هل هي عودة للثنائية القطبية في حلة وقالب جديدين بدلالة حرب ناعمة فأمريكا لم تعد قوة عظمى كما كانت، وعليه نرصد تحولات في المنظومة الرأسمالية وتنافسا يجري على أشده بين توجهات في أحشاء النظام الرأسمالي إخترت لها عنوانا قد يبدو غريبا للقارئ لكن له قراءات ودلالات.
الرأسمالية اليمينية والرأسمالية “اليسارية” في إشارة لأمريكا بريطانيا وحلفائهم، وعلى الجانب الآخر الصين وروسيا وحلفائهم أيضا في المرحلة الراهنة.
ما جعل القلم يسيل مداده من اجل الكتابة في مثل هكذا موضوع عن الحرب الناعمة التي عرفها الأميركي جوزيف ناي وكيل وزارة الدفاع الأميركية السابق حيث قال: هي استخدام كل الوسائل المتاحة للتأثير في الآخرين باستثناء الاستخدام المباشر للقوة العسكرية وهي الحصول على كل ما تريد دون إرغام بطريقة سلسة و ناعمة.
هي حرب تدور رحاها في أعلى المستويات مع هذا التصاعد الصاروخي لقوة التنين الأحمر الصيني الإقتصادية المالية و العسكرية و التفوق الواضح المعالم في اختراق اسواق دولية كانت عصية عليه من قبل و توج حضوره بها في القرن 21 ما أدى إلى خلخلة موازين القوى العالمية إلى جانب الإصطفافات الصامتة من حوله.
وبالحديث عن موازين القوى أو منطق القوى العظمى في إشارة مقتضبة مع نهاية الحرب العالمية الثانية و التي عرفت هزيمة مذلة للنازية الألمانية و قائدها برمزيته أدولف هتلر “حزب العمال الوطني الإشتراكي الألماني”، و بتشكيل توجه جديد في المانيا قادها لما كانت عليه من قوة اكتسحت العالم وصلت إلى حد إستعمار فرنسا و توغلت في العديد من المناطق بالعالم، لكن بالرجوع الى التحالف الذي فرضه الوضع الجيوسياسي أنذاك بين أمريكا و الاتحاد السوفياتي و بريطانيا الحلفاء ووفقا لمنطق قاعدة لا بد من اﻹشارة إليها في العلاقات الدولية:
“عندما تكون هناك مصلحة عامة للأمة او البلد تنتهي الإيديولوجيا” هي رسالة بالغة في الأهمية.
انتهت الحرب بأبشع مجزرة عرفها التاريخ هيروشيما و نكازاكي و تفوق الحلفاء على دول المحور و اندحار نازية هتلر و فاشية بينيتو موسوليني، لكن فكرة التوسع و اقتسام الكعكة اصبح حاضرا في صراع بين قطبين جديدين وصل الى حد حرب سميت بالباردة بينهما هنا ظهر على الجانب الآخر من آسيا مولود قديم جديد بنزعة حمراء كان سابقا في بداية العشرينيات، لكن لم يكتمل توهجه الا سنة 1949 تمثل في الحزب الشيوعي الصيني بزعامة ماو تسي تونغ و هو الذي تحمل مسؤولية إنقاذ أكبر دولة في العالم من المجاعة بعد خروجها من الحرب العالمية بخسائر جراء القصف الياباني و كذا حرب اهلية الشيء الذي يحسب للصين انها راهنت على شعبها في عملية البناء و سواعد و افكار أبنائها فهمت الدرس جيدا و واصلت بمجهودات قادتها للثورة الثقافية التي تشبع بها الكثيرون منذ مطلع سنة 1966 و التي من ورائها مباشرة عرفت فرنسا إنتفاضة الطلاب 8 ماي 1968 علاقة تأثير و تأثر طبعا كذلك عرفت الصين إصلاحات إقتصادية مهمة سنة 1979 على مستوى أوراش كبرى للدولة، لم تدخل في نزاع كبير او حرب تشتت لها عملية البناء رغم مشكلتها الحدودية مع الهند 1962و 1987 و كذا مشكل تايوان لكن راكمت مسارا من العمل و التطور اشتغلت على مبدأ مهم في مجال الدبلوماسية الذي خول لها تبوؤ مصاف المراتب الاولى كقوة صاعدة هذا المبدأ هو:
فن الدبلوماسية السرية و التي تعد بمثابة سباق للمسافات الطويلة من أجل تحقيق أهداف إستراتيجية مهمة مبدأ تشتشغل عليه أقوى أجهزة الإستخبارات الدولية، و هذا ما نجحت فيه و انتقلت باستثماراتها و تجاراتها العابرة للقارات بذكاء و تفوق لدرجة ان لها استثمارات مهمة داخل حتى أمريكا التي تعد الخصم اللذود لها في اطار تنافسية إقتصاد السوق رغم تشويش القادة الذين تعاقبوا على حكم امريكا و كان آخرهم و طبعا ليس آخرهم الرئيس دونالد ترامب خصوصا مع ظهور جائحة كرونا و الاتهامات المباشرة الموجهة للصين إلا ان هذه الأخير ربحت رهان المعركة بانخراطها في دعم مجموعة من الدول في فترة صعبة في ظل الجائحة و تحقيقها قفزة نوعية في انتاجها لأول لقاح لوباء العصر و توزيعه على مجموعة من الدول التي كسبت تعاملها معها عبر اتفاقيات شراكة و صداقة و لعل آخر التصريحات للمتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان، أن بلده سيعمل على توفير اللقاحات ذات الأولوية في أشكال مختلفة، بما في ذلك التبرع أو المساعدة المجانية تؤكد التوجه الرائد لمشروع الدولة الصينية.
ورغم السخط والإعتراض الأمريكي، وقع الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة اتفاقية الشراكة الاستراتيجية للاستثمار مع الصين، و باءت محاولة أمريكا تعطيل الاتفاق بالفشل، فوز آخر للصين بعد عدة إتفاقيات إستراتيجية واتفاقية الاستثمار مع دول آسيا و افريقيا. ما يفسر أن أمريكا غير مستوعبة أن هيمنتها في تراجع وأن النظام العالمي يتغير.
إلى جانب مشروع عابر للقارات يتمثل في إقامة طريق الحرير و الطفرة النوعية في التكنولوجيا و المعلوميات تقنيات الجيل الخامس G5 والتي تبلغ سرعتها 10 غيغابايت في الثانية و كمعلومة جديدة الصين دخلت في إنتاج G6 تبلغ سرعتها 1000غيغابايت في الثانية، والتي ستكون جاهزة بمتم 2027 ربما ستخولها أن تمر للسرعة القصوى ﻹعتلاء المرتبة الأولى عالميا كقوة عظمى تبسط نفوذها على الإقتصاد و السياسة و امور أخرى، انتصارات تلو الانتصارات تحققها الصين، و لا أعتقد أن الرئيس الجديد جو بايدن سينهج نهجا عدائيا يشعل فتيل حرب عسكرية قد تكون مدمرة الا اذا كانت هناك تطورات و مستجدات تقضي بهذا قلت ان الصين تعلمت و فهمت الدرس جيدا من أخطاء الإتحاد السوفياتي و اشتغلت بهدوء و ذكاء منقطعي النظير لتفاجئ العالم بصعود قوة لا يشق لها غبار و هذا درس بليغ الأهمية في عالم السياسة و الإقتصاد و التحولات الدولية.
تعليقات الزوار ( 0 )