية:


• قرار المحكمة الدولية الجنائية الخاصة “نونبرغ”: ببطلان المعاهدة المبرمة بين رئيس وزراء فرنسا “بيير لافال” وسفير حكومة فيشي في برلين، المتعلقة باتفاقية حول استخدام أسرى الحرب الفرنسيين في المصانع الألمانية، لكونه يعد باطلا وجاء مخالفا للآداب والأخلاق العامة الدولية المنصوص عليها في الشرعة الدولية.


• قرا ر مجلس الامن الدولي بإلغاء الاتفاق الفرنسي الانجليزي و الإسرائيلي والمتعلق بالاعتداء على مصر في 29 أكتوبر 1956 . نظرا لعدم مشروعيته ومخالف للمبادئ الدولية.


• قرار محكمة العدل الدولية بخصوص “مسائل تفسيرية لاتفاقية مونتريال لعام 1981 وتطبيقها على حادث لوكيربي ” الصادر عام 1992، والذي أكد أن “الحقوق التي تدعيها ليبيا بمقتضى اتفاقية موريال لا يمكن أن تكون حقوق جديرة بالحماية … حيث أن التزامات الأطراف في هذا المضمار تطغى، وفقا للمادرة 103 من ميثاق الأمم المتحدة وعلى أي اتفاق أخر بما فيها اتفاق موريال”.


يمكن الرجوع لعشرات الاحكام القضائية الدولية في هذا الصدد الذي يؤكد سمو الاتفاقيات الشارعة على الاتفاقيات الإقليمية والقطرية من خلال المرجع : موجز الاحكام والفتاوى والاوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية، منشورات الأمم المتحدة لعام 2008.


ثانيا: المسؤولية الوطنية لوقف زحف المحافظة


بعد هذا التقديم النظري الذي يعتبر أن اتفاقية حقوق الطفل والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وباقي الاتفاقيات المؤسسة للقانون الدولي لحقوق الانسان، تمسو على كل الاتفاقيات الأخرى، والدولة تلتزم أمام هيئات الأمم المتحدة بقوانينها الشارعة وليس بقوانين منظمات حكومية أخرى.
وبالتالي فإن اتجاه المغرب نحو المصادقة على عهد حقوق الطفل في الإسلام، بالإضافة إلى أنه يشكل انتكاسة، فإن التخوف بأن يتجه القضاء المغربي بشكل مساير للمقاربة المحافظة التي تغزو مؤسسات حقوق الانسان والحكامة مؤخرا، والاستناد على هذا العهد عوض أحكام القانون الدولي.


وهنا تطرح مسؤوليات عديدة، منها المؤسساتية ومنها مسؤولية الفاعل السياسي والمدني.


1- المجلس الوطني لحقوق الانسان


أعطى المشرع المغربي للمجلس الوطني لحقوق الانسان حق المبادرة الذاتية فيما يتعلق بكل مشاريع القوانين من أجل إبداء رأيه فيها، وهو ما نصت عليه المادة 25 من القانون المنظم له.


وبالعودة للفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون فهو مقيد بأن يشتغل في إطار كونية حقوق الانسان وعدم قابليتها للتجزيئ.فهل سيتملك المجلس الشجاعة من أجل الدفع بعدم المصادقة على هذه الاتفاقية المنتهكة لحقوق الطفل؟.


2- الأحزاب السياسية


إن الأحزاب السياسية التي تدعي الحداثة والتقدمية والمعاصرة، توجد امام امتحان ربط خطابها بالممارسة، وذلك بحث فرقها البرلمانية بعدم المصادقة داخل اللجنة المختصة بالبرلمان على مشروع قانون هذا العهد.


3- المجتمع المدني


المجتمع المدني المغربي الغني بتعدده وتنوعه مطالب اليوم بتشكيل جبهة وطنية لمواجهة المد المحافظ داخل منظومة حقوق الانسان بالمغرب، فاليوم بدأت مع عهد حقوق الطفل في الإسلام وغدا قد تكون مصادقة المغرب على الميثاق العربي لحقوق الانسان، مسألة وقت فقط.
ختاما:
معروف في القانون الدولي مبدأ يسمى مبدأ التدرج في الانتصاف، أي أنه اللجوء يبدأ بالانتصاف أمام الاليات الوطنية، وبعدها الإقليمية والقطرية، وأخيرا الدولية.


إن التخوف أن تكون هذه المبادرات تسير في اتجاه وضع مطبات ومنعرجات متعددة قبل الولوج لمنظومة الأمم المتحدة لحقوق الانسان.


*خبير في حقوق الإنسان

Share
  • Link copied
المقال التالي