إن المتتبع للشأن المغاربي عامة، ولعلاقات المغرب والجزائر خاصة، يخرج بانطباع عام مفاده أن المواجهة العسكرية بين الطرفين ستقع في القريب المنظور لا محالة، وأن المسألة هي مسألة وقت فقط، خاصة عند استحضار سباق التسلح الذي تشهده المنطقة، وكذا المناورات العسكرية الدائمة التي لا يكلّ البلدان من تنفيذها بالذخيرة الحية والأسلحة الحربية المتطورة في المناطق المتاخمة لحدود بعضهما البعض.
كما أن سيناريو لجوء الجزائر الى قوة السلاح لفرض أجندتها الاقليمية يتعزز أكثر عند البعض في ظل معارك الحرب الدبلوماسية الطاحنة التي لا تخبو إلا لتستعر من جديد خصوصا بعد صعود الرئيس عبد المجيد تبون في الانتخابات الأخيرة، وإصراره على استفزاز المغرب واستهداف سيادته ووحدته الترابية بتصريحاته وخطاباته المعادية في وسائل الاعلام والمحافل الاقليمية والدولية.
هذا المقال وإن كان لا يستبعد احتمال نشوب بعض المناوشات أو حتى مواجهة عسكرية محدودة بين الجيشين على حدود البلدين، فإنه لا يتفق مع فرضية لجوء الجزائر الى حرب مفتوحة ضد المغرب، وذلك على أساس أن هذه الفرضية تجانب الصواب لعدة أسباب واعتبارات من بينها:
أولا– إن قرار إعلان الحرب ليس بيد حكام الجزائر وذلك ببساطة لأن صفقات التسلح التي تبرمها مع الشركات الحربية العالمية غالبا ما تكون مشروطة بعدم استخدام السلاح ضد دولة أخرى إلا بموافقة سلطات الدول المنتجة والمصدرة لهذه الأسلحة، أي أن قرار الحرب مرهون في آخر مطاف بإرادة هذه الدول. ولكون الجزائر تستورد أسلحتها بالأساس من روسيا وفرنسا وإيطاليا واسبانيا والصين بل وحتى من الولايات المتحدة الأمريكية، فلا يمكن أن تسمح هذه الدول باندلاع حرب في المنطقة المغاربية، لا سيما وأن هذه الأخيرة تكتسي أهمية خاصة في سياسات واستراتيجيات القوى الدولية والاقليمية المذكورة. ولا ننسى في هذا الإطار أن الجزائر ”حليف مبدئي” لروسيا و”رفيق قديم” للصين الشعبية كما أن المغرب أيضا ”صديق جيد” و ”شريك استراتيجي” بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا– إن المناورات والتمارين العسكرية التي تقوم بها كل من القوات المغربية والجزائرية هي تداريب روتينية مشروعة هدفها صقل مهارات هذه القوات وتحسين قدراتها القتالية وضمان استعدادها وجاهزيتها للتدخل من أجل حماية الأمن والدفاع عن الحدود، لكن هذا لا يعني بالضرورة الاستعداد للدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة بين البلدين، خاصة إذا عرفنا أن مصادر تهديد الأمن القومي لهذين الأخيرين كثيرة ومتعددة وأنهما يجاوران دولا تعرف أوضاعا أمنية مضطربة وغير مستقرة وتنشط في أراضيها جماعات إرهابية، مثلما هو الحال في ليبيا وموريتانيا ومالي والنيجر وغيرها من الدول الافريقية التي تعيش على إيقاع حروب أهلية ونزاعات مسلحة داخلية خطيرة.
ثالثا– تحظى المنطقة المغاربية باهتمام كبير ومتزايد من طرف الدول الكبرى التي تجمعها فيها مصالح اقتصادية مشتركة لما تزخر به هذه الأخيرة من موارد أولية استراتيجية واحتياطات نفطية مهمة ولما تمثله من سوق استهلاكية واسعة. فمنذ إطلاقها لمبادرة الشراكة الاقتصادية الأمريكية المغاربية أواخر التسعينيات ومرورا بمختلف الاتفاقات الاقتصادية الثنائية، ظل الوجود الاقتصادي لأمريكا حاضرا بقوة في المنطقة، وإن بشكل متفاوت من بلد لآخر. كما أن روسيا كذلك تربطها علاقات اقتصادية قوية خاصة مع الجزائر التي تعتبر شريكا اقتصاديا استراتيجيا لها فضلا عن كونها أهم مستورد للأسلحة الروسية. ومن جهتها أخذت الصين تسجل لنفسها حضورا لافتا في المنطقة، بحثا عن تسويق سلعها ومنتجاتها وتوسيع قاعدة تجارتها واستثماراتها، خاصة بعد إطلاقها لمبادرة الحزام والطريق.
رابعا– على مستوى الضفة الجنوبية للمتوسط، ترتبط فرنسا بعلاقات متميزة مع المنطقة المغاربية التي تحتل في أجندة سياستها الخارجية مكانة خاصة. ففرنسا تعدّ الشريك الأول لدول الضفة الشمالية، كما أن هذه الأخيرة تعتبر في المنظور الفرنسي منطقة ذات عمق استراتيجي مهم بالنسبة للقضايا الأمنية والدفاعية الأورو متوسطية، لاسيما مع انتشار الاضطرابات وتنامي ظاهرة الإرهاب والهجرة غير النظامية وغيرها من التحديات والمخاطر. ومن جهتها تعتبر اسبانيا المغرب والجزائر شريكين مهمين تتقاسم معهما مصالح حيوية في مجالات كثيرة وخاصة الاقتصادية والأمنية منها.
خامسا– إن الوضع الاقتصادي الهش في المغرب والجزائر لا يقدر على تحمل أعباء الحرب وتكاليفها الباهظة. ولاشك أن أي مواجهة عسكرية بين البلدين لن تكون إلا على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ذلك أن المجهود الحربي سيستنزف الموارد التي كانت ستخصص في الأصل لتمويل برامج التنمية ومشاريع البنى التحتية. وعموما، فإن كلفة الحرب ستنهك اقتصاديات هذين الجارين وستعمق الأزمة البنيوية التي تتخبط فيها خصوصا على مستوى تراجع النمو الاقتصادي واستفحال البطالة وارتفاع حجم الديون الخارجية، وما أدى ويؤدي إليه ذلك من تعميق التبعية للدوائر الاقتصادية والمالية الأجنبية.
سادسا– إن تحليل التصريحات العدائية للرئيس الجزائري لا يستقيم بمعزل عن استحضار الواقع الذي ينتجها والسياق الذي يفرزها والبيئة الداخلية التي تؤطرها وكذا الخلفية النفسية التي تغذيها. فلكون الشارع في الجزائر يعرف اضطرابا عميقا ويعيش على إيقاع حراك شعبي متواصل منذ شهور وإن تقطّع مؤقتا بفعل الأزمة الوبائية الراهنة، ولكون الأزمة الاقتصادية والاجتماعية قد ضربت أطنابها في البلاد، كان لابد والحال هذه أن تتفتق عبقرية الرئيس باستهداف المغرب في محاولة منه لتهدئة غضب الشارع وصرف الأنظار عن هذه الأزمة الداخلية التي ما برح يئن تحت وطأتها الشعب المغلوب على أمره. ولذا فإن خطابات الرئيس وتصريحاته بخصوص الصحراء المغربية إنما هي موجهة في الواقع للداخل أكثر مما هي موجهة لأية جهة أخرى بعينها في الخارج..
بناء على هذه الاعتبارات وغيرها، فإنه يصعب الحديث عن قيام حرب بين البلدين في المدى المنظور على الأقل، خاصة وأن أي حرب في المنطقة لن تخدم مصلحة أحد بقدر ما ستعمل على تعميق شرخ التشرذم والبلقنة والانقسام في صفوف بلدان المنطقة ليس إلا. ولكون سياسة تقسيم الأوطان سياسة امبريالية درجت على نهجها القوى الاستعمارية منذ القدم، فمن يدري أن الاعلام الذي يروج اليوم لخطاب الحرب ما هو إلا دعاية مدروسة تمهد لتفكيك سيادة كل من المغرب وجارته الشرقية من طرف أعداء الشعوب والأمم؟ ومن يدري بأن الدور قادم على هذين البلدين الجارين بمجرد الانتهاء من تنفيذ مخططات تمزيق العراق وتدمير سوريا وتفكيك ليبيا وتشتيت اليمن؟
ختاما، أعود لأقول وأكرر ولا أخشى من التكرار أن الحرب لم تكن يوما حلا ولن تكون، الحل أو المدخل الوحيد والأوحد هو العمل الجماعي المشترك من أجل تقريب وجهات النظر وتذويب الخلافات السياسية بين مكونات المجموعة المغاربية، في أفق إعادة بناء تكتل إقليمي قوي الذي من خلاله ستقدم جميع الحلول والاجابات على واقع التخلف الذي عطل تقدّم دول المنطقة لعقـود من الزمن..
*باحث في العلاقات الدولية
تعليقات الزوار ( 0 )