لا تزال تداعيات وفاة شابان من أصول مغربية في إسبانيا، نتيجة موجة البرد الشديدة التي شهدتها مدن الجارة الأوروبية مع بداية السنة، تستأثر باهتمام بالغ من لدن الأوساط الإسبانية والمغربية، لاسيما مأساة الشاب، المسمى قيد حياته بـ أمين، والذي كان يعيش حالة من التشرد والضياع في شوارع برشلونة.
نسرين ابنة عم المتوفى، تقاضت وترافعت لمدة ثلاثة أسابيع ضد ما سمي بـ “جدار البيروقراطية” الذي منعها من إعادة جثمان أمين لوالديه بالمغرب، بعد أن صدمت حالة هذا الشاب الشعب المغربي، في قصة بؤس تُناقض تلك التي القصص التي تُروى على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة “elperiodico” الإسبانية، الحقيقة المرة التي واجهتها عائلة المتوفي، وهو ما نقلته على لسان نسرين التي قالت إنّ “أسوأ شيء هو سماع أن جثة أمين ستبقى في إسبانيا”، تشرح ذلك وهي تنتظر دروها في طابور تسجيل الوصول في مطار برشلونة، وهي على وشك اللحاق برحلتها المتوجهة إلى الدار البيضاء.
وأضاف المصدر ذاته، أنه تم العثور على جثة الضحية المغربي البالغ من العمر 27 سنة في حديقة “سيوتاديلا”، وهو واحد من اثنين من المشردين من أصل مغربي وتوفي ذلك اليوم خلال موجة البرد القارسة، مما أدى إلى انخفاض حاد في درجة حرارة جسمه.
وتحكي نسرين للصحيفة الإسبانية، أن “أفضل شيء هو أنه بعد فترة طويلة، أي ما يقرب من خمس سنوات منذ أن ترك أمين مسقط رأسه في مدينة خريبكة بحثًا عن مستقبل لم يجده في أوروبا، ستتمكن الأم من رؤية وجهه ابنها للمرة الأخيرة، حتى ولو كان ذلك من خلال زجاج التابوت”.
وتمكنت نسرين، البالغة من العمر 29 عاما والتي تدرس “علم الجمال” في إيطاليا، السفر إلى برشلونة وحل مشكلة تحديد الهوية للتعرف على جسد ابن عمها والبدء في إجراءات العودة إلى الوطن، بحيث استطاعات أخيرا أن تسافر مع بقايا من ابن عمها، أو هكذا تنتهي الحياة المعقدة بعد الموت، وفق تعبيرها.
وكانت نسرين قد وصلت إلى المدينة الكاتالونية في الـ17 يناير، وكانت تطمح حل القضية في يومين أو ثلاثة أيام، بيد أن البيروقراطية حاصرتها، ووضعتها في مأزق دام ثلاثة أسابيع قضتها ملتصقة بالهاتف في منزل مريم، وهي جارة مغربية من ترينيتات، قالت لها إنها تستطيع البقاء طالما كان الأمر ضروريًا.
خطأ في تحديد هوية الجثة
كشفت الصحيفة الإسبانية، أن المشكلة الأولى والخطيرة التي واجهت نسرين هي تحديد هوية جثة أمين بعد أن وقع خطأ في التسمية تحت إسم محسن، وكان من الصعب توضيح ذلك، إلا أن نسرين نجحت برفقة مؤسسة “أريلز” في الحصول على إذن قضائي للتعرف بصريًا على جثة ابن عمها، وهي ممارسة غير معتادة بسبب قساوتها لكنها كانت الخطوة الأولى في إعادة تسمية الجثة، بعد أن أمر القاضي “موسوس دي إسكوادرا” بتكرار اختبارات تحديد الهوية.
وقبل أن يتجمد حتى الموت في ركن من أركان المنتزه الآنف ذكره، استخدمت أمينة نسخة من جواز سفر شقيقها محسن في برشلونة، وهي مناورة سهلت خطأ تحديد الشرطة، بعد أن انتهى المطاف بجسده في فهرسة وديعة معهد الطب القانوني في كاتالونيا تحت اسم محسن.
وقارن القاضي موسوس، بعد إشعار نسرين، بأن بصمات أمين تطابق تلك التي سجلتها السلطات المغربية. حيث استغرقت العملية أسبوعًا كاملا، لكن نسرين تلقت بعد ذلك، تأكيدا رسميا بأن أمين كان بالفعل أمينًا للعدالة الإسبانية، وهي أخبار تعني أنها بإمكانها بدء إجراءات الإعادة إلى الوطن.
وأضافت الصحيفة ذاتها، أنه بعد الفرح، جاء الترح، إذ أنه بعد ساعات من تفعيل الطلب، اكتشفت نسرين أن الأوان قد فات، وكان لابد من دفن أمين في إسبانيا، في مكان لا تربطه به أية صلة، وهو الخبر الصاعقة لأسرته التي لن تتمكن من رؤيته قبل دفنه.
قانون تحنيط الجثت
وأوضحت الصحيفة الإسبانية، أن إعادة الجثة إلى الوطن هي إجراء دبلوماسي يجب أن تروج له حكومة البلد الذي يجب أن يعود المتوفى إليه، كما أن القانون الإسباني ينص على أنه يجب تحنيط الجثة لمغادرة الإقليم، ومع ذلك، يردف المصدر ذاته، فإنه لا يمكن إجراء التحنيط إذا مرت 96 ساعة على الوفاة.
وأضاف المصدر ذاته، أنه في حالة أمين، تم تجاوز هذه المدة بشكل مريح لأن جسده لم يتم التعرف عليه بشكل صحيح في المقام الأول، وإلى أن أمكن تصحيح الخطأ، لم تطلب القنصلية المغربية في برشلونة إعادته إلى أرض الوطن.
وأشارت الصحيفة، إلى أنّ فاطمة الزهراء بوها عينين، المحامية بالقنصلية، تجاوزت هذا الجدار الثاني بتقديم تقريرين طبيين أكد فيهما أخصائيو الصحة أن جثة أمين كانت بحالة جيدة وأنه لا يزال من الممكن المضي قدماً في التحنيط.
إلى ذلك، تمت الموافقة يوم الخميس 4 فبراير، على نقله جثمانه إلى المغرب، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تحنيط جثة شخص وإعادتها إلى أرض الوطن بعد عدة أيام، كما أكدت على ذلك بوها عينين، التي طلبت مراجعة اللوائح بحيث لا تتكرر حالات مثل حالة أمين.
تعليقات الزوار ( 0 )