عرف المغرب في السنوات القليلة الماضية، انتشارا لظاهرة المقاهي الثقافية بعدد من المدن في المملكة، والتي جاء إنشاؤها بهدف نشر “حب القراءة”، خاصة في البلدات والقرى الصغيرة التي لا تتوفر فيها مرافق عمومية تمكن قاطنيها من ملء أوقات فراغهم.
ومثل باقي المقاهي، فقد فرض الحجر الصحي الذي أعلنته الحكومة المغربية برئاسة سعد الدين العثماني، منذ شهر مارس الماضي، للتصدي لتفشي جائحة كورونا، على أصحاب هذه المشاريع الثقافية إغلاق أبوابهم في وجه مرتاديهم، ما نجم عنه تضرر النشاط من عدة جوانب.
الأستاذ والشاعر بوجمعة الكريك، رئيس جمعية المقهى الأدبي بتارجيست، وملتقى تارجيست الدولي للثقافة، قال في تصريح لجريدة “بناصا”، “إن المقاهي الثقافية كانت ملاذا للكثير من المتعطشين للفعل الثقافي الجاد”، وذلك نظرا لأن هذه الأماكن تمتاز بعدة صفات عن باقي الفضاءات الرسمية، مثل: “الحميمية التي تسود بين روادها، وإمكانية احتساء فنجان قهوة و في نفس الوقت الاستمتاع بنشاط ثقافي يختلف في كل مرة”، حسب تعبيره.
وتابع بوجمعة، الذي هو عضو مؤسس للمقهى الثقافي بالناظور أيضا، بأن الجائحة التي تمر بها المملكة المغربية، على غرار باقي دول العالم، والحجر الصحي المفروض جعل هذه “الفضاءات تغلق أبوابها وبالتالي تعلق جميع الأنشطة الثقافية المبرمجة سلفا وهذا بطبيعة الحال وضع جد قاس”، مضيفا بأن هذا الأمر له نعكاسين سلبيين، الأول “يخص صاحب المقهى الذي وجد نفسه من دون شغل وفقد مصدر الرزق الرئيسي. والثاني، يخص الشق الثقافي، لأن إغلاق المقهى هو إعدام للفعل الثقافي والذي عماده الأساسي تجمع جمهور المثقفين والمهتمين بالممارسة الثقافية بالمدينة أو من خارجها”.
واسترسل الكريك، بأن المشرفين على المقاهي الثقافية، لم يستسلموا للوضع الراهن، وحاولوا إيجاد حلول، لكي لا يتوقف الفعل الثقافي كما توقف مصدر الرزق، حيث لجأوا لاعتماد “التقنيات الحديثة من أجل إنجاز بعض الأنشطة الثقافية عن بعد ولكن ميزان القوى ضعيف في هذا الصدد، يعني أن آليات التواصل التفاعلية كثيرة، ومتنوعة، وأيضا متاحة، ولكن ضعف وهزالة صبيب الأنترنيت، يأسر تلك الأنشطة داخل نفق الفشل المظلم”، مردفا بأن هذه الإكراهات تسببت، ربما، في عزوف الناس عن المتابعة”، مؤكدا بأن الجائحة، لم تكن صحية فقط، بل تعدتها لتكون جائحة ثقافية أيضا، إلى جانب كونها اقتصادية وأسرية إلى آخره” حسب تعبيره.
وبخصوص مرحلة ما بعد كورونا، وهل ستستعيد المقاهي الثقافية عافيتها، أم أن انتكاستها الحالية ستستمر لوقت طويل، يقول الكريك:”حتى إن افترضنا جدلا أن المقاهي الثقافية ستعود للعمل كما كانت في السابق، فيجب على أربابها تحمل تكاليف إضافية من أجل التعقيم وتوفير شروط السلامة الصحية، زيادة على ضرورة استغلال نصف طاقة الفضاء لتنفيذ التباعد الوقائي”، وانطلاقا من هذا فإن المتحدث يرى بأنه من الصعب على صاحب المقهى، أن يسدي هذه “الخدمة الجليلة للطاقات والمواهب المحرومة من المكتبات، المسارح، قاعات للعروض، وغيرها من المؤسسات التي كان من الأولى أن توفرها الدولة في كل مدينة و قرية”، حسب قوله.
وأوضح الكريك، بأن العودة للعمل صعبة للغاية خاصة في القرى والمداشر، كما أن ممارسة الثقافة بهذه المناطق صعب أيضا، مستطردا:”أكيد أن مرحلة ما بعد كورونا ستعرف موت عدد من المشاريع الثقافية وذبولها، نظرا لعدم وجود من يرعاها ويدعمها ماديا ومعنويا”، مختتما كلامه، بمطالبة المسؤولين وأصحاب القرار، بالأخذ بيد “من ينير طريق شبابنا بالكتاب والثقافة ويبعدهم عن موبقات الخمر والمخدرات، وتحفيزهم بتخفيضات أو إعفاءات ضريبية، ادعموا الجمعيات الجادة و الجديرة بالدعم”.
تعليقات الزوار ( 0 )