في خطوة تاريخية نحو تعزيز الاستدامة البيئية، أطلقت شركة العبارات الإسبانية “بالياريا” (Baleària) مشروعًا رائدًا لإنشاء أول ممر أخضر بين إسبانيا والمغرب، باستخدام عبّارات سريعة تعمل بالكامل بالطاقة الكهربائية وخالية من الانبعاثات.
ويهدف هذا المشروع إلى ربط مدينتي طريفة الإسبانية وطنجة المغربية، ليصبح هذا الطريق الأكثر استدامة بين أوروبا وأفريقيا.
وستُنشأ العبّارات الجديدة، التي ستكون من نوع “كاتاماران” (عبّارة مزدوجة الهيكل)، في حوض بناء السفن “أرمون” في خيخون الإسبانية على مدار العامين ونصف القادمين.
وستكون كل عبّارة مزودة بقوة كهربائية تصل إلى 16 ميجاوات، مدعومة بأربع وحدات دفع كهربائية تعمل بالبطاريات.
وستتمتع كل سفينة بسعة بطارية تصل إلى 11,500 كيلوواط/ساعة، مما يسمح لها بإكمال الرحلة البالغة 18 ميلاً بحريًا دون انبعاثات ضارة.
وأكد أدولفو أوتور، رئيس شركة بالياريا، أن هذه العبّارات ستكون خالية تمامًا من الكربون، مما يتوافق مع أهداف الاستدامة العالمية لعام 2050.
وأضاف أن الدفع الكهربائي لن يقلل فقط من الانبعاثات، بل سيقلل أيضًا من الضوضاء والاهتزازات، مما يوفر تجربة سفر أكثر راحة للركاب.
ولضمان استمرارية التشغيل، سيتم تزويد كل سفينة بأربعة مولدات احتياطية تعمل بالديزل، بسعة إجمالية تصل إلى 11,200 كيلوواط، للتعامل مع أي طوارئ.
كما سيتم تركيب بطاريات شحن بسعة 8 ميجاواط/ساعة في كل من موانئ طريفة وطنجة، بالإضافة إلى إمدادات الطاقة الأرضية (5 ميجاواط في طريفة و8 ميجاواط في طنجة).
وسيتم شحن البطاريات باستخدام ذراعين روبوتيين مستقلين في كل ميناء، مما يسمح بإعادة شحن البطاريات بالكامل في غضون 40 دقيقة فقط.
وستكون السعة الإجمالية للبطاريات على متن السفن وعلى الشواطئ حوالي 39 ميجاواط/ساعة، وهو ما يعادل شحن حوالي 765 سيارة كهربائية.
ويأتي هذا المشروع نتيجة تعاون وثيق بين القطاعين العام والخاص، حيث تم منح شركة بالياريا عقدًا مدته 15 عامًا من قبل سلطة ميناء خليج الجزيرة الخضراء (APBA) لإدارة خط طريفة-طنجة فيل.
وقد ركزت السلطة المينائية على المعايير الفنية والبيئية في منح هذا العقد، مما يعكس التزامها بالابتكار والاستدامة.
وأشار أوتور إلى أن هذا المشروع يمثل “حبلًا أخضر يربط بين بلدين تربطهما علاقات تاريخية وثقافية واقتصادية وثيقة”.
كما أكد على أن الخط الجديد سيكون بمثابة نقطة جذب للاستثمارات والمواهب، ودافعًا للاقتصاد المحلي وخلق فرص العمل.
من جهته، أشاد خوسيه أنطونيو سانتانو، وزير الدولة الإسباني للنقل والتنقل المستدام، بجهود بالياريا في تعزيز الاستدامة والابتكار. وأكد أن “إزالة الكربون من وسائل النقل هي أحد أولويات الوزارة”.
كما رحب أرتورو برنال، وزير السياحة والشؤون الخارجية في منطقة الأندلس، بهذا المشروع الذي يعكس ريادة المنطقة في مجال الاستدامة. ومن المتوقع أن يستقطب الخط الجديد حوالي أربعة ملايين مسافر سنويًا.
وسيتم تحسين البنية التحتية للموانئ لدعم هذا المشروع، حيث ستستثمر سلطة ميناء خليج الجزيرة الخضراء 62 مليون يورو في مشاريع الطاقة الأرضية في طريفة والجزيرة الخضراء. كما سيتم تحسين الوصول البري إلى ميناء طريفة لتسهيل حركة المسافرين والبضائع.
ويشبه تصميم العبّارات الجديدة تصميم عبّارتين أخريين تعملان بالغاز الطبيعي، وهما “إليانور روزفلت” و”مارغريتا سالاس”، ولكن مع تحسينات لتتناسب مع موانئ طريفة وطنجة فيل. وستكون العبّارات الجديدة قادرة على استيعاب 804 راكب و225 سيارة، مع سرعة قصوى تصل إلى 26 عقدة.
وتعتمد استراتيجية بالياريا على إنشاء أسطول من السفن الذكية الموفرة للطاقة، حيث تعمل الشركة على مشاريع مرتبطة بالطاقات المستقبلية، بهدف تحقيق صفر انبعاثات بحلول عام 2050.
وتضم الشركة حاليًا 11 سفينة تعمل بالغاز الطبيعي، وهي من الرواد في استخدام الطاقة الكهربائية في مجال النقل البحري.
ويمثل هذا المشروع خطوة كبيرة نحو تحقيق مستقبل أكثر استدامة في قطاع النقل البحري، حيث يجمع بين الابتكار التكنولوجي والالتزام البيئي، مما يعزز العلاقات الاقتصادية والثقافية بين إسبانيا والمغرب، ويضع معيارًا جديدًا للنقل البحري الصديق للبيئة في المنطقة.
تعليقات الزوار ( 0 )