شارك المقال
  • تم النسخ

أكل عليها الدهر.. مغاربة يتحررون من الإرث “الفرنكوفوني” ويتحدثون بلسان “شكسبير”

بدأ العصر الذهبي للفرنسية كلغة تواصل في المغرب بالتراجع ، خاصة مع الاهتمام العام بالإنجليزية على الصعيدين الشعبي والمؤسساتي، حيث يرى بعض الشباب المغاربة، أن اللغة الفرنسية لم تعد صالحة للتواصل حتى مع الدول المطلة على المتوسط”، وأن حدود استعمالها تنتهي بـ “مطار محمد الخامس الدولي”.

ووفقما أفاد مسؤول في وزارة التربية الوطنية، أخيرا، فإن المملكة تعتزم تعميم تدريس اللغة الإنجليزية تدريجيا اعتبارا من السنة الأولى للتعليم الإعدادي، في إجراء يهدف إلى “إرساء تعددية لغوية” وضمان “تكافؤ الفرص” بين القطاعين العام والخاص.

وفي تقرير بعنوان “الفرنسية على وشك الإندثار”، على صحيفة “NewArab” ترجمته جريدة “بناصا”، قالت الصحافية والباحثة في معهد الدراسات السياسية بباريس، سانيا محيو، “إن تراجع اللغة الفرنسية لا يعكس محاولة التحرر من الإرث الاستعماري الفرنسي فحسب، بل يعكس أيضًا رغبة الشباب المغربي في أن يكون أكثر ارتباطًا بعالم يزداد عولمة”.

وأضافت سانيا، “أنه أثناء التجول في شوارع الرباط أو الدار البيضاء أو مراكش، قد يكون من المفاجئ سماع الشباب يستخدمون بعض الكلمات الإنجليزية في منتصف جملة في الدارجة، وحتى التحدث باللغة الإنجليزية للسائحين الفرنسيين بدلاً من اللغة الأم للزوار”.

ولعقود من الزمان، كانت الفرنسية هي اللغة الأجنبية الرائدة في البلاد، حيث يتعلمها الملايين في المدرسة أو بشكل غير رسمي، لكن يبدو أن هذا الاتجاه قد تغير في الآونة الأخيرة، حيث يسعى المزيد والمزيد من الشباب المغاربة إلى التحرر من إرث المستعمرين السابقين و”البرجوازية القديمة”.

وأردفت الباحثة في معهد الدراسات السياسية بباريس، “يربط العديد من المغاربة من الطبقات المتوسطة والمنخفضة اللغة الفرنسية بالنخبة الناطقة بالفرنسية، الذين يلتحقون في الغالب بمدارس فرنسية خاصة ويتواصلون بنفس اللغة”.

ويستخدم البعض ألقابا مثل “ولد لفشوش”، أو عبارة “كيليميني”، من مصدرها الفرنسي (“qu’il est mignon”) للإشارة إلى المغاربة من الطبقة العليا الناطقين بالفرنسية، والمفترض أنها الفئة المدللة والمنفصلة عن واقع الناس العاديين.

وتجسد هذه الأسماء المستعارة “سيئة الدلالة” أيضًا فكرة أن أصحاب الامتيازات الاقتصادية لا يزالون مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بإرث النظام الاستعماري، سواء كان ذلك من خلال ضعف قدرتهم على التحدث وفهم اللهجة المحلية أو من خلال أسلوب حياتهم “الليبرالي” و”الغربي”.

في حين أن هذه الكليشيهات قد تكون خاطئة في كثير من الأحيان، إلا أنها متجذرة في النظام التعليمي الذي تم إنشاؤه خلال الحقبة الاستعمارية، والذي ميز النخبة المغربية التي أتيحت لها الفرصة لحضور ما يسمى بـ “مدارس أبناء الأعيان” و”المسلمين الفرنسيين”، بينما تم تطوير المدارس الفرنسية – المتاحة فقط لأطفال المستوطنين حتى عام 1944.

وعلى سبيل المثال، توجد واحدة من أعرق المدارس الثانوية في البلاد التي تأسست عام 1922 في الدار البيضاء لا تزال تحمل اسم أول مقيم عام فرنسي في المغرب، ماريشال ليوتي، والمدرسة الثانوية الفرنسية الموجودة في طنجة حتى يومنا هذا تحمل اسم “يوجين ريغنولت”، الموقعة على معاهدة فاس لعام 1912 والتي أسست الاستعمار في المغرب.

ولفتت الصحافية، إلى “أن هذه المؤسسات التعليمية الخاصة لديها رسوم مرتفعة للغاية يمكن أن تصل إلى 52400 درهم للعام الدراسي 2022-2023 في المدرسة الثانوية، أي ما يعادل 15 ضعف الحد الأدنى للأجور الشهرية في القطاع العام”.

وصرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة الفرانكوفونية التي نُظمت في عام 2022، أنه “في بلدان المغرب العربي، نتحدث الفرنسية قبل أقل من عشرين أو ثلاثين عامًا (…) بسبب أشكال المقاومة شبه السياسية” حيث اجتمع قادة من جميع أنحاء العالم في جربة للاعتراف بعالم جديد يفقد فيه الفرنسيون الأرض في مستعمراتهم السابقة.

ويشير ماكرون إلى أن شعوب المنطقة المغاربية لا تشجعهم على التحدث بالفرنسية بسبب المشاعر المعادية للفرنسية المفترض وجودها، لكن خيبة الأمل المغربية تجاه اللغة الفرنسية تنبع أيضًا من مكان آخر، وهو انشغال أكثر عملية.

وأضافت، أنه “أثناء إقامتي في المغرب، أدركت مدى التعقيد الذي يواجهه المغاربة الشباب في تعلم الفرنسية، وهي لغة لم تعد تروق لهم بعد الآن مقارنة باللغة الإنجليزية، التي تعتبر أكثر دولية وأكثر احتمالية لتزويد الشباب بفرص عمل في الخارج”.

وفي عام 2021، كشف استطلاع مستقل بقيادة المجلس الثقافي البريطاني حول التحول إلى اللغة الإنجليزية بين الجيل الجديد من المغاربة، أن 65٪ ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا يعتبرون اللغة الإنجليزية مهمة، بينما يشعر 62٪ بنفس الطريقة عن العربية وفقط 47٪ عن الفرنسية.

وتابعت، “شرح لي صديق من الرباط أيضًا كيف كان عليه التوقف عن متابعة دراسته الجامعية تمامًا لأنه تم تدريسها بالكامل باللغة الفرنسية، وهي لغة لم يتقنها ولم يكن لديه أي وسيلة لتجنبها في النظام التعليم العالي، حيث أن معظم الدرجات العلمية غير متوفرة باللغة العربية ولا باللغة الإنجليزية”.

ولهذه الأسباب نفسها، قررت الجزائر العام الماضي بدء تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية بدلاً من الفرنسية، بهدف الابتعاد عن اللغة “الاستعمارية”، وهو قرار “تأخر” حسب المسؤولين الجزائريين، وفي تونس، تفقد الفرنسية جاذبيتها وتكتسب مكانة نخبوية.

وفي الإنتاجات الإبداعية أيضًا، يتخلى الفنانون المغاربيون أكثر فأكثر عن الفرنسية لصالح الإنجليزية، مع جيل كامل من المغنيين الشباب مثل منال، فوزية، عبير أو “ميلفايا” الذين تمزج كلماتهم بين الدارجة والإنجليزية معًا.

وفي عصر العولمة الجديد، يبتعد شباب شمال إفريقيا عن الماضي الاستعماري ويتبنون طريقة جديدة لتمييز أنفسهم عن النخب الراسخة، حيث صنعوا لأنفسهم لغتهم الخاصة التي يمكن أن توفر لهم الانفتاح على العالم.

وبينما لا يزال ماكرون يعتبر الفرنسية “لغة البان آفريكانيزم”، فإن رؤيته تبدو أكثر من أي وقت مضى مثل الوهم، في منطقة يفقد فيها لسان “غنائم الحرب” هيبته بالتأكيد، وجاذبيته.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي