Share
  • Link copied

أوساط إسرائيلية تعتبر أن ترامب خان الأكراد وأعطى درسا لإسرائيل

بناصا ـ متابعة


تعتبر أوساط إسرائيلية أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من شمال سوريا هو خيانة للأكراد ودرس لإسرائيل، وتدعو لاستخلاص الاستنتاجات وإعادة النظر في توجهاتها وسياساتها في المنطقة، فيما تصمت إسرائيل رسميا على القرار ويتواصل الانقطاع الهاتفي بين رئيس حكومتها نتنياهو وبين البيت الأبيض منذ إعلان نتيجة انتخابات الكنيست في 17 شتنبر المنصرم.

ويرى دكتور نحمان شاي، أستاذ زائر في جامعة إيمري في أتلنتا، وعضو كنيست، وناطق بلسان الجيش الإسرائيلي سابقا، أن الإسرائيليين يحبون وصف حالتهم في المنطقة كـ”فيلا داخل الأدغال” لأن المصطلح يسهل لهم الحياة فهم “أخيار وغيرهم أشرار”.

ويتابع في مقال نشرته صحيفة “معاريف” بالقول: “نحن في الداخل، في فيلا، وهم في الخارج، في الغابة. ونحن واثقون بأننا إذا أغلقنا النوافذ والأبواب بإحكام وشغّلنا المكيف، سننسى أين نعيش. لكن هذا لم يعد ينفع بعد الآن. وفي الأسبوع الماضي حصلنا على دليل قاطع على أن الفيلا هي لنا -مع التكنولوجيا والهاي تك والثقافة الغربية- بل أيضاً أن الغابة من حولنا هي لنا ونحن لها”.

ويقول إن فعل الخيانة الذي ارتكبته الولايات المتحدة بحق الأكراد خرق سقف المنزل وأجبر إسرائيل على الخروج من طمأنينتها، وله أهمية هائلة تتخطى أي قرار آخر اتخذه الرئيس دونالد ترامب، معتبرا أن التخلي عن الأكراد، بعد أن خدموا جيداً وبدماء غالية مصالح دول الغرب بصورة عامة والولايات المتحدة بصورة خاصة، هو أمر يجب أن تستوعبه إسرائيل جيداً.

ويضيف: “مثل الأكراد، نحن أيضاً أقلية في الشرق الأوسط. وليس صدفة أن دافيد بن- غوريون دعا في حينه إلى قيام حلف للأقليات غير العربية في المنطقة. لقد فهم أن هذا الحلف سيكون المعسكر القادر على موازنة القوة والحجم الكبير للعرب من حولنا”، مدعيا أن “إسرائيل قد حققت إلى حد بعيد هذه الرؤية، وأقامت علاقات مع الأقلية الكردية والأقلية الدرزية ومع المسيحيين في لبنان، وفي مرحلة معينة أقامت مثلثاً إستراتيجياً مع إيران وتركيا، في نهاية الأمر انهار هذا المثلث”. كما يزعم أن الأقلية اليهودية تمكنت من إقامة دولة، لكن في جميع حروبها، باستثناء واحدة -العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956- كانت وحدها.

ويتابع: “وبعد حرب 1956 “الحلف” بيننا وبين فرنسا وإنكلترا، الذي في سياقه تمكنا من احتلال نصف شبه جزيرة سيناء، اضطررنا إلى الانسحاب بمهانة كبيرة تحت ضغط أمريكي شديد”. ويقول إن فرنسا تخلت عن إسرائيل قبل حرب حزيران/يونيو 1967 وأرسلتها إلى القتال وحدها، معتبرا أن “الولايات المتحدة رافقت إسرائيل من بعيد في الأيام الحساسة في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 وفقط قبل نهايتها زادت جسرها الجوي، وبرزت كوسيطة بوساطة هنري كيسنجر وساعدت في التوصل إلى وقف إطلاق النار، وإلى فصل القوات، وفي النهاية إلى السلام، ويجب أن نقول لها شكراً جزيلاً على ذلك”.

وضمن الجدل حول فكرة التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة التي طرحها نتنياهو خلال الانتخابات العامة الفائتة، يؤيد نحمان شاي الفكرة بتحفظ ويقول إنه “في الإمكان طبعاً أن يستند الخط الأول لبقاء في المنطقة على تحالفات وعلاقات علنية وسرية مع دول مجاورة، لكن بالإضافة إلى هذا الخط، يختبىء الخط الثاني وهو صحيح الآن أكثر من أي وقت مضى: يجب على إسرائيل أن تؤسس وجودها وأمنها بالاعتماد على قوتها فقط. بهذه الطريقة فقط ستنجو، وفقط بذلك ستقلل من خطر تخلي أحد ما عنا في وقت الشدة”. ويخلص في مقترحه للقول: “من المعقول ألّا ينقلب علينا ترامب غد أو بعد غد. ورغم تصريحاته (“من المؤسف أننا دخلنا إلى الشرق الأوسط“)، فإنه لا يزال هناك قوى كبيرة في الكونغرس وفي المؤسسة الأمنية – السياسية وفي الرأي العام تدعم إسرائيل، وتقدّر مكانتها الإقليمية، ومستعدة لمساعدتها. لكن التجربة الكردية تدل على أن كل شيء يمكن أن يتغير فجأة. المصالح تأتي وتذهب. في هذه الأيام بالذات، وعندما ننظر إلى الوراء، إلى حروب إسرائيل، نتذكر أن هذه القوة هي المرساة الأساسية التي يمكننا الاعتماد عليها”.

إعادة النظر

وكشفت القناة الإسرائيلية “12” أن هناك خططاً عسكرية إسرائيلية جديدة لمواجهة العملية العسكرية التركية في سوريا، المعروفة باسم “نبع السلام”. وذكرت بأن الجيش الإسرائيلي قرر تغيير خطته “متعددة السنوات” التي يعمل رئيس هيئة الأركان، الجنرال أفيف كوخافي، على إعدادها، وذلك بعد الخطوة المفاجئة التي اتخذها ترامب، بسحب القوات الأمريكية وتخليه عن الأكراد.

وأضافت القناة أن هذه الخطوة “الجدية للغاية” والخطيرة في الوقت نفسه، للجانب الإسرائيلي، دفعت قيادة الجيش للعمل بسرعة على تغيير خططه العسكرية، بعد أن بقيت إسرائيل وحدها في الساحة مع روسيا وإيران، ما يتطلب تغييرات للتعامل مع الواقع الجديد.

وأشارت القناة الإسرائيلية إلى أن رئاسة الأركان الإسرائيلية ستبدأ إجراء تغييرات على الخطة وفقًا للواقع الجديد في سوريا، الذي سيضع إسرائيل لوحدها في مواجهة الخطر الإيراني، سواء من الأراضي السورية أو العراقية أو غيرها. وأوضحت القناة أن إسرائيل كانت تعول كثيرا على ترامب، ولكنه خذلها، وبأنه ليس لديه مشكلة في ترك “إسرائيل” وحدها.

سياسة أوباما في عهد ترامب

في المقابل يعتبر السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن زلمان شوفال تخلّي ترامب عن الأكراد الخطوة الأكثر درامية وإن لم تكن الوحيدة في التوجه العام نحو ترك منطقة الشرق الأوسط كلها أو على الأقل تقليص الوجود الأمريكي فيها إلى الحد الأدنى.

ويقول شوفال في مقال نشرته “يسرائيل هيوم” إنه وفقاً لعنوان المقال الرئيسي في المجلة الأمريكية “فورين بوليسي” فإن “هذه هي اللحظة التي ستقرر مستقبل الشرق الأوسط”، في حين أضاف العنوان الفرعي أنه إذا لم تعد الولايات المتحدة معنية بالدفاع عن النفط السعودي فهذه إشارة إلى أنها ما عادت معنية بالدفاع عن المنطقة كلها.

ويشير إلى أنه منذ الحرب العالمية الثانية ساهمت ثلاث مصالح في بلورة سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط: تأمين التزويد الحر للنفط، ومساعدة إسرائيل في الحفاظ على أمنها، ومنع أي دول أُخرى من تهديد قدرتها على تحقيق المصلحتين السالفتين. وبرأي شوفال زوّد تاريخ السنوات الـ75 الأخيرة نماذج كثيرة على سريان مفعول الخطوط العامة لهذه السياسة، سواء خلال فترة الحرب الباردة، أو عبر عمليات الحفاظ على حرية الملاحة في مضائق هرمز وباب المندب ونشر أكثر من نصف مليون جندي في السعودية في أثناء حرب الخليج الأولى، أو من خلال الاتفاقيات مع إسرائيل في موضوعات الأمن والاستخبارات والمساعدات الأمنية المباشرة.

الشرق الأقصى

لكن شوفال وعلى غرار جهات إسرائيلية أخرى يعتبر أن من بدأ بتقويض السياسة الأمريكية التقليدية في الشرق الأوسط هو الرئيس السابق باراك أوباما. ويدلل على ذلك بالقول: “كانت الإشارة الأولى خطابه أمام الكلية العسكرية “ويست بوينت”، والذي أعلن فيه أن أمريكا ستنقل “محور سياستها” من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى. وكانت الخطوة التالية الاتفاق النووي الإيراني الذي من أجله كان أوباما مستعداً لأن يتجاهل بصورة شبه تامة مصالح حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة”.

كما يشير لـنقض تعهده بالرد بقوة في حال إقدام رئيس النظام السوري بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المتمردين في سوريا، وبذا فهو يتحمل ولو بصورة جزئية المسؤولية عن استمرار حمام الدم هناك وعن تعاظم الوجود الروسي والإيراني، معتقدا بأن سياسة أوباما استمرت في فترة ترامب.

ويقول إن الإيرانيين يحسنون القراءة بين السطور، وبناء على ذلك فإن غياب رد من جانب إدارة ترامب على الهجوم ضد منشآت النفط السعودية وفي مضائق هرمز وخليج عُمان وإسقاط الطائرة الأمريكية المسيّرة، يثبت سواء لأعداء أمريكا أو لأصدقائها أن “ترامب يتكلم بصوت عال لكنه لا يمسك بيديه عصا كبيرة”.

ولذا يخلص للاستنتاج والقول إن هذا الوضع يسلط ضوءاً جديداً أيضاً على موضوع احتمالات عقد اتفاق دفاع مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة. ويتابع: “عندما تحدث رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن اتفاق كهذا اتُهم بأنه يفعل ذلك من أجل الدعاية الانتخابية. كما أن القائد السابق للجيش غادي أيزنكوت أكد أن إسرائيل ليست بحاجة إلى اتفاق كهذا”، موضحا أن المشتغلين في شؤون الأمن في إسرائيل، في معظمهم، يعتقدون وربما بحق، أنه من الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل ألّا تكون مكبلة باتفاق من شأنه أن يقيّد حرية نشاطها العسكري والأمني وأن يمس مبدأ قيام إسرائيل بالدفاع عن نفسها بقواها الذاتية ومن دون مساعدة من أي أحد.

لكن يبقى السؤال المطروح الآن برأي شوفال: في الواقع الذي أصبحنا مهددين من جانب دولة لا تخفي نيتها إبادتنا وتطوّر بنشاط جميع الوسائل المطلوبة لذلك، ألا يجب إجراء تقويم جديد في هذا الشأن؟ عن ذلك يقول: “صحيح أن إسرائيل لديها طرق ووسائل جيدة للدفاع عن نفسها، لكن ذلك لا يقلل من أهمية وجود تعهد رسمي من الدولة العظمى الرئيسية أن ترى أي هجوم على إسرائيل بأنه هجوم عليها، وخصوصاً أن الحديث يدور حول اتفاق ستتم المصادقة عليه في الكونغرس الأمريكي، وسيُلزم ليس الإدارة الأمريكية الحالية فحسب بل أيضاً الإدارات التي ستأتي بعده”.

تركيا، أختنا التوأم

وبسياق متصل كان الكاتب الصحافي الإسرائيلي غدعون ليفي قد سخر من الموقف الإسرائيلي الرسمي والشعبي حيال محنة الأكراد، فقال في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” إن موجة مؤثرة من الإنسانية، والخوف على حقوق الإنسان، ومعارضة أعمال الاحتلال، والتعاطف مع الشعوب المقموعة، تجتاح مؤخراً اليمين الإسرائيلي. ويقول ليفي ساخرا إن كل شخص عنصري تحول إلى رينيه صموئيل كاسان (1887-1976 قاض فرنسي يهودي حائز على جائزة نوبل للسلام، من الذين شاركوا في كتابة إعلان حقوق الإنسان)، وكل شخص قومي تحول إلى نيلسون مانديلا.

ويؤكد ما يحاول بقية الإسرائيليين التستر عليه أن إسرائيل تتباكى بدموع التماسيح فهي تفعل بالفلسطينيين أضعاف ما تفعله تركيا بالأكراد، ويضيف: “مع ذلك هناك فرق واحد: في شمال سوريا هناك مكان يمكن الفرار إليه، في غزة لا يوجد، فقط البحر المحاصر هو أيضاً. لا ترون في غزة قوافل اللاجئين الفارّين كما في سوريا، قوافل اللاجئين الأخيرة في غزة كانت في عام 1948. ربما لذلك يحذر نتنياهو من تطهير إثني، وتقول زعيمة اليمين إييلت شاكيد إن من حق الأكراد الحصول على دولة. هل هناك مزحات أكثر مرارة من ذلك؟”.

Share
  • Link copied
المقال التالي