اِعلم أن ظهور فيروس كورونا لم يكن عاديا، وإنما ما زال يخلق المفاجأة ويثير ردود فعل لدى الرأي العام؛ بل إلى حدود الآن لم يستطع أحد الجزم بإمكانية طي ملفه، وما صاحبه من أحداث، ولو بعد حين؛ ذلك أن الإجراءات التي اتخذت باسم الفيروس تعددت وتكاثرت إلى درجة لم يتوقعها حتى من سنوها بعدما استصغروا الأمر في بداية ظهور الوباء، وأنكروا بعض الإجراءات التي أصبحت من صلب توصياتهم وبرامجهم السياسية.
وعليه، لم ولن يتوقف النقاش حول كورونا، ولو أن الرأي العام يسير في فرض توجه وحيد، يقبل بالأمر الواقع، بغض النظر عن درجة مصداقيته ولا مستوى فعالية الإجراءات المفروضة قسرا، والتي لم يثبت نجاحها بالمقارنة مع انتشار الفيروس، حسب ما يردنا من الأرقام؛ وإنما على العكس تماما، تكثر التساؤلات كلما حاولت الجهات الرسمية، في مختلف البلدان، سن إجراءات جديدة والتشديد عليها، حتى وُصفت ب “اللامنطقية”، مما جعل مختلف المسؤولين، بما فيهم أعضاء اللجن العلمية المؤيدة لمعظم القرارات، غير قادرين على مواجهة الرأي العام ولا حتى محاولة إقناعه بالحجج العلمية والمنطقية، غير التخفي وراء ضرورة الالتزام بالتوصيات لأن الفيروس خطير وما زال مجهولا.
وفي ظل هذه الظروف التي اتسمت بطرح التساؤلات الكثيرة حول الفيروس، وما صاحبه من إجراءات غير منطقية، بدأ البعض يتحدث عن إجبارية التلقيح الذي لم يسلم من الانتقاد العلمي؛ لاسيما أن الخبراء في الميدان يوصون بالتريث في التلقيح في بداية مراحل إنتاجه، فضلا عن كون اللقاحات التي تم الترخيص لها خلفت آثارا، وُصفت بعضها بالخطيرة، للملقحين عبر العالم، بل هناك من اللقاحات التي لم يتم الاعتراف بها من بعض المنظمات الصحية الإقليمية، كما حدث مع لقاح استرازينيكا المصنع في الهند ولقاح سينوفارم الصيني اللذين لم يحضي بالاعتراف من طرف المنظمة الأوروبية بشكل رسمي، رغم صدور ترخيص في ذلك من منظمة الصحة العالمية.
ولهذا، فإن إثارة مسألة إجبارية التلقيح في هذه الظروف، بالذات، يعتبر أمر غير صحي؛ غير أن إشاعة الخبر والترويج له في المنابر الإعلامية، وكذا القول بإمكانية فعل ذلك حسب ما جاء على لسان بعض المسؤولين، لا يوحي إلا بتطبيق ذلك على أرض الواقع، وأن تفعيل ذلك مسألة وقت فقط، مادام تم النطق به؛ لأنه، في زمن كورونا، علمونا أن كل إشاعة لها ارتباط بتشديد الإجراءات، تم الترويج لها من طرف المنابر الإعلامية، وتكون غير منطقية، يتم فرضها؛ وهذا يكون بدون تسجيل انتقاد خاص، أو الرفض، من طرف المنظمات التي يجب في حقها فعل ذلك، بعدما أصبح معظمهم يقول نعم دون نقاش، أو التزام السكوت المعبر عن الرضا كما هو معروف.
وعليه، فإن إجبارية التلقيح، وكذا فرض إجراءات غير منطقية، يوحي لنا بمحاولة فرض سياسات معينة وتدريب المواطنين على قبول كل الإجراءات والقرارات، مهما كانت قاسية؛ حتى إن نجح الأمر، أصبح الإنسان المعاصر آلة من الآلات الحديثة، قابل للبرمجة متى رأى مالكها ضرورة ذلك؛ بل الأخطر من ذلك، بداية تشكل نوع من التفكير لدى بعض فئات المجتمع يجعلهم يدافعون، بدون وعي، عن القرارات اللامنطقية رغم اعترافهم بذلك، مع محاولة تخوين وتجريم كل شخص سجل ملاحظات حول هذه القرارات؛ مما ينبئ بعودة نظام العبيد الذي كاد ينقرض في عصرنا، غير أن زماننا يتميز بكون المرء يختار لنفسه العبودية، عن رضا زائف، مع الدعوة والدفاع على ذلك، ولو أنه تحصل على أعلى الدرجات العلمية.
وبالتالي لابد من التذكير بقضية في غاية الأهمية، وهي أن الإنسان مطالب باتخاذ جميع السبل لوقاية نفسه وغيره من المخاطر، لاسيما التي تتسبب في إزهاق الروح؛ غير أن المنطق يفرض تصنيف المخاطر وكذا السبل المتخذة للوقاية منها أو مواجهتها؛ لذلك نجد في الفقه، مثلا، قواعد كثيرة من قبيل: “درء المفسدة مقدم على جلب المصالح” و “أخف الضررين لدفع أشدهما”، وغيرهما من القواعد التي تدعو إلى عملية الترجيح في الحالات الشائكة والتي يصعب معها الجمع بين الخيرين أو القضاء على الشرين معا.
ولهذا، فإن محاولة فهم أغلب القرارات المتخذة باسم فيروس كورونا، عبر العالم، تجعلنا نسجل ملاحظات عدة رغما عنا، لأن المنطق السليم يأبى قبول ذلك، بل يزداد تسجيلها كلما أنزلوا قرارا جديدا؛ ولا نشك في تنزيل هذه الملاحظات على دعوى إجبارية التلقيح، التي بدأ البعض ينادي بها في المغرب بعدما أقدمت فرنسا على فرض اللقاح بشكل غير مباشر؛ ذلك أن اللقاح لم يثبت بشكل يقيني قضاءه على الفيروس، كما أن فيروس كورونا ليس بتلك الخطورة التي يُتحدث عنها مقارنة مع مجموعة من الأمراض التي غزت العالم، ولم يتم تسليط الضوء عليها كما فعلوا مع “جائحة كورونا”؛ بالإضافة إلى هذا، فقد انتشرت بعض الأخبار التي تدعي أن ظهور هذه الفيروسات المتغيرة لها ارتباط باللقاحات المستعملة للوقاية من فيروس كورونا؛ وغيرها من الأخبار التي تجعل المرء ملزما بالتريث أصالة، وبعدم إجبار الآخرين على اعتقاد ما يظنه حقيقة مطلقة، سواء عن طريق فرض الإجراءات، أو اعتبار كل فرد، لم يقتنع بعد بفعالية اللقاح أو معظم القرارات، شخصا سلبيا يجوز تخوينه وإلباسه جريمة المساهمة في القتل غير العمد.
وفي الختام نقول: لقد حان الوقت لنبذ منهج بوش، إما معي أو ضدي، لاسيما في القضايا ذات الصبغة العلمية، فضلا عن التي امتزجت بالسياسة إلى مستوى جعل من منظمة الصحة العالمية توصي بعدم تسييس ملف التلقيح، على سبيل المثال؛ كما وجب التسليم بجميع الاحتمالات والمواقف، لاسيما التي تشكك في كل هذه الضجة حول كورونا؛ لأن من يعايش، في الريف مثلا، سقوط أرواح بشكل يومي، منذ عقود، بسبب مرض السرطان، دون تسجيل أي خطوات جدية من طرف نفس القائمين على تدبير ملف كورونا، لا تنتظر منه التسليم بصدق القرارات بدعوى الحفاظ على الصحة العامة وهو تقرر عنده اللامبلاة المسؤولين، بل استغرب ممن يصفق لمن كان بالأمس القريب يتلقى انتقادات لاذعة بخصوص ملف السرطان وغيره، لكن جائحة كورونا أفقدت كل الملفات الاهتمام؛ وذلك بعدما اتضح للجميع عدم اتخاذ أي اجراءات صادقة، لوقف معاناة السكان، إما بتوفير الحد الأدنى من المستلزمات، كجهاز سكانير مثلا، لمتابعة المرضى، أو منع منتوجات مسرطنة تم الإجماع عليها من أهل الإختصاص؛ وهكذا في مجموعة من الملفات، وعلى مستوى مدن أخرى، لكن المقام لا يسمح للتفصيل أكثر.
اللهم احفظ بلادنا من الأمراض والفتن، وارزقنا المنطق والعمل به.
تعليقات الزوار ( 0 )